الجماعة رحمة والفرقة عذاب


الجماعة رحمة والفرقة عذاب

الحمد لله القائل في محكم التنزيل(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)والصلاة والسلام على أمام المتقين وسيد المرسلين القائل (الجماعة رحمة والفرقة عذاب) صلى الله عليه واله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين.
أما بعد : فاتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا ان حقيقة صلاح الدنيا والاخرة انما هي في طاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وحقيقةَ فساد الدنيا والاخرة انما هي في اتباع الشيطان وأهل الشر والفساد .
أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ستكون أثرة وأمور تنكرونها” قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال:” تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ” قال النووي : وَفِيهِ : الْحَثّ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا ، فَيُعْطَى حَقّه مِنْ الطَّاعَة ، وَلَا يُخْرَج عَلَيْهِ وَلَا يُخْلَع ؛ بَلْ يُتَضَرَّع إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي كَشْف أَذَاهُ ، وَدَفْع شَرّه وَإِصْلَاحه.
وفي الصحيحين عن أسيد بن حضير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ” وأخرج مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ” وأخرج مسلم عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع .
واخرج البخاري عن الزبير بن عدي قال أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجَّاج فقال اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسن البصري: اعلم – عافاك الله – أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف ، وإنما تتقى و تستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع ا.هـ (آداب الحسن البصري لابن الجوزي ص119 )
وقال رحمه الله : والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبَل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلوا إليه ، ووالله ما جاءوا بيوم خير قط ، ثم تلا : ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) ا.هـ أخرجه الآجري في الشريعة(1/ 73)
قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (3 / 231): ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتالِ والفتنةِ أعظمُ من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة – ثم قال – ولعله لا يكاد يُعرف طائفةٌ خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته ا.هـ
وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل لما جاءه العلماء والقضاة أيام فتنة المعتصم والقول بخلق القران يريدون الخروج فقال لهم : اصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر.
وقال ابن ابي العز في شرحه على العقيدة الطحاوية : فَإِنَّ الْمَلِكَ الظَّالِمَ لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ الله به مِنَ الشَّرِّ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِه، وَقَدْ قِيلَ: سِتُّونَ سنةً بِإِمَامٍ ظَالِمٍ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَة وَاحِدَة بِلَا ِامَامٍ، وقال ايضا: وَأَمَّا لُزُومُ طَاعَتِهِمْ وَإِنْ جَارُوا، فلأنه يَتَرَتَّبُ على الْخُرُوجِ مِنْ طَاعَتِهِمْ مِنَ الْمَفَاسِدِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ مِنْ جَوْرِهِمْ، بَلْ في الصَّبْرِ على جَوْرِهِمْ تَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَمُضَاعَفَة الْأُجُورِ، فَإِنَّ الله تعالى مَا سَلَّطَهُمْ عَلَيْنَا إِلَّا لِفَسَادِ أَعْمَالِنَا، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَعَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ بالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَة وَإِصْلَاحِ الْعَمَلِ.قَالَ تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فَإِذَا أَرَادَ الرَّعِيَّة أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ ظُلْمِ الْأَمِيرِ الظَّالِمِ. فَلْيَتْرُكُوا الظُّلْمَ.
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: أنه جَاءَ في بَعْضِ كُتُبِ الله:”أَنَا الله مَالِكُ الْمُلْكِ، قُلُوبُ الْمُلُوكِ بِيَدِي، فَمَنْ أَطَاعَنِي جَعَلْتُهُمْ عليه رحمة، وَمَنْ عَصَانِي جَعَلْتُهُمْ عليه نِقْمَة، فَلَا تَشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِسَبِّ الْمُلُوكِ، لَكِنْ تُوبُوا أعطفهُمْ عَلَيْكُمْ”.
فما أعظم هذه الشريعة التي راعت المصالح وقامت على قاعدة عظيمة وهي جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها فتدرأ المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى ، فدرأت مفسدة ظلم الرعية لبعضهم وتشتتهم وتقاتلهم وذهاب أمنهم – وهي المفسدة الكبرى – بمفسدة الصبر على ظلم الولاة الظالمين وهي مفسدة كبيرة لكنها أقل بكثير من المفسدة السابقة.

الخطبة الثانية:

فهذا هو التاريخ أمامكم فهل أعادت المظاهرات والانقلابات حقوقاً مغتصبة أم هل عجّل الانتحار بالاحتراق انجازات مرتقبة ؟؟
وهل منعت المظاهرات في العالم كله أمريكا من أن تعتدي على العراق؟
أم هل ألغت المظاهرات قرار منع الحجاب في فرنسا؟
أيها المسلمون:لقد ابتليت الأمة بدعاة بدعة وضلالة تؤز الجماهير أزاً وتزيد النار اشتعالاً،بدأوا يطلون علينا برؤوسهم عبر القنوات الفضائية كما هي عادتهم في كل فتنة
فيا سبحان الله، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: اصبروا حتى تلقوني على الحوض ودعاة الحركية والحزبية تقول اخرجوا وتظاهروا ، الرسول يقول اصبروا والثوريون يقولون اخرجوا !!!! تطيعون من يا أمة محمد ؟؟
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول :أدوا اليهم حقهم وسلوا الله حقكم ، ودعاة التهييج يقولون : أسقطوا عروش الظلم والطغيان !! تطيعون من يا أمة محمد؟؟
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:اسمع وأطع وان ضرب ظهرك وأخذ مالك ، ودعاة الأهواء يقولون : كيف تصبرون على الذل والاستبداد!!!تطيعون من يا أمة محمد؟؟
الرسول يقول:من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية،ودعاة الفتنة يقولون:نحيي شهداء الحرية الذين صدوا بصدورهم العارية دبابات الظلم والطغيان.
الرسول يقول :الفرقة عذاب ، ودعاة الفتنة يقولون : ثورة مباركة وانتصار كبير!!
الرسول يقول لحذيفة عندما سأله :فان لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟فقال له: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ، ودعاة الفتنة يقولون : واصلوا المسيرة فقد قطعتم شوطاً كبيراً حتى لا يأتي أحد فيقطف الثمرة عليكم.
أما علمتم يا دعاة التهييج بما حصل لأبي هريرة رضي الله عنه يوم ان قال: ولقد رأيتنى أصرع عند منبر رسول الله فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي يظن أن بي مساً من الجن ومابي والله إلا الجوع ، ومع ذلك لم يحرق نفسه اعتراضاً على الفقر أو يقود مظاهرة يطالب فيها بما يريد ، أما علمتم يا دعاة الحركية أن الناس كادوا أن يهلكوا من الجوع والمجاعة في عام الرمادة في عهد عمر بن الخطاب وما خرجوا بالمظاهرات ولا نددوا بالأوضاع التي يعيشونها ولم يخرجوا على عمر رضي الله عنه..
لقد لقي المسلمون في عصر الحجاج بن يوسف من الظلم والاضطهاد والقتل والفتن وهدم الكعبة ومع ذلك لم يخرج الصحابة والتابعون بمظاهرات واعتصامات ولكنهم صبروا طاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام الذي أمرهم بالصبر
افتظنون أن الصحابة والتابعين يتركون أمراً مشروعاً ثم يكتشفه المتأخرون ؟؟
أفتظنون يادعاة الحركية والحزبية أنكم أشد حرصاً ورحمة بالأمة من محمد صلى الله عليه وسلم؟
الا فليتق الله هؤلاء الدعاة في الأمة وشعوبها ولا يزجوا بهم الى المهالك والردى ولا يتدخلوا فيما لا يجوز لهم التدخل فيه وليتذكروا قوله عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت.)
كفى عبثاً بالدماء ، كفى ازهاقاً للأرواح ، كفى تمزيقاً للأمة ..
واحذروا ايها المسلمون هذه الفرق والتيارات والاحزاب واعتزلوا الفتن والزموا جماعة المسلمين واعتصموا بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين والطف بهم يارب العالمين، اللهم ردهم اليك ردا جميلا ، اللهم ولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم .
اللهم لا تفرح علينا عدوا ولا تشمت بنا حاسد ولا تسلط علينا حاقداً
اللهم اصلح ولاة امور المسلمين وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة الذين يدلونهم على الخير ويعينونهم عليه.

محمد بن أحمد الفيفي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية الدعوة والإعلام


شارك المحتوى: