مشابهة المخذّلين للمنافقين في غزوة تبوك


مشابهة المخذّلين للمنافقين في غزوة تبوك

الخطبة الاولى

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبيا محمداً صلى الله عليه و سلم و على آله و أصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد :

عباد الله اتقوا الله و استمسكوا من دينكم بالعروة الوثقى أيها المسلمون أية في كتاب الله ذكرها الله عز وجل في أخر سورة التوبة و هذه السورة كان يسميها ابن عباس رضي الله عنهما الفاضحة لأنها فضحت المنافقين، ففي العام التاسع من الهجرة أعلن النبي صلى الله علية و سلم ، عزمه غزو الروم و توجه إلى تبوك فحث الناس على الجهاد والنفير وجلى للناس أمرهم فاجتمع أهل المدينة ومن حولها والمهاجرون و الأنصار ومن حولهم من الإعراب الذين دخلوا في الإسلام فتوجه بهم النبي صلى الله علية وسلم إلى تبوك في حر القيض وكانت المسافة بين تبوك و المدينة مفازة بعيده ولا يوجد فيها مياه إلا ما ندر ، ولكن أصحاب النبي صلى الله علية وسلم امتثلوا أمر الله و أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فسماهم الله عز وجل الصادقين و سماهم السابقين وسماهم المجاهدين و سماهم المهاجرين و الأنصار ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ))

وكان الهدف من الغزوة إرغام الروم لأن الروم كانت تنوي غزو المسلمين لما سمعوا ببعثة النبي صلى الله عليه و سلم واجتماع الناس عليه ، فأراد أن يرغمهم صلى الله عليه وسلم فاجتمع معه نحو ثلاثين ألفا وسار بهم حتى نزل تبوك وتفرق الروم لما سمعوا بمقدم الجيش لأنكم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نصرت بالرعب مسيرة شهر. متفق عليه فهزم الله عز وجل الأعداء و تفرقوا وكانت هذه الغزوة هي المقدمة لفتح بلاد فارس و الروم لان الله عز وجل ألقى في قلوبهم الرعب من تلك الغزوة ولكن الناس فيها انقسموا إلى ثلاثة أقسام

القسم الأول المهاجرون و الأنصار و المتبعون للنبي صلى الله عليه وسلم الذين سماهم الله عز وجل الصادقين بقوله في الايه التي ذكرت (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) الى قوله مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)

فهولا هم الصادقون الذين اثنى الله عليهم عز وجل في كتابه واثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.

أما القسم الثاني/ فهم المنافقون المفضوحون الذين قال فيهم ابن عباس نزلت براءة لفضح المنافقين، كما اخبر الله عنهم في كتابه في ايات متفرقه من القران الكريم بقوله (ويحلفون بالله انهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قوم يفرقون ) وقوله (ومنهم يقولون ائذن لي ولا تفتني ) لا يريد الجهاد ومنهم الذين يقولون هو أذن يسمع كل ما يقال ومنهم من يلمزك في الصدقات ((وقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)) ومنهم من استهزأ بالنبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه في تلك الغزوة فقالوا لم نر مثل قرائنا هؤلاء أَرْغَبَ بُطُونًا ، وَلا أَكْذَبَ أَلْسِنَةً ، وَلا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ ، يعنون اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فانزل الله فيهم ((لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ )) ففضح الله المنافقين فضيحةٌ عظيمة و جاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب اليم.

أما القسم الثالث فهم الذين عذرهم الله عز وجل لوجود مسوغ التخلف وهم من قال الله فيهم لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى المرضى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) ۞

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ . فهؤلاء هم المعذورون شرعاً لصدق نواياهم ونصحهم لله و رسوله وقد حازوا اجر المجاهدين بنص النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع من غزوةِ تبوكَ، فدَنا منَ المدينةِ، فقال : ( إنَّ بالمدينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا إلا كانوا معكم ) . قالوا : يا رسولَ اللهِ، وهم بالمدينةِ ؟ قال : ( وهم بالمدينةِ، حبسهُمُ العذر متفق عليه

اعوذ بالله من الشيطان الرحيم

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ ۝ ما كانَ لِأَهلِ المَدينَةِ وَمَن حَولَهُم مِنَ الأَعرابِ أَن يَتَخَلَّفوا عَن رَسولِ اللَّهِ وَلا يَرغَبوا بِأَنفُسِهِم عَن نَفسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُم لا يُصيبُهُم ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ في سَبيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئونَ مَوطِئًا يَغيظُ الكُفّارَ وَلا يَنالونَ مِن عَدُوٍّ نَيلًا إِلّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ

﴿وَلا يُنفِقونَ نَفَقَةً صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً وَلا يَقطَعونَ وادِيًا إِلّا كُتِبَ لَهُم لِيَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَنَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾ [التوبة: ١٢١

نفعني الله واياكم بهدي كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد عباد الله فاحذروا من مشابهة المنافقين في مواقفهم فقد سمعتم بعض ما صدر منهم في حق النبي صلى الله عليه وسلم وسادات المتقين وما تخفي صدورهم اكبر.

فالواجب على الرعية المسلمة أن تكون تابعة لراعيها المسلم ولا تتتشبه بأهل النفاق الذين إذا عقد الإمام راية ثبط المنافقون الناس واوضعوا خلالهم الفتنه وهونوا من شأن الإمام ومن رايته وتعلمون أن الأئمة نواب عن الرعية فيما رأوه من الحرب و السلم و الواجب على الرعية أن تكون تابعه لإمامها في حربه وسلمه وفي منشطه و مكرهه وفي العسر و اليسر ولا تكون الرعية مطيعة في وقت الرخاء عاصية او مثبطة او مخذلة او متنصلة في وقت الشدائد فهذه رعية سوء ونفاق وليست رعية بر، وصدق ، وايمان فالرعية التي هذه حالها تثبط من عزم ولي الأمر بالأقوال الشنيعة و الآراء الشاذة و النعرات الجاهلية .

ومن النفاق ان يوجد من هو مع الرعية وفي احضانها ولكن قلبه مع حاكم أخر يرى راية وينتصر لقوله ويثني عليه ويصور مساوئه محاسن

ولا شك أن هذا خلع للبيعة ومن النفاق ومن البعد عن منهج النبي صلى الله علية وسلم ومنهج أصحابه أيها المسلمون إن الناس تبع لائمتهم من الأمراء و العلماء وليسوا مستقلين برأيهم ألا فليحذر أولئك الذين يحللون ويراوغون ويجتهدون ويخالفون رأي أئمتهم ويثبطوا من عزائم الموحدين .

أيها الناس إن إمامكم سدده الله وقوى عزيمته إنما يفعل ما يفعل لإعلاء كلمة التوحيد ولحفظ سنة النبي صلى الله علية وسلم ومنهج سلف ألامه ولحفظ الحرمين وحفظ مهبط الوحي وحفظ أهل التوحيد وحفظ رعيته وملكه وهذا واجب عليه وواجب على رعيته أن تكون معه في ذلك ومن تخلف فليعتبر بحال المفضوحين في سورة براءة .

أيها الناس أيها المسلمون احذروا وحذروا من النظر في بعض المواقع وبعض الفضائيات التي تلعب بقلوب الناس من اجل إفساد ما رآه إمامهم و من اجل اللعب بعقولهم ومن اجل تحويل القضايا من قضايا شرعية إلى قضايا سياسيه ومصالح حزبيه ألا فلنتق الله عز وجل ولنحذر من أولئك وتعلمون أن بلادكم مستهدفه من أعداء كثيرين في الداخل و الخارج و السهام موجهه لأهل التوحيد والسنة ولكن هذه بدايات وعلامات النصر بإذن الله .

ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ‏صلوا عليه وسلموا تسليما اللهم صلي وسلم على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدي بهدية الى يوم الدين اللهم اعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك. ‏والمشركين ودمر أعداء ك عداء الدين اللهم من أراد بلادنا وأراد بلادنا وولاة امرنا بسوء فاشغله في نفسه واجعل كيده في نحره ‏واكف المسلمين شره ‏اللهم أننا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرور هم واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

كتبها / سعيد بن هليل العمر

الجمعة ١٤٣٨/١٠/١٣ هـ


شارك المحتوى: