منزلة الزكاة في الإسلام وشيء من فقهها


“منزلة الزكاة في الإسلام وشيء من أحكامها”

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، شرع لعباده من هذه الأمة أكمل الشرائع وأيسر الأديان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد؛ أيها المسلمون:

إنّ أهمَّ وأوّلَ وأولى ما ينبغي على العبد أن يعتني به: هو العناية بفرائض هذا الدين الحنيف وهذه الشريعة الغراء؛ فإنّ الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحدّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء؛ رحمةً بكم غير نسيانٍ فلا تبحثوا عنها.

وتأتي مباني الإسلام وأركانه العظام على رأس هذه الفرائض وفي مقدمتها، فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان).

وهذه الفرائض هي أول ما يُدعى الناس إليه، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس – رضي الله عنه – قال: لما بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن قال له: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، ‌فليكن ‌أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوقّ كرائم أموال الناس».

وهي أحب ما يتقرب به العبد إلى ربه، فقد قال الله تعالى كما في الحديث القدسي: (وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه) رواه البخاري.

والعناية بهذه الفرائض – معاشر المؤمنين – حريةٌ بأن تدخل المرئ الجنة إن هو حافظ عليها – بإذن الله تعالى -، فعن جابر – رضي الله عنه – أنّ رجلًا سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: أرأيتَ إذا صليتُ الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئًا، أأدخل الجنة؟ قال: «نعم» رواه مسلم.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وارض اللهم عن أتباعهم الأئمة لهداه، وعنا معهم، ووفقنا اللهم إلى ما تحبه وترضاه، أما بعد؛ أيها المسلمون:

إنّ أعظم ما فرض الله عليكم في أموالكم الزكاة التي هي ثالث أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في محكم القرآن، وقد جاء في منعها والبخل بها الوعيد بالنيران.

قال الله – عز وجل -: {وَأَقِيمُوا ‌الصَّلَاةَ ‌وَآتُوا الزَّكَاةَ }، قال أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -: (والله لأقاتلنّ من ‌فرّق ‌بين ‌الصلاة والزكاة؛ فإنّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لقاتلتهم على منعه) رواه مسلم. وقال الله – عز وجل -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ – يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (من آتاه الله مالًا، فلم يؤد زكاته مُثّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يُطوّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلِهزمتيه – يعني بشدقيه – ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك) رواه البخاري، وقال – صلى الله عليه وسلم -: (ما ‌من ‌صاحب ‌ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار) رواه مسلم.

أيها المسلمون: أدوا الزكاة قبل أن تفقدوا المال مرتحلين عنه، أو مرتحلًا عنكم، فإنما أنتم في الدنيا غرباء مسافرون، والمال وديعة بين أيديكم لا تدرون متى تُعدمون، أدوا زكاة أموالكم قبل أن يأتي اليوم الذي يحمى عليه في نار جهنم، فتكوى به الجباه والجنوب والظهور، ويُمثل لصاحبه شجاعًا أقرع، فيأخذ بشدقيه، ويقول: أنا مالك أنا كنزك.

واحرصوا على تعلّم أحكام الزكاة، واعلموا أنّ من رحمة الله بكم عدم إيجابه الزكاة في كل مال، وإنما أوجب الزكاة في أربعة أنواع من المال فقط، وهي: الذهب والفضة – وتأخذ حكمهما الأوراق النقدية -، وعروض التجارة، وهي ما أعده الإنسان للبيع والاتجار به من حيوان وعقار وأثاث ومتاع وأوانِ، وغير ذلك.

وتجب الزكاة أيضًا في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار والمعادن، وتجب كذلك في السائمة من بهيمة الأنعام.

ولا يجب على المسلم الحر زكاةٌ في مالٍ إلا إذا حال عليه الحول، ولم ينقص المال خلاله عن النصاب الواجب فيه، ويستثنى من شرط حولان الحول ما ذكره الفقهاء، نحو: الخارج من الأرض، وربح التجارة، ونتاج السائمة.

أيها المسلمون: تحروا من تعطونه زكاتكم؛ فإنّ الزكاة لا تنفع، ولا تبرأ بها الذمة حتى يخرجها صاحبها على الوجه المشروع بأن يصرفها في مصارفها الشرعية، وهي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

والأفضل في حق من تجب عليه الزكاة أن يفرقها بنفسه، ويجوز أن يوكّل من يخرجها عنه، ويجب عليه في ذلك أن يتحرى الجهات الموثوقة، كالجهات الرسمية التي أنشأت لمثل هذه المهمة.

والحذر كل الحذر من التساهل في بذل الزكاة أو الصدقة ودفعها للجهات المشبوهةِ غيرِ الموثوقة؛ فإنّ ذلك يعرّض زكاة المسلم لنقصان الأجر، وعدم الإجزاء.

وصلوا وسلموا على نبينا محمد، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إنّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا) اللهم صل وسلم على يا رب العالمين، وارض اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل من خذل الدين.

اللهم احفظ ولاة أمرنا، ووفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك واجعل عملهم صالحًا في رضاك، اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه يا رب العالمين. اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود والثغور وفي الداخل يا قوي يا عزيز.

اللهم احفظنا والمسلمين جميعًا من هذا الوباء ومن سائر أنواع البلاء يا سميع الدعاء. ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

اللهم تقبل زكاتنا وصيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا؛ إنك أنت التواب الرحيم.

والحمد لله رب العالمين.

 

 

أعدها: بدر بن خضير الشمري.

للملاحظات التواصل عبر الرقم:0533646769.

منزلة الزكاة في الإسلام وشيء من فقهها


شارك المحتوى: