وسطية الإخوان في مواجهة داعش..!


وسطية الإخوان في مواجهة داعش..!

أ.د. عبد الله بن محمد الرفاعي*

للوسطية والاعتدال مفهوم شرعي، وآخر سياسي خلط الناس أفراداً وجماعات بينهما، فأهل الدين من السنة السلفيين يرونها من أصول الدين تقوم على التمسك بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفهمه وسار عليه صحبه والتابعون وتابعوهم رضي الله عنهم جميعاً، وسطية لا ميوعة فيها ولا تردد ولا مجاملة (سياسية) لمن يخرج على النص سواء أكان فرداً أم جماعة.. كبر عددها أم صغر؛ فساروا بالأمة 14 قرناً إلى بر الأمان وهي -أي الوسطية- عند أهل السياسة تكتيك لا يقوم على مبدأ ثابت؛ لذا هي دائمة التغيّر فلا نجد هنا سوى تحقيق المصلحة الخاصة بأي أسلوب وبأي ثمن دون التزام دائم وصارم بالثوابت؛ فالغاية تبرر الوسيلة، وهو منهج مرفوض من أهل الدين من السنة والجماعة السلفيين.

الخوارج الأوائل أول من مارس مبدأ الغاية تبرر الوسيلة؛ فما كان أمام أهل السنة والجماعة بعد أن استنفدوا المراجعة والمجادلة معهم سوى اخراجهم من جماعة المسلمين وقتالهم عندما حملوا السلاح وارهبوا الناس، فهل هذا الموقف تجاه الخوارج ذات موقف جماعة الاخوان من خوارج العصر؟.

الأمريكان ومعهم من هواه وقلبه معلق بجماعة الاخوان ومن أبناء هذه البلاد للأسف لايزالون يروجون أن ما أصاب الأمة اليوم من بلايا التطرف والإرهاب منتج سلفي، ومن جانب آخر يسوقون أن (الإخوان) جماعة وسطية معتدلة!؛ لذا لا يجوز تجريمها ووصفها بالإرهاب، بل يجب أن تكون رأس الحربة لمواجهة الفكر المتطرف، ولا يمكننا النجاح في المواجهة دونهم، هكذا يردد ويقول كثير ممن يعرّفون أنفسهم بيننا بالإصلاحيين الدينيين!..

الغريب أن مرجعية هؤلاء الفقهية لا تزال تمارس التغطية والحماية البشعة والمقيتة للمسخ المسمى داعش في الوقت الذي كان موقف المؤسسة السلفية واضحاً في مواجهة المسخ، فهل الموقف المائع للجماعة اعتدال ووسطية وفي المقابل موقف السلفيين يعتبر تطرفا ويصح تسميته بالمتشدد؟!

هل الموقف الرافض والحازم والثابت لعلماء المملكة الملتزمين بالمنهج الحق لأهل السنة والجماعة (الذين تصفهم جماعة الإخوان وأفرادها بعدم الوسطية وبالجمود وعدم فقه الواقع السياسي) من مفجري أنفسهم وقتلة النساء والأطفال والشيوخ والمعتدين على أماكن العبادة والنساك ممن لم يحمل السلاح وتجريمه رغم التبريرات التي تدعمها المظالم التي ترتكب بحق المسلمين يصح أن يوصف بانه غير وسطي وغير معتدل وأنه موقف متطرف؟، وكيف نستطيع أن نصف من يبرر ويلف ويدور ويلتمس العذر لأولئك، بل يوفر غطاء دينياً لهم (انظر مواقف وفتاوى مجلس الضرار الفقهي المسمى اتحاد علماء المسلمين من فتنة مسخهم داعش) بانه معتدل ووسطي! ما لكم كيف تحكمون؟

ماذا نقول عمن تحالف مع الأمريكان لتسليم العراق لمتطرفي حزب الدعوة مقابل منصب نائب الرئيس ورئاسة البرلمان وكان الثمن دفع أهل السنة دفعاً لأحضان مسخهم داعش، فهل هذه الوسطية والاعتدال المطلوبة شرعاً وعقلاً؟، وهل من يؤمن بهذا النوع من الوسطية ويمارسها أهل للثقة في مواجهة قوى الإرهاب والتكفير حتى نعود للاطمئنان له ونسلمه ولو خيطا يسيرا من مصائرنا؟

كيف نفهم وسطية واعتدال من اتخذ قرار إبقاء الناس في رابعة والنهضة والإصرار على استخدامهم دروعاً بشرية والموت يحوم حول رؤوسهم في مواجهته لسلطة الدولة؟ هل نطمئن لوسطية من أقام بنيانه على مفهوم الحاكمية وفتن عامة الأمة متعلمها قبل أميها بفتنة الخوارج الاوائل عندما جعل إقامة الدولة الإسلامية أساس الوجود والغاية؟

بالتأكيد لن يحسن إدارة شأن الأمة أو شأنه مهما واتته الفرص؛ فمتى فاقد الشيء يعطيه؟ من كان هذه حاله يصح أن نهتدي به ونجعله إماماً أو عوناً لنا لنخرج من كبوتنا ولتعود الأمة لعزها وهو مطلب الجميع؟ ما لنا لا نعقل أو نتدبر!، كيف نثق بحقيقة وأصالة وسطية من اتخذ الباطنية منهجاً والتخفي والتقية في جميع أقواله وأفعاله وجميع شأنه سبيلاً؟، جماعة لا نعرف لها بشكل يقيني رأساً ولا حتى ذيلاً!، ولا نجد لها موقفاً ثابتاً ولا ولاءً ولا براءً مستقراً، في أول تحويلة تجده بعد عنك أو اتخذ موقفاً مضاداً لك، كما حدث في حرب الخليج الثانية، وحدث في اليمن مؤخراً وما حدث ولا يزال يحدث في العراق.

كيف نطمئن لمن وسطيتها واعتدالها لم تمنع أعضاءها من الانقلاب على مؤسسها في حياته وعزله فعلياً من إدارة الجماعة حتى قال قولته المشهورة: (ليسوا بإخوان وليسوا بمسلمين)؟، وكيف نطمئن بوسطية من لا قدرة حقيقية له في ضبط فكر وحركة ومواقف اتباعه؟ كيف نطمئن لحقيقة وقيمة وسطية المهووس بالحكم مهما كان الثمن من دون حدود؟

وكيف نطمئن لحقيقة وقيمة ووسطية الضعيف أمام النفوذ والمال والسلطة مهما كان مصدرها أو ثمنها؟

إن مسالة اعتدال الإخوان ومن شاكلهم من الجماعات الأخرى مهما كانت مسمياتها مسألة فيها نظر ونظر، الاعتدال والوسطية وفق منهج أهل السنة والجماعة الذي عليه قيام الحكم والدين لجماعة المسلمين ممن سار على نهج السلف الصالح أساس دينهم وتدينهم يتسم بالثبات والاستقرار، وليس تكتيكاً يتغيّر بتغيّر المواقف وتغيّر المصالح، الاعتدال والوسطية الشرعية لا تنقاد ولا تحصل لمن دفعته حماسته وغيرته غير المنضبطة بالضوابط الصارمة فانشق عن الأمة وفرّق جماعتها من خلال تأسيس الجماعات والأحزاب على أساس عقائدي ولو ادعاها ووضعها عنواناً لجماعته، وفي مقدمة هؤلاء الاخوان الذين لا شك عندي في حسن نوايا ونبل غايات كثير من المفتونين بهم، الاخوان في تاريخهم منذ أن أسس الجماعة حسن البنا -رحمه الله- اعتمدت الوسطية شعاراً وفق المنهج السياسي الذي سبق الإشارة اليه، لا شك أن شعار الوسطية مرفوع في كتاباتهم ومتردد في أحاديثهم، فماذا عن حقيقة ممارسة الوسطية في أفعال وسلوك الجماعة وأفرادها التي انتجها فكرهم ومعتقدهم؟

إلى كل من يريد الحق والحق فقط ممن هو داخل نطاق تأثير الجماعة وغيرها من الجماعات وهو مطلب الجميع، أن الحق الذي تركنا عليه إمامنا المبعوث من ربنا عز وجل رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أبلج، وإلى كل من يريد أن يصل إلى إجابة مقنعة وشافية أدعوه أن يراجع ما كتبه الاخوان ذاتهم عن انقلاب التنظيم السري على مؤسس الجماعة وخروجهم عن السيطرة، وكذلك الانقلاب الفكري الذي قاده الأديب سيد قطب غفر الله له ومن جاء بعده مثل مصطفى شكري (التكفير والهجرة) وايمن الظواهري (القاعدة) وداعش كيف تعاملت الجماعة معهم جميعاً؟، هل كانت لها مواقف حازمة وحاسمة غير مترددة تؤكد حقيقة دعوى الوسطية وحالة الاعتدال وسلامتها؟

كذلك يجب دراسة المواقف السياسية للجماعة في الداخل وفي الخارج في المحطات المتعددة والمختلفة التي حزّبت الأمة، ويجب كذلك قراءة خارطة تحالفات الجماعة في الداخل والخارج مع التوجهات الفكرية المحلية والإقليمية والدولية التي لا تؤمن بثوابت الأمة التي صيغت في نظامنا الأساسي للحكم أو تحترمها، يجب أن نتبين مدى صواب مواقفها تلك ومدى سلامة منهجها وفق حسابات الربح والخسارة للأمة لا وفق حسابات الربح والخسارة للجماعة، وفي المقابل يجب قراءة مواقف علماء أهل السنة والجماعة الذين التزموا منهج السلف الصالح منذ القرن الأول وصولاً إلى علماء المملكة ومن سار على نهجهم من علماء الأمة ليكون الاقتداء على بصيرة والاستعانة والتعاون على بينة وهدى ووفق رؤى محددة وحازمة وصارمة تقوم على ولاء لا لبس فيه لجماعة المسلمين الواحدة التي أساسها بيعة واحدة لسلطان واحد تحت راية واحدة يلتزم الجميع بحقوقها العلنية سراً وعلانية والتي من أهم عناوينها الدعاء العلني لولي الامر في المنشط والمكره، وأنها الطريق الوحيد لإقامة مراد الله عز وجل من خلق الخلق وهو عبادته سبحانه فتكون حماية عقائد الناس أولى الأولويات لتكون عبادة الناس صحيحة، ومن أهم مقتضيات عبادته على الوجه الصحيح إعمار الأرض وهذا لا يكون إلاّ بحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، هذا هو أهم مخرجات الدين والتدين على الوجه الصحيح، وهو قمة الاعتدال والوسطية، ويبقى السؤال أي وسطية نريد؟ الوسطية السياسية الشكلية أم الوسطية الدينية الحقيقية؟ وبالتالي هل وسطية الإخوان تستطيع أن تواجه منتجها داعش؟

أسال الله لي ولكم أن يرينا الحق والثبات عليه وأن يحفظ ديننا ووطننا وولي أمرنا من الفتن وأصحاب الأهواء آمين.

* عميد كلية الاتصال بجامعة

الإمام محمد بن سعود الإسلامية-


شارك المحتوى: