صد التشويش عن كلمة جواز استعداء السلطان على أهل البدع
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد منَّ الله ورددت على بعض المتأثرين بالسرورية في كلمة بعنوان (نماذج من استعداء السلف للسلطان على أهل البدع حماية للدين) وذكرت فيها بعض تناقضات وتقلبات المردود عليه -هداه الله- حتى إنه يصح أن يلقب بـ(التناقض لفظٌ هو معناه)، وما أردت الاستقصاء ولا ما يقاربه وإنما ذكرت ما حضرني عند إلقاء الكلمة، ولو أن المشار إليه والمغترين به تفكروا، ولواقعهم تأملوا، لأفاقوا فأين كانوا بالأمس وأين هم اليوم؟ وإن هذا كافٍ للاعتبار والرجوع على النفس بالتأديب والازدجار.
روى ابن عبد البر عن حذيفة -رضي الله عنه- أنه قال: «فإن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف».
ألا يرون تغير مشايخ الفضل عليهم؟ ألا يرون تأييد وتصفيق دعاة الفتنة والحزبية لهم وقد كانوا مباينين معارضين؟ ألا يورث هذا في نفس المنصفِ الفطنِ الحذرَ والشكَ؟
وقد حاول المشار إليه أن يشوش على الكلمة الآنفة بما لا يجدي ولا في ميزان العلم يغني بمقالين خاويين غيّر فيهما عمّا ذكره في الصوتي وهو الذي أصم الآذان بدعوى البرهان المبتغى والتأصيل المرتضى !! وأشير إلى ذلك بإشارات مختصرة فإن في الإشارة ما يغني عن الإطالة:
الإشارة الأولى: ردد أن مورد النزاع استعداء السلطان على أهل البدع، وذكر أن استعداء السلطان على أهل البدع مخالف لهدي السلف (يا سبحان الله ما أجرأه! وللنفي ما أرغبه وأعجله!) وقد ثبت أن السلف استعدوا على أهل البدع، فقد ثبت عن أيوب السختياني أنه قال:” أنا نازلت (أي راجعت) الحسن في القدر غير مرة حتى خوفته بالسلطان ” أخرجه ابن سعد في طبقاته والفسوي في المعرفة والتاريخ.
الإشارة الثانية: زعم أن السجن لا يبطل البدعة بخلاف السجن لصاحب المخدرات، ثم تمسك بظاهر رواية للإمام أحمد -رحمه الله- أن له أولاداً …الخ كما وثقته عنه في ردي (الثانية 00:58)، ومقتضى هذا التعليل بأن له أولادًا ألا يكون خاصًّا بحالة الاستعداء، وإنما في مطلق السجن فيشمل سجن السلطان لهم ابتداء دون استعداء؛ لأنهم بالسجن ولو دون استعداء يحرمون من أولادهم …الخ
فالسجن -كما زعم- لا يبطل البدع، فحقيقة قوله -إن كان لا يدري- إنكار مطلق السجن لأهل البدع حتى من السلطان بلا استعداء وهو الذي حاول التنصل منه في مكتوبه دون كلامه السابق المردود عليه، وقد بينت في ردي أن السجن لا يكف شر أصحاب المخدرات عن المسلمين مطلقًا ودائمًا وإنما سبيل لتخفيف شره أو كفه -بحسب الحال- وهكذا في أهل البدع وأنه لا فرق بينهما من هذه الجهة.
الإشارة الثالثة: زعم أن الذين يستعدون السلطان على أهل البدع جواسيس ومباحث، وقد تابع في ذلك السروريين والإخوان كما وثقت كلامه في كلمتي (الدقيقة: 01:12) على أنه ثبت هذا الفعل عن السلف -كما سبق نقله عن أيوب السختياني-، وبمقتضى التعليل بالجاسوسية والمباحثية أن يطرد منع الاستعداء حتى في حق الكذابين وأهل المخدرات حتى لا يكون المستعدي جاسوسًا ومباحثًا، فإما ألا يستعدى على هؤلاء حتى لا يفعل فعل الجواسيس أو يستعدي على كل ما ينفع الاستعداء فيه إلى السلطان كما فعله السلف في الكذابين باعترافه، وبما سبق إثباته عن السلف في أهل البدع، فهل سيكون شجاعًا ويعترف بأن استقراءه كان وهمًا وخيالًا ثم يتوب من استقراءاته الجريئة بالنفي عن السلف وعن أهل التاريخ؟ أو يتجاهل أثر أيوب وكأنه لم يقرأه؟!
الإشارة الرابعة: زعم أني حملت أثر الإمام أحمد -رحمه الله- على أهل المعاصي لا على أهل البدع، وهذا غير صحيح (كما تجده في كلمتي في الدقيقة: 10:50) فأنا لم أهتم بتوجيه رواية أحمد؛ لأن عندي ما يغني عنها، ولأن له أكثر من رواية فتحتاج لتوجيه مع النظر في قول أصحابه، ولأن الكلام عليها وعلى تفصيلها يطول، وإنما أشرت أن العلماء مختلفون في توجيهها، وذكرت تبعًا لكلام الشيخ عبد السلام برجس -رحمه الله- توجيهه هذه الرواية وحملها على أهل المعاصي، كما في ردي (الدقيقة 17:00).
الإشارة الخامسة: زعم أن الرّادين عليه يستعدون السلطات على من خالف في المسائل الاجتهادية …
وأتحداه ثم أتحداه أن يثبت ذلك، وإذا لم يثبته فهو باهت لا يصح لمنصف مغتر به أن يلتفت لقوله بعد اليوم.
ثم هوّن من بدع السروريين والإخوانيين مع أنها من أعظم ما أضرت أهل السنة في هذا الزمن، وأدعو الفضلاء ألا يغيب عنهم هذا التهوين فالأيام حبلى، وهذا منه مؤشر سوء زيادة على سوء حاله اليوم.
ثم زعم أن الرادين عليه لا يستعدون السلطات على الرافضة والباطنية والعلمانية، وهذا الكلام يدل على أنه صار يهرف بما لا يعرف، فإذا قُدر أنهم استعدوا أو لم يستعدوا فما يدريه حتى ينفي؟ فهل من شرط الاستعداء الإعلان والإظهار؟!
الإشارة السادسة: فرح بكلام لابن القيم لمجرد أن فيه عيب الشكاية للسلطان، وقد جهل أو تجاهل أن كلام ابن القيم في حق الأشاعرة ومن هم أشد بدعة، وهؤلاء لم يواجهوا أهل الحق بالبينة والدليل ولا يستطيعون؛ لأن ما هم عليه بدعة وضلالة، وإنما واجهوهم بالشكاية للسلطان فحسب، وشتان بين هذا وبين من يدعو للرد على أهل البدع بالدليل ويستعين بالسلطان لإسكاته كما فعل السلف.
الإشارة السابعة: حاول في مقال ثانٍ أن يزعم التناقض من المخالفين له بأن كانوا لا يقبلون أن يوصف العلامة محمد أمان الجامي بكتابة التقارير، فكيف كانوا ينكرونه ثم أجازوه اليوم؟
وهذا الرد منه دليل على عجلة وتهور -وهذا أقل ما أصفه به وإلا فقد يدل على ما هو أشد- فقد كتبتُ قبل عشرين سنة أو أكثر كتابًا بعنوان (كشف الشبهات العصرية عن الدعوة الإصلاحية السلفية) وفيه كشف ما يقرب من ستين شبهة حركية على وجه مناظرة بين ناصح ومنصوح، وذكرت فيه شبهة كتابة التقارير للحكام، وبينت التفصيل فيها، ونقلت كلام الشيخ عبدالسلام برجس -رحمه الله- الذي رددت به عليه، وكنت ولا زلت أنكر على من يزعم كتابة التقارير لمن لم يثبت عليه -كما أنكرته عليه اليوم- وهكذا لا زلت أنكر على الذين ينسبونه للعلامة محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله -.
فأين التناقض يا مَن التناقض (لفظٌ أنت معناه)؟
وأشكره على التذكير بالكتاب، فلعل القراء يراجعونه.
الإشارة الثامنة: أشكر العالمين الفاضلين شيخنا الشيخ عبد الله العبيلان والشيخ سالمًا الطويل -وفقهما الله- على جهادهم الكبير تجاه هؤلاء الملبسين باسم الدين في زمن قلّ القائمون بهذا الواجب العظيم، فإن الشيخ سالمًا من أوائل من فضح المردود عليه بدلائل قويّة وحجج جليّة، وبيّن أنه من مشكاة واحدة مع رأس السرورية بالكويت عبد الرحمن عبد الخالق، وهذا يذكرني برد الشيخ الفاضل المجاهد حمد العتيق -وفقه الله- على المشار إليه ووصفه بخليفة عبد الرحمن عبد الخالق.
وأوصي برد علمي جميل على هذا التأصيل السروري الدخيل للشيخ الفاضل الدكتور حسن صنيدح العجمي-سدده الله- بعنوان: (التبليغ عن المبتدع بين واجب الديانة ووظيفة السلطان): https://www.islamancient.com/ar/?p=38231
تنبيهات:
التنبيه الأول: رأيت المردود عليه غير ما مرة يذكر استقراءات وكلمات كبيرات ودعاوى هزيلات، فإذا رُد عليه حاول التنصل من بعضها بأن يغير دعواه من طرفٍ خفي، كما فعل في أسطره هذه التي أراد فيها الرد على من كشف حاله، فعد وقارن بين أسطره هذه في المقالين وكلامه السابق المردود عليه يتضح لك هذا جليًا؛ فقد جوّز في مقاليه استعداء السلطان على الكذابين في الأحاديث النبوية، وعلى الخوارج المخططين للتفجير ونحوهم، بل ومقتضى كلامه على كل الخوارج ولم يخصه بأصحاب المخدرات كما في كلامه الأول، فكلما أُحرج حاول أن يغيّر كلامه ويستثني أكثر بأي دعوى وإنما المهم أن يفلت من الالزام والفضيحة! وقد استثنى أصحاب التفجيرات حتى يخرج من مأزق مصادمة كلام علماء السنة في هذا الزمن!!
يا هذا، إن الأمر تقولٌ على الله، يا هذا إن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وإن خلتها خافية على الناس، يا هذا إن للناس عقولًا وبصائر يميزون بها فاستح.
التنبيه الثاني: يحاول المردود عليه أن يصد الناس عن الردود عليه في مهازله التي هوى فيها ومنها كلمة بعنوان (نماذج من استعداء السلف للسلطان على أهل البدع حماية للدين)
https://youtu.be/_7f659kXPTI
وذلك لما في الكلمة من التدليل على أن التناقض لفظٌ هو معناه.
وللفائدة هذا رابط كتاب (كشف الشبهات العصرية عن الدعوة الإصلاحية السلفية) فقد ذكرني به: https://www.islamancient.com/ar/?p=15338
التنبيه الثالث: إن حال المردود عليه يزداد سوءًا زمنًا بعد زمن، فما يُلمّح له اليوم من السوء يصرخ به غدًا باستقراء هزيل ونفي وعويل، لا سيما مع كثرة كلامه الذي دافعه ردود أفعال وعناد، وقد لمح في مقاله الأول بأشياء خطيرة فترقبه غدًا يصرخ بها إلا أن يشاء الله بكرمه، وإن غدًا لناظره قريب.
وأخيرًا أؤكد أن هذه الكتابة مجرد إشارات تكفي عن الإطالات، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، فاجعل هذا الرد وأمثاله نموذجًا لمعرفة حقيقة تشغيباته الكثيرة وتلبيساته الوضيعة.
اللهم انفع بهذا المقال وتقبله واهدنا والمردود عليه ومن اغتر به لما يرضيك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته