وقفات مع الدكتور محمد عبدالغفار الشريف


وقفات مع الدكتور محمد عبدالغفار الشريف

الحمد لله رب العالمين .. اما بعد..

اطلعت على الحوار الذي اجرته جريدة الرأي العام في يوم الاثنين 2006/3/20 م مع الدكتور محمد عبدالغفار الشريف اثر لقاء معه في برنامج «الحياة عبادة» بتلفزيون الكويت يوم الثلاثاء بتاريخ 2006/2/28 م.
حيث قال في البرنامج: «يقولون الطواف شرك – اي طواف القبر- واللي ما دري شنو شرك اذا كان الطواف عبادة اللي يطوف حول الكعبة يعني يعبد الكعبة هذا المفروض، ولما يطوف حول القبر يعني يعبد القبر، اذن اللي يطوف حول الكعبة يعبد الكعبة، يقولون هذا مشروع وهذا غير مشروع»

ولي معه عدة وقفات:
الوقفة الاولى: اضطراب الفتوى عنده
اجاز الطواف على القبور في برنامج «الحياة عبادة» كما ذكر آنفا.
ثم قال ايضا في جريدة الرأي العام ما يلي: قال: «اما الطواف في القبور فغير مشروع عند كل علماء المسلمين».
ثم قال ايضا: «ولا نقول ان الطواف بالقبر شرك».
ثم بعد ذلك شبه الطواف حول القبر بالذي يطوف حول الملعب سبعة اشواط لا نقول عنه انه متعبد للملعب!!!!
ثم قال ايضا: «ان العلماء مختلفون هل هو حرام ام مكروه»؟!!

قلت: لم يقل احد من اهل العلم بقوله انه مكروه، لان الكراهة في مقابل التحريم يراد بها ما نهى عنه الله ورسوله لا على وجه الالزام: مثل اكل الثوم والبصل، والمكروه يثاب تاركه امتثالا ولا يعاقب فاعله.
فنلاحظ ان الفتوى اضطربت عند الدكتور محمد عبدالغفار في هذه المسألة العقدية الخطيرة الواضحة عند المسلمين فمرة افتى بالجواز، ومرة اكد على جوازه بجواز الطواف حول الملعب، ومرة ذكر الاجماع على عدم مشروعيته عند جميع المسلمين،ومرة قال ان العلماء اختلفوا هل هو مكروه او حرام،
ولا اعلم ما سبب هذا الاضطراب هل لانه لم يحط بعلم التوحيد علما شافيا كافيا؟
او انه التبست عليه عقائد الفرق والملل فلا يستطيع ان يميز الحق من الباطل في هذه المسألة؟
اوانه يستنكف ان يقول «الله اعلم» فيما لا يعلم؟
او انه يعتقد بهذه العقيدة،وهي الطواف حول القبور فلا يستطيع ان يظهرها برمتها فيخالف بذلك عقيدة المسلمين؟
اوانه يريد بذلك ان يرضي فلاناً من الناس فينال بذلك فيما يظن رضى الجميع لكي يحوز على رئاسة الفتوى؟

الوقفة الثانية: عدم إحاطته في باب من أبواب التوحيد وعدم إدراكه لوسائل الشرك:
فبقوله السابق هتك ستر الشريعة، واقتحم حمى التوحيد، فمن شم رائحة العلم ودرس مبادىء العقيدة وعرف شيئا مما جاء به الرسل، عرف ان الذي قاله الدكتور يجر الى عبادة الاصنام والاوثان، وهذا مناقض لما دل عليه القرآن والسنة فالتوحيد هو اصل الدين الذي من اجله خلق الله الخلق وبه ارسل الله الرسل، وانزل الكتب،قال تعالى (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة» وما من رسول الا دعا قومه بان قال: «اعبدوا الله مالكم من اله غيره»
فدين الاسلام مبني على اصلين:
احدهما: ان نعبد الله وحده لا شريك له، ولو نظرت الى القرآن وتدبرت بما فيه لوجدت ان عامة السور والآيات تقرر هذا الاصل العظيم
الاصل الثاني: ان نعبده بما شرعه من الدين على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – قال الله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه احدا).

فالاصل الاول هو التوحيد ونفي الشرك ووسائله
والثاني المتابعة للنبي – صلى الله عليه وسلم – ونفي الابتداع في الدين

فانه اول ما نشأ الشرك وعبادة غير الله كان السبب هو تعظيم القبور، قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه لابي الهياج الاسدي «الا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله الا ادع تمثالا الا طمسته ولاقبرا مشرفا الا سويته» اخرجه مسلم.

فالرسول – صلى الله عليه وسلم – امر عليا ان يمحي الشرك ويزيل معالمه وهو طمس التماثيل وان يمحو اصله الذي ينشأ منه وهو القبر فأمره بتسويته ولقوله – صلى الله عليه وسلم – «ان اولئك اذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور اولئك شرار الخلق عند الله» رواه البخاري ومسلم.

فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد في احاديث كثيرة، وفي هذا حسم لمادة الشرك ووسائله المفضية اليه.
قال تعالى: «وقالوا لا تذرن آلهتم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد اضلوا كثيراً».

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ان هؤلاء كانوا قوماً صالحين من قوم نوح فلما ماتوا صورهم ثم عكفوا على قبورهم ولم تعبد حتى اذا هلك اولئك ونسي العلم عبدت» رواه البخاري،

وهذا كان اول اسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الاوثان في الناس بسبب تعظيمهم قبور الصالحين.

الوقفة الثالثة: تلبيس الحق بالباطل
لبس الدكتور على الناس الحق بالباطل حيث قال في جريدة الرأي العام: «وكذلك من يطوف بالملعب سبعة اشواط هل يقول عنه احد انه يعبد الملعب»؟ يا دكتور محمد ما علاقة الطواف حول الملعب في مسألة الطواف حول القبر؟
من يطوف حول الملعب يريد بذلك تقوية جسمه، ومن سار ومشى على الطريق المعبد المخصص للرياضة لا نقول انه سعى كسعي الحج. وهذا لا يختلف عليه عاقلا، ولكن الذي يطوف حول القبر ماذا يريد من وراء ذلك؟
هل ترى انه طواف مجرد من نية من يفعل ذلك فهو مجنون مرفوع عنه القلم، اذ لا يوجد رجل يطوف حول القبر من غير نية؟
او ترى انه يطوف حول القبر من باب تقوية جسمه؟

والعجيب ان الدكتور محمد عبدالغفار لا اعلم هل هو يجهل او يتجاهل ما يقوم به اهل القبور من الشرك والذبح والنذر والدعاء وانواع البدع والتعظيم للمقبور وغير ذلك من انواع العبادات؟
ان كنت تدري فتلك مصيبة.. وان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم.

الوقفة الرابعة: عدم تمييزه بين القياس الصحيح والقياس الباطل
قال الدكتور محمد عبدالغفار الشريف في برنامج الحياة عبادة: «اذا كان الطواف عبادة – حول القبر – اللي يطوف حول الكعبة يعني يعبد الكعبة هذا المفروض، لما يطوف حول القبر يعبد القبر اذ اللي يطوف حول الكعبة يعبد الكعبة، يقولون هذا مشروع وهذا غير مشروع».

قلت: اللهم نعم يا دكتور نقول هذا مشروع وهذا غيرمشروع، يا من ترى مشروعية الطواف حول القبور وتشنع على من يقول انه غير مشروع وشبهتك وقياسك الفاسد هو هباء وسراب ولله الحمد في اعين الناظرين التي لم تكن فيها رمداً، والمصيبة ان العين الحولاء هي التي ترى الشيء في غير وضعه الصحيح، اما قياس طواف القبر على طواف الكعبة فهذا قياس فاسد والفرق بينهما ظاهر لمن له بصيرة او الغى السمع وهو شهيد فشتان بين من يطوف حول البيت العتيق الذي امر الله عز وجل عباده، قال تعالى: «وليطوفوا بالبيت العتيق» وبين من يطوف حول القبر.

ومما يؤكد فساد هذا النوع من القياس ان لو جارينا الدكتور على هذا فقد يقول قائل، التوجه الى القبر بالسجود جائز وليس عبادة له لان التوجه الى الكعبة بالسجود ليس عبادة للكعبة، وكذلك اذا توجه بالسجود الى ولي او رجل صالح اوشيخ فإنه على قياسك الفاسد يجوز وليس عبادة، فما علمت احداً من علماء المسلمين قاله، وهذا من افسد القياس.

الوقفة الخامسة: التدليس في النقل
نقل الدكتور محمد عبدالغفار في الرأي العام عن ابن تيمية قوله: «ومن اعتقد ان الطواف بغيرها – اي الكعبة – مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة الى غير الكعبة ثم علق الدكتور على كلمة «شر» بقوله ولم يقل – ابن تيمية – انه مشرك او انه يعبد من في القبر».

قلت: اوهم الدكتور القارئ بأن ابن تيمية يهون من هذه المسألة ولذا لم يذكر حكم ابن تيمية فيمن يعتقد جواز الصلاة الى غير الكعبة في نفس سياق الكلام.

قال ابن تيمية: «فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي اليها فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب والا قتل» مجموع الفتاوى 11/.27
فكلمة «شر» عند ابن تيمية في هذا السياق تعني ان من يرى مشروعية الطواف حول القبر اعظم كفراً ممن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي اليها.
فلا اعلم هل الدكتور تعمد التدليس او نقل له من غير ان يطلع على كلام بن تيمية كاملاً، واحلاهما مر.

الوقفة السادسة: تهوين الشرك ومظاهره

هون الدكتور من الطواف حول القبور ولم يشنع على من يطوف حولها او يحذر. وهون من تكسير الاصنام وازالتها، بقوله في برنامج «الحياة عبادة» «ان الصحابة لم يكسروا الاصنام» وبهذا خالف ما اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب رضي الله عنه من ان لا يترك تمثالاً الا طمسه..

والعجيب ان الدكتور ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه مر على مدائن صالح ولم يكسر اصنامهم ثم قال:« وما زالت اصنامهم موجودة كاملة الى الآن في المملكة العربية السعودية في بعضها اللي تحت -اي التي اسفل- في هذا العصر قام البعض فكسر رؤوسها».
قلت:سبحان الله.. لا ادري من اين جاء بهذا الكلام وكيف تجرأ بالقول ان هذه الاصنام موجودة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم الى زماننا هذا ولم تكسر، والعجيب انه جعل الاصنام التي في مدائن صالح على رفين، اعلى واسفل. الا ان التي في الاسفل قد كسرت رؤوسها، وكأن وجودها بالنسبة له امر لاشيء فيه ، وان من قام بتكسيرها في هذا العصر متشدد بدليل انها لم تكسر الا في هذا العصر كما زعم، مع انها ليست موجودة ولقد قمت بالاتصال هاتفيا ببعض الاخوة ممن يسكن بالقرب من مدائن صالح وأنكر وجود اصنام هناك، والذي يلاحظ من لفظ الدكتور كأن مدائن صالح تزدحم بالأصنام!!
وإني استغرب لماذا تطرق اليها الدكتور، ولماذا يحاول ان يثبت وجود الاصنام بهذا الحماس ، بل ان الدكتور يتضجر كأن عنده حساسية من كلمة«الشرك» وذلك يتبين من خلال امور منها:
أ. قال:(يقولون الطواف شرك- اي طواف القبر- واللي مادري شنو شرك) كأنه يستنكر اطلاق لفظ«شرك»
ب. الطريقة التي قال بها:(قام البعض فكسر رؤوسها) قالها بأسلوب (الزعلان)،
رغم ان كلمة «الشرك» ليست محدثة، بل ذكرها الله في كتابه ورسوله في سنته تحذيرا منها ومن وسائلها، وهذا يضع علامات استفهام كثيرة حول هذا الطرح، حيث ان غلاة التصوف لا يرون ان في الوجود شركاً، وذلك لاعتقادهم بان كل شيء في الوجود هو الله، وان الله حال في كل شيء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الوقفة السابعة: تأثير البيئة على الإنسان
قال الدكتور في برنامج الحياة عبادة:«المجتمع له دور في سلوك الإنسان وشخصية الإنسان حتى سلوك الإنسان وشخصية الإنسان تنعكس على آرائه الفقهية» ثم قال«نجد الإمام الشافعي في الحج كل شيء عنده فيه دم،دم، دم، كفارات بعض المخالفات في النسك لانه قرشي، والقرشي كريم وانعكس في إفتائه».
قلت : وفي ذلك طعن في الإمام الشافعي رحمه الله، حيث ان الامام الشافعي في رأي الدكتور لا يستنبط الاحكام من الكتاب والسنة وانما من بيئته الكريمة، وحاشا الإمام الشافعي ان يفتي بغير علم شرعي، لان الفتوى توقيع عن رب العالمين، قال تعالى:(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون).

وهل نفهم من قول الدكتور ان من يجيز الطواف حول القبور ناتج عن بيئته التي يعيش فيها؟
وهل بيئتك يا دكتور انعكست على آرائك وفتاواك في الطواف حول القبور؟؟؟!

لفتة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية نأمل من وزارة الاوقاف التي هي على ثغر من ثغور الاسلام، وهي الجهة الرسمية المعنية بالدرجة الاولى بالحفاظ على ثوابت الاسلام واصوله الا تقف مكتوفة الايدي امام هذا المحذور الشرعي الخطير. وان تولي هذا الجانب اهتماما اكبر ضمن برامجها ومواسمها الثقافية.

تاريخ النشر 21/04/2006
جريدة الوطن


شارك المحتوى: