هدم حصون الفضيلة


هدم حصون الفضيلة

الحمد لله المعبود في أرضه وسمائه؛ المجيب دعاء من يدعوه بأسمائه؛ هدى العباد بالإيمان إلى سبيل الرشاد؛ ووفقهم في الطاعات لما هو أنفع زاد في المعاد؛ وصلى الله وسلم على الذي رفعه باصطفائه إلى محله المنيف؛ وبعثه إلى الناس كافة بالدين القيم الحنيف؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.أما بعد :

( فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ) ، واحذروا من دعايات المظللين، وأفكار المنحرفين، فإن من بيننا اليوم ومن أبنائنا من يسعون في تدمير هذا المجتمع وإخراج كثير من نسائه من سياج العفة والشرف إلى أوحال الرذيلة والدنس.

والداهية الدهياء أن حيل هؤلاء وأباطيلَهم وخططهم الماكرة؛ انطلت على الكثير؛ فهوت المبادئ ؛ وضعفت الغيرة؛ مما يبين لكل عاقل ضعف المرتكزات وأساسات البناء الديني والتوعوي لدى الأسرة والفرد والمرأة ، والذي كان محكوما في السابق بقوة السلطان ، فما إن بدى فتح الباب لهم إلا ورأيت خواء ذلك الروح الديني والقوامة الرجالية الهلامية في حضور مقاهي السينما ومدرجات الكرة ،ونزع حجاب الوجه ، الأمر الذي يستدعي منا إعادة النظر في أسباب ذلك ، فأصبح اللوم دائما مستعتبا منا للآخرين وكأننا خلو من المسؤولية ، وإن كانت المسؤولية مشتركة فإن اصلاحنا بيوتنا وأسرنا صلاح بالطبيعة لمجتمعنا وبصلاحه يصلح القائمون عليه ولاية رغما عنهم فكما تكونوا يولى عليكم .

أيها المسلمون :المجتمع الصالح الراشد هو الذي تتضافر فيه الجهود لنشر الفضيلة في مختلف دروبها ، وقمع الرذيلة في كل مهابطها ، استجابة لأمر الله إذ يقول : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

ففي ظلال الفضيلة منعة وأمان ، وفي مهاوي الرذيلة بلبلة وذلة وهوان ، وإن مما تجب صيانته سيراً في ظلال الفضيلة : « محارم المرء ونساؤه » صيانةً لهن ، وتفادياً من السطو عليهن ، وهَدْرِ عفافهن .

ولقد وضع الإسلام لذلك الحواجز المنيعة والحصون القوية التي تنشأ عليها الأسر وبها تحفظ كرامتها ورونقها :

وأول تلك الحصون : أن جعل القوامة للرجال على النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) وقال صلى الله عليه وسلم : « الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أهْلِ بَيتِهِ ، وَالمَرْأةُ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجها وَوَلَدهِ » متفق عليه ، كثير من الأولياء تغيب عنهم مقاصد البدايات، كما تغيب عنهم معرفة مصادرها، ولو علموا مصدرها المتعفن، لتباعد عنها ممن فيهم بقية من حياء ، ومن البدايات المحرمة: إلباس الأطفال الملابس شبه العارية،أو القصيرة أو الشفافة لما فيها من إيلاف الأطفال على هذه الملابس والزينة، بما فيها من تشبه وعُريّ وتهتك ، واعتياد اخراجهن في المجمعات بأي اسم سميت دينية أو تجارية ، وكذا مشاهدة من يصنع ذلك عبر قنوات متأسلمة مما يرقق جانب الغيرة لدى الوالدين تجاه صغار هم الأمر الذي يجعله مستساغا لديهم اذا كبروا .

ومن حصون حفظ عفاف وكرامة المرأة أن حظر الإسلام نظر المرأة للرجل الأجنبي إذا خيف منه الفتنة ، درءاً لما لعله أن يكون سبيلاً للتردي في حمأة الرذيلة ، قال تعالى ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) .

ونهى النساء أن يخضعن بالقول ، وأمرهن أن يقرن في بيوتهن ، فقال تعالى مخاطباً نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) .

كل ذلك تربية لهن على العفة والاحتشام .

عباد الله :من حصون الفضيلة : نهي النساء عن الخروج من المنزل إلا لحاجة ، والتحذير من اختلاطهن بالرجال ، يقول صلى الله عليه وسلم: « المَرْأَةُ عَوْرَةٌ – يعني يُستقبح ظهورها للرجال – فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ » رواه الترمذي وصححه الألباني ، الشيطان في مفتتح الخروج من المنزل ، فكيف اذا كانت والرجال في داخل اسوار العمل خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – من المسجد ، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال صلى الله عليه وسلم :« استَأْخِرْنَ ، فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق ، عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق » قال الراوي : فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود وحسنه الألباني ، هذا في موطن عبادة فكيف بمن تضايق الرجال في الأعمال والملتقيات.

ومن حصون الفضيلة : أمر النساء بالخمار والجلباب ، والنهي عن التبرج أمام الأقارب والأغراب ، قال تعالى ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) وقال ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا – أي اضطرارا كهبوب ريح – وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ).

ومن حصون الفضيلة : نهي النساء أن يخرجن متعطرات للمساجد والمصليات ، وغيرها أولى كالأسواق والمنتزهات ، روى مسلم في صحيحه قال -صلى الله عليه وسلم : « أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بُخُورًا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ » .

ومن حصون الفضيلة : تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، في أي مكان منعزل ، لما روى الترمذي وصححه الألباني عن عمر قال -صلى الله عليه وسلم- :« ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ».

فاتقوا الله عباد الله ، وقفوا على دروب الفضيلة ، متضامنين لقمع الرذيلة ، وحذار من تبلّد الإحساس وفقد الغيرة ، وتقليد المدنية الغربية الزائفة ، ففي ذلك خراب البيوت وهدم الحصون ، وهتك الفضيلة والقضاء على الصون . ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن ……

الخطبة الثانية :

أما بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى فإن الله سبحانه وتعالى جعل للمرأة حدوداً تمشي عليها إذا تجاوزتها وقعت في الهلاك كما وقعت نظيرتها في الجاهلية والمجتمعات الكافرة .

يريد أعداؤنا أن تضيع المرأة في المجتمعات الأخرى، لكي يقضوا على مقومات الأمة المسلمة ، ويهدموا حصونها ليتسنى للكفار أن يحتلوا بلاد المسلمين استعمارياً واقتصادياً ودينياً وثقافةً وفكراً، فما غزيت البشرية بشيء أخطر من المرأة، فلذلك ركزوا عليها غاية التركيز وصارت هي همهم وشغلهم الشاغل ليلا ونهارا.

وفي وقت تحارب فيه الفضيلة وتزعزع فيه الثوابت ، ثم نجد ممن تصدر للفتوى والبروز الإعلامي في القنوات المتأسلمة من يتساهل بأمر الحجاب وأنه يكفي من ما كان ساترا أي ثوبا بدون عباءة ، وأنه عادة اقليمية وإلا فتسعين بالمئة من النساء المسلمات في العالم بدونه !! وآخر يرى أن الحجاب وكشف الوجه من مسائل الخلاف التي يتسع فيها الرأي ، وثالث لا يرى بأسا بظهورهن في الإعلانات التلفازية ولا عجب ، هذا وأيم الله عقوبة الله علينا أن يكون هؤلاء وأمثالهم المبرزين في اعلامنا مدعي التحفظ ، فكيف نرجو الغيرة ممن نزعم أنه دونهم ، بل الأدهى والأمر أن يكون حرب الفضيلة والعفاف بقصد أو بغير قصد من هؤلاء وممن ظاهرهم الاستقامة أو ممن تسمو بدعاة الصحوة والذين كانوا بالأمس دعاة للفتنة والثورات وهم هم في لباسهم المميع للدين الفاضح للحياء والعفة في جلوس إلى النساء في قاعات مغلقة ، بل ومساندة الفخذ بالفخذ ، بتضاحكن معهن ، وحركات وألفاظ ملؤها الفحش والقذارة ، في مسلل تعدادي سمج من أولئك القوم ، فأي عفة لنسائنا تجده من أولئك الرموز.

ويزيد الأمر سوء الزعم بأن تلك القنوات المتأسلمة خيار لا بد منه تجاه القنوات الصريحة الفساد ، مع ما يوجد بها من شرور وظهورن لفتيات قاربن البلوغ بأحسن صورة وبأعذب صوت وبألبسة فتانة بدعوى أنهن صغيرات السن .

نسأل الله سبحانه أن يلطف بنا ويحفظ لنا ديننا .

لقد أصبح المسلم اليوم في غربة من دينه ، فلا يفيق من فتنة إلا ويصبح بأختها ، وما ذاك إلا من عمل أيدينا وبسبب ذنوبنا وتقصيرنا في حق ربنا .

أسأل الله الكريم أن يردنا إليه ردا جميلا ، وأن يولي علينا خيارنا وأن يصلح حالنا وحال المسلمين في كل مكان.

اللهم من أراد ببلادنا وولاة أمرنا ونساءنا وشبابنا بسوء وفتنة اللهم اجعل تدبيره تدميرا عليه ، اللهم اكفناه بما تشاء .

اللهم إنا نستغفر إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا لا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبقًا، نافعًا غيرَ ضارٍّ، عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر اللهم، رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد .


شارك المحتوى: