وجوب اتباع الرسول ﷺ ولزوم سنته والتحذير من مخالفته


 

الخطبة الأولى

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله مخلصًا حتى أتاه اليقين من ربه. صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد امتنّ الله عز وجل على هذه الأمة ببعثة نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنقذهم الله به من الضلالة، وعصمهم به من الهلكة، وهذه المنة التي امتن الله بها على عباده هي أكبر النعم بل أصلها، قال الله عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

وَسَمَّى اللَّه تَعَالَى رِسَالَتَهُ رُوحًا، وَالرُّوحُ إذَا عُدِمَ فَقَدْ فُقِدَتْ الْحَيَاةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}.

ووصف سبحانه حال المؤمن بالذي كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان وجعل له نورًا يمشي به في الناس، كما قال تعالى: {أَوَمَنْ ‌كَانَ ‌مَيْتًا ‌فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ ليس بخارجٍ منها} فالدنيا مظلمة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة وهو من الأموات.

عباد الله:

لقد أمر الله تعالى بِطَاعَةِ الرَّسُولِ فِي نَحْوِ أَرْبَعِينَ مَوْضِعًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “أمر الله بطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – في أكثر من ثلاثين موضعًا من القرآن وقرن طاعته بطاعته وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه”.

فمن تلكم الآيات – معاشر المؤمنين -: قولُ الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}، وقولُه تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وَقولُه تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، وقولُه تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقَوْلُه تَعَالَى: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} إلَى قَوْلِهِ: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال الإمام أحمد – رحمه الله – ‌أيّ ‌فتنة هي؟ إنما هي الكفر. وقَوله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا # فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} إلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}.

وَالْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – َفِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ كثيرةٌ، فمنها قوله – صلى الله عليه وسلم -: (يوشك أن يقعد الرجل متكئًا على ‌أريكته يُحدَّثُ بحديثٍ من حديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنّ ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) صححه الألباني.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله ‌رحمةً ‌للعالمين، ومحجةً للسالكين، وحجة ًعلى الخلائق أجمعين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أما بعد:

معاشر المؤمنين:

إذا أردنا الفلاحَ في الدنيا والنجاةَ في الآخرة فإنّ علينا أن نتبع الرسول؛ فقد خص الله بالفلاح أتباعه وأنصاره، كما في قوله تعالى: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} أي: لا مفلح إلا هم.

وبشّر النبي – صلى الله عليه وسلم – بظهور أتباعه على الناس، ففي الصحيحين أنه  – صلى الله عليه وسلم – قال: “«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، ‌لَا ‌يَضُرُّهُمْ ‌مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ».

قال الإمام أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ “إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ” وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ “أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيث”.

وألبس سبحانه الذلة والصّغار لمن خالف أمر رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فقد روى أحمدُ عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

(بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعْبَدَ الله وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِلَ الذلة والصَّغار على مَن خالف أمري).

وقد قص الله علينا أخبار الأمم المكذبة للرسل وما صارت إليه عاقبتهم. وكذلك مسخ من مسخ قردة وخنازير لمخالفتهم لأنبيائهم وكذلك من خسف به، وأرسل عليه الحجارة من السماء وأغرقه في اليم، وأرسل عليه الصيحة وأخذه بأنواع العقوبات، قال تعالى: {وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون# ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}، إنما فعل ذلك بهم بسبب مخالفتهم للرسل وإعراضهم عما جاؤوا به.

وهذه سنته سبحانه فيمن خالف رسله وأعرض عما جاؤوا به واتبع غير سبيلهم؛ ولهذا أبقى الله سبحانه آثار المكذبين لنعتبر بها ونتعظ؛ لئلا نفعل كما فعلوا فيصيبنا ما أصابهم، كما قال تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزًا من السماء بما كانوا يفسقون # ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} وقال تعالى: {ثم دمرنا الآخَرِين # وإنكم لتمرون عليهم مصبحين # وبالليل أفلا تعقلون} وقال تعالى في مدائن قوم لوط: {وأمطرنا عليهم حجارة ًمن سجيل # إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين # وإنها لبسبيلٍ مقيم} يعني: مدائنهم بطريق مقيم يراها المار بها. وقال تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من المتبعين للرسول – صلى الله عليه وسلم – المؤمنين به وأن يحيينا على سنته ويتوفانا عليها لا يفرق بيننا وبينها إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: (إنّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا) اللهم صل وسلم عليه يا رب العالمين، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين.

اللهم احفظ ولاة أمرنا، ووفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، واجعل عملهم صالحًا في رضاك، اللهم وفقهم للقيام بالدعوة إلى التوحيد والسنة، وإزالة الشرك والبدعة، ومكّن لهم من أعداء الإسلام وأهله، اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه يا رب العالمين.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود والثغور وفي الداخل يا قوي يا عزيز.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا؛ إنك أنت التواب الرحيم.

والحمد لله رب العالمين.

 

أعدها: بدر بن خضير الشمري، للملاحظات يرجى التواصل عبر الرقم:00966533646769

خطبة بعنوان (وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولزوم سنته والتحذير من مخالفته)


شارك المحتوى: