هل للنبي -صلى الله عليه وسلم- ظل؟


هل النبي له ظل؟!

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد.

اطلعت على مقطع يذكر صاحبه فيه خصالاً عن النبي ﷺوقد غلا في ذلك وذكر أشياء لرسول الله لا تصح عنه ومن ذلك نفي “الظل عنه”.

ولي ثلاث وقفات.

 

الوقفة الأولى:

 

الحديث(أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم لم يكن يُرَى له ظلٌّ في شمسٍ ولا قمرٍ ولا أثرَ قضاءِ حاجةٍ) الاستدلال بالحديث لا أصل له وهو باطل سندا ومتنا، وقد رده أهل العلم المحققون منهم مع الإشارة الى بطلانه ومخالفته لصريح الآيات القرآنية، والعجيب أن من الناس من يتكلم بالعلم ويقحم نفسه ويقرر مسائله نفيا أو إثباتا، وهو لا يفرق بين التوحيد والشرك، وبين السنة والبدعة، والحديث الصحيح من الضعيف والموضوع، فتراه كحاطب ليل، فمجرد نظرته إلى أي حديث في أي كتاب يأخذه، ويعتمد عليه، ويبني عليه من غير أن ينظر إلى سنده ويتحقق من صحته، ولعل السبب يعود إلى أن بضاعته في الحديث مزجاه، فلا معرفة في علم الحديث رواية ودراية قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ).

أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن النبي صلى الله عليه وسلم تلحقه جميع خصائص البشرية ما عدا أسافل الأخلاق فهو منزه معصوم منها قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وهو يمرض عليه الصلاة والسلام ويضيق صدره قال تعالى (ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فهو بشر مثلنا إلا أنه يوحى إليه قال تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ) قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله ومن قال أنه ليس له ظل أو أن نوره يطفئ ظله إذا مشى في الشمس فكله كذب باطل ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها كنت أمد رجلي بين يديه وتعتذر بأن البيوت ليس فيها مصابيح فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم له نور لم تعتذر رضي الله عنه.

قال تعالى ( وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) فتأمل أيها المسلم أن من أسباب عدم قبول الحق عند الظالمين لكونه بشرا مثلهم وليس هناك ما يميزه عن غيره من البشر إلا بالوحي ولا شك أن الله أعطاه من الأخلاق الفاضلة من كل وجه كالصبر والكرم والجود والشجاعة وغير ذلك من الصفات الحميدة، وكلها في حدود البشرية أما أن تصل إلى خصائص الربوبية فهذا غلو وكفر قال تعالى: (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء» وإنما ثقلت هاتان الصلاتان في المساجد على المنافقين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من المؤمنين يرون من حضر إلى الصلوات كصلاة الظهر والعصر والمغرب لأن الليل لم يسدل ظلامه بعد، والمنافقون كما وصفهم الله في القرآن (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) والمرائي إنما ينشط للعمل إذا رآه الناس، فإذا لم يشاهدوه ثقل عليه العمل، فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له نور وأن نوره يمنع أن يكون له ظل أو يكشف ظلام الليل لم تثقل صلاة العشاء والفجر على المنافق، لأن هذا من أحد أسباب عدم حضور الصلاة لعدم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لهم قال تعالى (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولً).

 

الوقفة الثانية:

 

ليس كل ما لا ظل له قد حاز على صفاء وكمال فبعض المخلوقات لا ظل لها كالرياح والهواء والجن والشياطين ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ظل له لذكره الله عز وجل في محكم كتابه آية صدق على رسالة نبيه واحتج به الرسول صلى الله عليه وسلم في ذكر سياق الأدلة والبراهين على صدق بعثته ونبوته، ولكن الغلو في الدين يجر إلى التقول على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ )

لا يوجد أبلغ وصف يتصف به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه عبدالله ورسوله، وهو من أجل صفات الكمال، (عن أنس رضي الله عنه أن ناسا قالوا يا رسول الله خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال: يا أيها الناس قولوا بقولم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبدالله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) رواه النسائي، أي قولوا بقولكم الذي خاطبتموني به أولاً، وهو يا رسول الله بدليل قوله: (أنا محمد عبدالله ورسوله)، قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله وهذان الوصفان أحسن وأبلغ وصف يصف به الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولذلك وصفه الله بالعبودية في أعظم المقامات فوصفه بها في مقام إنزال القرآن عليه قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) ووصفه في مقام الإسراء قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا )، ووصفه بها في مقام المعراج قال تعالى: (فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ )، ووصفه في مقام الدفاع عنه قال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا) أ. هـ.

وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد، فقولوا عبدالله ورسوله» رواه البخاري.

 

الوقفة الثالثة:

 

أما قوله تعالى: (ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) فالمراد بالنور في ذلك ما بعثه الله به من الوحي من عطف الخاص على العام، وللنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة، والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وللنبي صلى الله عليه وسلم نور هدى وإرشاد كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن السراج المعروف وإنما سمي سراجا بالهدى الذي جاء فيه ووضوح أدلته بمنزلة السراج المنير) ذكره ابن تيمية رحمه الله، قال تعالى (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ)، أي علما وهدى يفرقون به بين الحق والباطل والقرآن نور لأنه يضيء الحق ويزيل ظلمات الجهل والشرك قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ).

نسأل الله أن يهدينا إلى هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن يميتنا على الحق وهو راض عنا.

والحمدلله رب العالمين.

كتبه / أبو محمد فيحان الجرمان


شارك المحتوى: