شروط وجوب الحج وحكم الحج بلا تصريح


 

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أكمل لهذه الأمةِ شرائعَ الإسلام، وفرض على المستطيع منهم حجَّ بيتِهِ الحرام، ورتّب عليه جزيلَ الفضلِ والإنعام، فمن حجّ البيتَ ولم يرفث ولم يفسق خرج كيومَ ولدته أمُّهُ نقيًا من الذنوبِ والآثام، وذلك هو ‌الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الفوز بالجنةِ دارِ السلام. أحمده، وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله هو الملكُ القدوسُ السلام، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضل من صلى وزكّى وحج وصام. صلى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ البررةِ الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلم تسليمًا. أما بعد:

أيها الناس:

اتقوا الله تعالى، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحجِّ إلى بيتِهِ حيث استطعتم إليه سبيلًا، فقد قال تعالى: {‌وَلِلَّهِ ‌عَلَى ‌النَّاسِ ‌حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:«‌الْإِسْلَامُ ‌أَنْ ‌تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» رواه مسلم. وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنّ الإسلامَ بني على هذه الخمسِ، فلا يتم إسلامُ عبدٍ حتى يحج، ولا يستقيم بنيانُ إسلامِهِ حتى يحج، وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال:    “‌ليمُت ‌يهوديًا أو نصرانيًا -يقولها ثلاث مرات- رجلٌ مات ولم يحج، وجد لذلك سَعةً وخُليت سبيله” حسنه ابن حجر.

واعلموا -عباد الله- أنّ اللهَ فرضَ الحجَّ على المسلمِ إذا تمت فيه شروطٌ أربعة، فالأولُ منها: أن يكون بالغًا، فأما الذي لم يبلغ، فإنه لا يجب عليه الحج، ولكن إذا حج فله أجره، وإذا بلغ حَجّ فريضةَ الإسلام. وأما الشرط الثاني فهو أن يكون عاقلًا، فأما المجنون الذي لا يعقل، فلا حج عليه. وأما الشرط الثالث فهو أن يكون المسلم حرًا، فأما العبد الرقيق الذي يباع ويشترى، فلا حج عليه. ومن رحمة الله بعباده أنّه أوجب الحجَّ على المستطيع منهم، ورفع الحرجَ عن من لم يستطع، فقال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، فالشرط الرابع من شروط وجوب الحج: الاستطاعة. ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة محرم، فأما المرأة التي لا محرم لها، فإنه لا يجب عليها الحج، ولا يجوز لها أن تسافر بلا محرم، ففي الصحيحين عن ‌ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ ‌رَجُلٌ ‌بِامْرَأَةٍ، وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ».

واعلموا أنّ من لم يتمكن من استخراج تصريح الحج؛ فإنه في حكم عدم المستطيع، كما أفتت بذلك هيئةُ كبارِ العلماءِ في هذه البلاد.

ومن حجَّ بلا تصريحٍ فإنه أثمٌ؛ لما في ذلك من مخالفةِ وليِّ الأمرِ الذي أمر اللهُ بطاعته، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، كما جعل رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- طاعةَ الأميرِ من طاعته ومعصيتَه من معصيتِه، ففي الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ ‌فَقَدْ ‌أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي». كما أنّ من حجَّ بلا تصريح معرضٌ نفسَهُ للهلاك، والله تعالى قد أمر بحفظ النفس، فقال تعالى: {‌وَلا ‌تَقْتُلُوا ‌أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ‌‌وقال: {وَلا تُلْقُوا ‌بِأَيْدِيكُمْ ‌إِلَى التَّهْلُكَةِ}. ولا يقتصر ضررُ الحجِّ بلا تصريح على المخالفِ فحسب، بل يتعدى إلى غيره؛ فيسببُ الزحامَ في المشاعر، ويؤذي الحجاج، ويعيقُ الخدمات، ويشغلُ الجهاتِ الأمنيةَ والصحية، وكلُّ ذلك من الضررِ المتعدي المحرمِ شرعًا، قال تعالى: {‌وَمَنْ ‌يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا ضرر ولا ضرار». كما أنّ الذي يحج بلا تصريح يضطرُّ في الغالبِ إلى تركِ بعضِ واجباتِ الحج أو فعلِ بعضِ محظورات الإحرام للتحايل على الجهات الأمنية، وذلك من اتخاذ آيات الله هزوًا.

فاتقوا الله -عباد الله-، وعظموا شعائرَه، واعلموا أنّ التقيّد بالتعليماتِ والأنظمةِ التي وُضعت لخدمة الحجاجِ وحمايتِهم هو من تعظيم شعيرة الحج، {‌وَمَنْ ‌يُعَظِّمْ ‌شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، ‌{وَمَنْ ‌يُعَظِّمْ ‌حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} يكفر عنه سيئاتِه، ويرفعُ درجاتِه، وينجيه من كل مكروب.

بارك الله لي ولكم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين. أما بعد:

أيها الناس:

اتقوا الله تعالى، واحمدوا ربَّكم أن أكملَ لكم الدين، وأتم عليكم النعمة، ويسّر لكم سبلَ الخيراتِ حتى أصبحت في متناول أيديكم من غير كلفة، فلقد كان الناسُ فيما مضى يعانون من الوصولِ إلى البيتِ أنواعَ الكلفةِ والمشقات، يعانون كثرةَ النفقاتِ الماليةِ والمشقةَ البدنية، وتحمّلَ الأخطار. أما اليوم ولله الحمد وبسبب جهودِ ولاةِ الأمرِ في هذه البلاد في خدمةِ حجّاج بيت الله الحرام، فقد أصبح الأمر يسيرًا، ويسّر الله بنعمته وفضله ما كان عسيرًا، فأصبحتم تصلون إلى البيتِ الحرامِ بكلِّ سهولةٍ نفقات يسيرة ومراكب مريحة، وأمن وافر وطمأنينة كاملة، وعيش رغد. فاشكروا اللهَ أيها المسلمون على هذه النعمة واغتنموها، وانتهزوا فرصَ الخيراتِ وابتدروها، وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج، وتزودوا من التطوع به، فإنّ التطوعَ تكمل به الفريضة.

اللهم يسّر للحجاج حجهم، وتقبّل منهم، ووفق القائمين على خدمتهم، وبارك في جهودهم.

وصلوا وسلموا… .

 

أعدّ الخطبة/ د. بدر بن خضير الشمري

شروط وجوب الحج، وحكم الحج بلا تصريح


شارك المحتوى:
0