كبيرة الغيبة وما ليس منها


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم, وعلى آله, وأصحابه, وأتباعه, ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .

أما بعد : فإن خير الكلام كلام الله , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار .

( ياأيها الذين أمنوا أتقوا الله حق تقاته ولاتموتن الا وأنتم مسلمون )

أمة الإسلام :يقول الله سبحانه وتعالى ممتنا على عباده (الم نجعل له عينين ولساناً وشفتين) إن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه العجيبة صغير جُرْمهِ عظيم طاعته وجُرمهُ ، فهل يُكَبْ الناس في النار على وجوههم الا حصائد السنتهم ؛ لاينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع فلا يُطْلِقهُ إلا في ما ينفعه في الدنيا والآخرة

وإن من أعظم حصائده الغيبة وما أدراك ما الغيبة ؟ فاكهةُ كثيراً من المجالس الا ما رحم ربك ؛ ما سلم منها الا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى : الغيبة عرْفها أهل العلم بأنها ذكر العيب بظهر الغيب : قال نبينا 🙁 أتدرون ما الغيبة فقالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قال أرايت إن كان في أخى ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته وإن لم يكن فقد بهته ) خرجه الامام مسلم في الصحيح .

الغيبة سلعة رائجة ؛ فالزوجة تغتاب زوجها وكذا الزوج ؛ والطالب يغتاب معلمه والموظف يغتاب رئيسه ورفقاءه في العمل والجار جاره والاجير لرب العمل .

عباد الله :إن من عقوبة الغيبة التعذيب في القبر فعن أبي بكرة قال مر النبي بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فيعذب في البول وأما الاخر فيعذب في الغيبة رواه الامام احمد .

عبدالله : إن كنت جاهلاً لوعيد الله يا من أطلق لسانه في حرمات الله فأنصت ؟ أنصت لهذا الوعيد الذي تنصدع منه الجبال غيبة الناس والوقوع في أعراضهم تسلطهم على حسناتك في يوم الدين .؟ روى الامام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول اللهeقال أتدرون من المفلس إن المفلس إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فأن فنيت حسناته قبل أن يقضىِ ما عليه أُخذا من

خطايهم فطرحت عليه ثم طرح في النار

وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله 🙁 قال إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها الي النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ) ؛ وفي سنن الترمذي وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه الي يوم يلقاه ) وعقاب من نوع أخر رواه المصطفى فعند أبي داوود في سننه من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول اللهeقال لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) ؛ فيا أيها الموفق المسدد إن كنت ممن يخاف الوقوف بين يدي الجبار إن كنت ممن يوقن بقول الله سبحانه وتعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أوليك كان عنه مسؤولا ) إن كنت كذلك فأزجر نفسك وأصحابك وجلسائك عن الوقوع في أعراض المؤمنين وغيبتهم والا فأنك شريك لهم لامحالة قال تعالى:( فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ  إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ )        قال ابن عثيمين : واعلم أن الغيبة تزداد قبحاً وإثماً بحسب ما تؤدي إليه، فغيبة العامة من الناس ليست كغيبة العالم أو ليست كغيبة الأمير أو المدير أو الوزير أو ما أشبه ذلك، لأن غيبة ولاة الأمور صغيراً كان الأمر أو كبيراً أشد من غيبة من ليس لهم إمرة وليس له أمر ولا ولاية، لأنك إذا اغتبت عامة الناس إنما تسيء إليه شخصياً فقط، أما إذا اغتبت من له أمر فقد أسأت إليه وإلى ما يتولاه من أمور المسلمين، فإذا اغتبت عالماً من العلماء، فهذا لا شك أنه عدوان عليه شخصيا كغيره من المسلمين لكنك أيضاً أسأت إساءة كبيرة إلى ما يحمله من الشريعة، فإذا اغتبته سقط من أعين الناس، وإذا سقط من أعين الناس لن يقبلوا قوله .. في أمور دينهم، وصار ما يطلبه من الحق مشكوكاً فيه لأنك اغتبته، فهذه جناية عظيمة على الشريعة  ،كذلك الأمراء، إذا اغتبت أميراً أو ملكاً أو رئيسًا أو أشبه ذلك ليس هذه غيبة شخصية له فقط بل هي غيبة له وفساد لولاية أمره؛ لأنك إذا اغتبت الأمير أو الوزير أو الملك معناها أنك تشحن قلوب الرعية على ولاتهم، وإذا شحنت قلوب الرعية على ولاة أمورهم فإنك في هذه الحال أسأت إلى الرعية إساءة كبيرة؛ إذ أن هذا سبب لنشر الفوضى بين الناس، وتمزق الناس وتفرق الناس، واليوم يكون رمياً بالكلام، وغداً يكون رميًا بالسهام؛ لأن القلوب إذا شحنت وكرهت ولاة أمورها، فإنها لا يمكن أن تنقاد لأوامرهم ،…. فإذا اغتبت أحداً من الكبار الذين لهم ولاية أمر على المسلمين، قيادة دينية، أو قيادة تنفيذية وسلطة، فإنك تسيء إلى المسلمين عمومًا من حيث لا تشعر

وقال الشيخ ابن باز : أما أن نتخذ من العثرات والزلات سبيلاً لتنقص ولاة الأمور ، أو الكلام فيهم ، أو تبغيضهم إلى الرعية ، فهذه ليست طريقة السلف أهل السنة والجماعة … والكلام في ولاة الأمور ؛ من الغيبة والنميمة ، وهما من أشد المحرمات بعد الشرك ) فاسمع ما قاله بعض أئمة التابعين في ذلك يقول أبو مجلز : سب الإمام الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ، ولكن حالقة الدين ” ويقول أبو إسحاق السبيعي : ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره ”

أسأل الله جل وعلا أن يحفظ ألسنتنا عن الحرام وأن يغفر لنا ذنوبنا ما تقدم منها وما تأخر .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد

عباد الله : وقال بعض السلف : ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإما إلى مجاوزة وهي الإفراط ولا يبالي بأيهما ظفر : زيادة أو نقصان .

وإن من خدائع الشيطان ومكره وحيله :تنفيره من الرد على المخالف وبيان ضلال دعاة الفتنة والتهييج ، وتصويره الكلام في الجماعات البدعية والشركية بأي اسم تسمت من تبليغ أو اخوان أو قاعدة أو نصرة أو داعش على أنها من الغيبة التي ذمها الله ورسوله ،من دون تفريق بين ما اذا كان لمصلحة شرعية او دونها ، قال ابن القيم : إذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات ) فرسولنا صلى الله عليه وسلم الذي بيّن الغيبة ذكر معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بما يكرهون لما استشارته فاطمة بنت قيس في نكاحهما وقد تقدما إليها كما أخرج مسلم عن فاطمة بنت قيس قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أما معاوية فرجل ترب لا مال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة بن زيد ». فإذا جاز هذا في مصلحة خاصة كهذه فلئن يجوز في تحذير الناس عامة من المخالفين للشريعة أولى وأدعى لكون هذه المصلحة التي جاز فيها دنيوية وخاصة، وبيان خطأ المخطئين مصلحة دينية وعامة .

قال الحافظ ابن عبد البر: وأما قوله:”أما معاوية فصلعوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه”: ففيه دليل على أن قول المرء في غيره ما فيه إذا سئل عنه عند الخطبة جائز وأن إظهار ما هو عليه من عيب فيه

صواب لا بأس به وليس من باب الغيبة في شيء .

وقد ثبت عن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم أنّه حذّر

ممن يغشّ في الطعام، وثبت عنه أيضًا أنّه قال في رجلين كانا يعيشان بين المسلمين : “ما أظنّ فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا” رواه البخاريّ.

فمن الواجب التحذيرُ من أهلِ الضلال الذين ينتسبون إلى الإسلام حتى يحذرهُم الناس كما جاء في حديثٍ رواهُ البيهقي : “حتى متى ترعون عن ذكرِ الفاجر اذكروه بمافيه حتى يحذره الناس”, قال ابن سيرين رحمه الله: “إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم”   فكيف نعرف من نأخذ عنه اذا لم تُبين حاله. وهو بلا شك تفرقة للصف ، لكنه تفرقة تميز الصالح من الفاسد والحق من الباطل ، وتوحيدُ الصفِ إنما يكونُ بين المؤمنين ليس بين المؤمنين والضالين فإن هذا يوهمُ الناس بأن الباطل هو

الحق .

قال ابن قتيبة: (إنما يقوى الباطل بالسكوت عنه)

ولذلك لما سئل الامام احمد : إنه يَثقل عليَّ ان أقول : فُلان كذا وفلان كذا، فقال الامام احمد : اذا سكت انا وسكت انت فمتى يُعرف الجاهل الصحيح من السقيم”
ولما سمع أبا تراب النخشبي الزاهد من أحمد بن حنبل شيئا من ذلك فقال له: يا شيخ لا تغتاب العلماء. فقال له: ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة.
وذكر ابن تيمية ان بيان حال اهل الاهواء والبدع وتحذير الناس منهم واجب باتفاق المسلمين .
قال الشيخ ابن باز  رحمه الله: فلايجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام للفاجر والمبتدع والجاهل،فإن هذا غلط عظيم،ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء الخير وقلته وخفاء السنة،فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق،ويدعوا إليه،وأن يكون ذلك على علم وبصيرة )

قال العلا‌مة الشيخ  محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :الكلا‌م في أهل البدع ومن عندهم أفكار غير سليمة أو منهج غير مستقيم هذا من النصيحة وليس من الغيبة ، بل هو من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين .

‏ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : وظنهم أن الرد على معظم : من عالم وصالح ، تنقص به ، وليس كذلك ، وبسبب الغفلة عن ذلك تبدل دين أهل الكتاب ، فإنهم اتبعوا زلات علمائهم ، وأعرضوا عما جاءت به انبياؤهم ، حتى تبدل دينهم ، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فأحلوا لهم الحرام ، وحرموا عليهم

الحلال فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم .

وقال الشيخ صالح الفوزان :التحذير من أهل الضلال

هذا واجب , التحذير من الأخطاء في أمور الدين هذا واجب ونصيحة للمسلمين وليس فيه غيبة .

وقال :نحن نبين الخطأ لأجل أن يتجنبه الناس، أما أن عنده حسنات، فهذا عند الله فنحن لا ندري عنه، حسناته ماهي بضائعة عند الله ونحن لسنا بميزان نزن الحسنات والسيئات، الحسنات والسيئات لها ميزان يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى ونحن ليس قصدنا تنقص الشخص وإنما قصدنا بيان الحق وكشف الخطأ لكي لا يقع فيه الناس، أما الشخص لا دخل لنا فيه، حسناته له ولا تضيع عند الله إن كانت له حسنات ونحن لم نتكلم في حسناته ولم نقل ليس له حسنات، الله أعلم بحسناته وإنما قصدنا بيان الخطأ لكي لا يغتر به، والشخص أمره إلى الله سبحانه وتعالى، وحسناته لا تضيع عند الله إذا كانت له حسنات، … ولكننا نبين الخطأ بدليله لأجل أن لا يغتر به الناس، والحق ما فيه مجاملة لأحد، من أخطأ بين خطؤه

أما حديث: ” من رد عن عرض أخيه؛رد الله عن وجهه النار يوم القيامة” وصححه الألباني رحمه الله.
فقال الشيخ ابن عثيمين : فيه الحث على الرد عن عرض أخيك  ، لكن إذا كان هذا الرجل الذي جعل الناسُ يتحدثون به صاحب بدعة أو صاحب فكر منحرف ، وذُكِر في المجلس فلا ترد عنه ، لأن هذا كذب إذ أن هذا المبتدع وصاحب الفكر المنحرف ليس له عرض فيما كان يذهب إليه،فلا ترد عن عرضه  بل قد يكون من المستحسن أن تزيد في ذلك  ، وأن تبين خطأه في بدعته ، أو انحرافه في منهجه .

وعلى هذا سار علماؤنا فعلى عجالة اذكر نتفا من كلام

شيخهم مفتي المشرقين الإمام الورع عبدالعزيز بن باز

رحمه الله فإن له في مجموع فتاواه أزيد من ثمانين ردا على علماء ومفتي بلاد اسلامية ودعاة ، نذكر طرفا ممن هم من محاضن هذا البلد المبارك :

قال عن دمحمد المسعري : الواجب الحذر من (الاشرطه والمنشورات)، سواء كانت جاءت من لندن من الحاقدين والجاهلين الذين باعوا دينهم وباعوا أمانتهم على الشيطان من جنس محمد المسعري ومن معه ، الذين أرسلوا الكثير من الأوراق الضارة المضلة )
وقال رحمه الله عن المسعري والفقيه بعد كلام طويل 🙁 أما ما يقوم به الآن محمد المسعري وسعد الفقيه و أشباههما من ناشري الدعوات الفاسدة الضالة فهذا بلا شك شر عظيم ، وهم دعاة شر عظيم ، وفساد كبير ، والواجب الحذر من نشراتهم ، والقضاء عليها و إتلافها ، وعدم التعاون معهم في أي شيء يدعو إلى الفساد والشر والباطل والفتن)
وقال رحمه الله عن الشيخ عبد الله القصيمي :: (الزائغ المرتاب … الضال القصيمي… وبالجملة فمن تأمل كتاب هذا الزائغ المفتون الشيخ عبدالله القصيمي )
وقال ايضا عن آخرين ممن فتن الناس بهم كسيد قطب صاحب تفسير في ظلال القرآن :(مسكين ضايع في التفسير )
وقال عن المحدث الشيخ محمد زاهد الكوثري :-(المجرم الآثم محمد زاهد الكوثري .. الأفاك الاثيم)

فهل هذا الكلام يعتبر غيبة من هذا الإمام لهؤلاء .

هذا وصلُّوا وسلِّموا على من امركم الله بالصلاة والسلام

عليه اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك

محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور

وارزقهم البطانة الصالحة وجنبهم بطانة الزور .

لا إله إلا الله غياث المستغيثين، وجابر المنكسرين، وراحم المستضعفين اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا . سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


شارك المحتوى:
0