الصلاة وواقع بعض المسلمين


الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ الصلاةَ رُكْنًا مِن أركانِ الدِّينِ، والصَّلاةُ والسَّلَامُ على الرَّسولِ الأمينِ الذي جَعَل بينَ الإسلامِ والكفرِ تركَ الصلاةِ، وأشهدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أمَّا بعدُ:

فإنَّ كُلَّ واجباتِ الدِّينِ تُفْرَضُ عَلَى رسولِ اللهِ ﷺ وهوَ في الأرضِ، إلا عبادةً واحدةً لم تُفرَض عليهِ إلا بعدَ أنْ عُرِجَ بهِ إلى السماءِ السابعةِ، أتدرونَ ما هذِه العبادةُ؟ إنِّها الصلاةُ.

فَلَمْ تُفرَضْ على الأمةِ إلا بعدَ أنْ عُرِجَ بِه ﷺ إلى السماءِ السابعةِ كما في الصحيحينِ، وهذا يدُلُّ على أهميَّةِ الصلاةِ وعظيمِ شأنِهَا في الإسلامِ.

بَلْ إنَّ الإسلامَ العظيمَ مَبْنِيٌّ على أركانٍ خمسةٍ عِظامٍ، مِنها الصلاةُ، قال عبدُ اللِه بن عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُمَا-: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإسلامُ عَلَى خمسٍ: شهادةُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاةِ، والحجُّ، وصومُ رمضانَ». متفقٌ عليهِ.

وقالَ سبحانهُ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ فإنْ لَم يُقيموا الصلاةَ فلَيسُوا إخوانًا في الدِّينِ.

وقالَ اللهُ سبحانهُ يحكي حالَ أهلِ سَقَرَ، أهلِ النارِ: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾.

وَمِن عظيمِ شأنِ الصلاةِ أنَّ الشريعةَ لَمْ تُسقِطْ وُجُوبَهَا حتَّى في حالِ قِتَالِ الكفارِ وجِهَادِهِم، بَلْ شَرَعَتْ صلاةَ الخوفِ، قالَ سبحانهُ: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ﴾ الآية.

وقالَ جابرٌ – رضيَ اللهُ عنهُ -: قالَ النبيُّ ﷺ: «بينَ الرَّجُلِ والشركِ والكفرِ: تركُ الصلاةِ»، أخرجَهُ مسلمٌ.

وثبتَ عِندَ أحمدَ وأصحابِ السننِ عَن بُرَيدَةَ -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ- أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «العهدُ الذي بينَنَا وبينَهُم – أي اليهودِ- الصلاةُ، فَمَن تَرَكها فقَدْ كَفَرَ».

وَرَوَى أحمدُ عَن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو ابنِ العاصِ -رضيَ اللهُ عنهُما- قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حافَظَ على الصلاةِ كانَتْ لهُ نورًا وبرهانًا ونجاةً مِن النارِ يومَ القيامةِ، وَمَنْ لَمْ يُحافِظْ عليها لَمْ يَكْنْ لَهُ نورٌ وَلَا برهانٌ وَلَا نجاةٌ يومَ القيامةِ، وكانَ يومَ القيامةِ مَعَ قارونَ وهامانَ وأُبَيَّ بنَ خَلَفٍ».

وَثَبَتَ عِندَ الإمامِ أحمدَ عَن عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضي الله عنه- قالَ: كانَ آخرُ كلامِ رسولِ اللهِ ﷺ: «الصلاةَ الصلاةَ، اتَّقوا اللهَ فيمَا مَلَكَتْ أيمانُكُمْ».

وَقَدْ شَدَّدَ الصحابةُ الكِرامُ في أمرِ الصلاةِ، فَقَدْ ثَبَتَ في الموطأِ عَن عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: “لَا حظَّ في الإسلامِ لِمَنْ ترَكَ الصلاةَ”.

وَثَبَتَ عِندَ ابنِ أبي شيبةَ عَن عبدِ اللهِ ابنِ مسعودٍ أنهُ قالَ: “لَا دِينَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ”.

وَثَبَتَ عِندَ الترمذيِّ عَن عبدِ اللهِ بنِ شَقِيقٍ العُقَيْلِيِّ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنهُ قالَ: “كانَ أصحابُ محمدٍ ﷺ لا يرونَ شيئًا مِن الأعمالِ تَرْكُهُ كفرٌ غيرَ الصلاةِ”.

وَلِمَكَانةِ الصلاةِ عِندَ اللهِ فَقَدْ أمَرَ بِها أنبياءَهُ، قالَ اللُه عَن قومِ شُعَيْبٍ: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾، وَقَالَ عَن موسى -عليهِ السلامُ-: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾، وقالَ عَن داودَ -عليهِ السلامُ-: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾، وقالَ عَن إسماعيلَ -عليهِ السلامُ-: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾.

أمَّا نبينُا محمدٌ ﷺ إمامُ المُصَلِّينَ وقائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ جُعِلَتْ قُرَّةُ عينِهِ في الصلاةِ، وهيَ آخِرُ وصاياهُ قبلَ موتِه.

أيَّها المسلمونُ، لِنُجاهِدْ أنفُسَنَا على هذا الرُّكنِ العظيمِ الذي بَلَغَ هذِه المَنزِلَةَ العظيمةَ، وَنَتَعاهَدْ أزواجَنَا وأولادَنَا.

أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكُمْ فاستغفروهُ، إنهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الصلاةَ أعظمُ الواجباتِ العَمَليَّةِ وأهمِّها، وهيَ عمودُ الدِّينِ وقِوامُه، وقَد فُرِضَتْ خمسينَ صلاةً ثُمَّ خُفِّفَتْ خمسَ صلواتٍ بأجرِ خمسينَ.

وفي الكتابِ والسنةِ ذِكرُ فضائِلَ عظيمةٍ للصلاةِ، فَمَنْ كانَ مِن المُصلِّينَ فازَ بِها وصارَ مِن الظَّافِرِينَ، فهيَ المُعينَةُ على المَشَاقِّ: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾، وهيَ سببُ الفلاحِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ وَصِفةُ المتَّقينَ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون﴾.

وهيَ الكفارةُ لِما بينَهَا مِن الآثامِ، أخرَجَ مسلمٌ عَن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «‌الصلاةُ الخمسِ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ‌كفارةٌ ‌لِما بينَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الكَبَائِرُ».

وهيَ القُرْبُ الحقيقيُّ مِن اللهِ، أخرجَ مسلمٌ عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قالَ: «أقربُ مَا يكونُ العبدُ مِن ربِّهِ وهوَ ساجِدٌ، فأكثِروا الدُّعاءَ»، ومَن كانَ مِن اللهِ قريبٌ فليكثرْ قْرَعَ بابِهِ.

وقَد قصَّرَ كثيرٌ مِن المسلمينَ في شأنِ الصلاةِ، فمِنهُم مَن لا يُصلِّي في المساجِدِ، بَلْ يسمعُ الأذانَ والإقامةَ وهوَ عنها سامِدٌ، وعَن طاعةِ اللهِ خامِدٌ، قالَ تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾.

ومِنهم مَن يتعمَّدُ تَرْكَها حتَّى يخرُجَ وقتُها، لاسيَّما صلاةَ الفجرِ، والصلاةُ بعدَ خروجِ وقتِ الصلاةِ كبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوبِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾.

قيلَ لابنِ مسعودٍ -رضي الله عنه-: أكانوا تاركينَ للصلاةِ؟ قالَ: لَو تَرَكوها لكفَرُوا، ولكنِّهَم يُؤخِّرونَ الصلاةَ عَن وقتِها. أخرجه ابن ُجريرٍ

فهذهِ الآيةُ فيمَنْ يُصلِّي لكِنَّهُ أخَّرَها عن وقتِها، و(الغيُّ): كمَا ثبتَ عِندَ ابنِ جريرٍ في تفسيرِه عَن عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ: وادٍ في جهَنَّم.

أمَّا مَن لا يُصلِّي، فقَدْ دَلَّتْ الأدلةُ والآثارُ على أنَّهُ كافرٌ -والعياذُ باللهِ- مِثلُه مِثلُ أبي جهلٍ وأبي لهَبٍ، إذا ماتَ لا يُغسَّلُ، وفي مقابِرِ المسلمينَ لا يُدفَنُ، بَلْ بقاؤهُ مَع زوجتِهِ غيرُ شرعيٍّ، وأولادُه غيرُ شرعيينَ.

أيُّها المسلمونَ، مَنْ كانَ مُصَليًّا فليجتَهِدْ على الدَّوامِ بالخشوعِ بينَ يدي الرَّحمنِ، وليتعَاهَدْ أولادَهُ وأزواجَهُ، أمَّا مَنْ كانَ غافِلًا فليَفِقْ، وَمِن التهاونِ فَليَتُبْ، فإنَّ الموتَ سريعُ الهجمةِ، شديدُ الأخذَةِ.

اللهُمَّ وَفِّقْنَا والمسلمينَ أجمعينَ للصَّلاةِ عَلَى خيرِ حالٍ.

اللهُمَّ اجْعَلنا مِن المُصلِّينَ، وفي الصلاةِ خاشعينَ.

وقوموا إلى صلاتِكم يَرْحمْكم اللهُ.

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب

الصلاة وواقع بعض المسلمين


شارك المحتوى:
0