ما مدى حجية الإجماع؟ وما حكم التمذهب بمذهب معين مع ذكر الأدلة؟


يقول السائل: ما مدى حجية الإجماع؟ وما حكم التمذهب بمذهب معين مع ذكر الأدلة؟

الجواب:

أما الإجماع فهو حجة عند أهل السنة، وأول من خالف في حجيته هو النظام المعتزلي كما ذكره الأصوليون في مبحث الإجماع.

وقد أخطأ بعض أهل السنة، وظن أن الإمام أحمد لا يرى حجية الإجماع، لأنه يقول: ” من ادعى الإجماع كاذب، وما يدريه لعل الناس قد اختلفوا، هذه دعوى بشر والأصم “.

لكن يقال: هذا ذكره الإمام أحمد فيمن يحكي الإجماع وليس أهلًا لحكاية الإجماع، لذا أصحابه متواردون على أن الإمام أحمد يرى حجية الإجماع، وقد بحث هذا الحنابلة في كتب أصول الفقه، ومنهم أبو يعلى في كتابه (العدة)، وابن تيمية في (المسودة)، وابن القيم في كتابه (أعلام الموقعين).

فالظاهر أن كلامه فيمن حكى الإجماع وليس أهلًا لحكاية الإجماع كأهل البدع، لذا ضرب مثلًا بالأصم وبشر وغيرهم من أهل البدع.

فالإجماع حجة ولم يخالف في حجيته لا أحمد ولا غيره من أئمة السنة.

وأحمد قد حكى الإجماع على مسائل كثيرة:

قال: قد أجمع المسلمون على أن أولاد المسلمين في الجنة.

وقال: أجمعوا على أن قوله تعالى: ﴿‌وَإِذَا ‌قُرِئَ ‌الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204] أن ذلك في الصلاة.

وقال: أجمعوا على أن الاعتكاف سنة … إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة.

والدليل على حجية الإجماع أدلة كثيرة، منها: قوله تعالى: ﴿‌وَمَنْ ‌يُشَاقِقِ ‌الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].

وجه الدلالة: أن الله رتب الوعيد على مخالفة سبيل المؤمنين، فدل هذا على أن إتباع سبيل المؤمنين واجب.

ومن الأدلة قوله تعالى: ﴿‌فَإِنْ ‌تَنَازَعْتُمْ ‌فِي ‌شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 59].

ومفهوم المخالفة: إن لم تتنازعوا وأجمعتم فاعملوا بما أجمعتم عليه ولم تتنازعوا فيه، ذكر هذه الأدلة الأصوليون كالآمدي في كتابه (إحكام الأحكام)، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى).

أما حكم التمذهب بمذهب معين فجائز إذا كان على غير وجه التعصب؛ لأنه يكون من باب الإخبار، إذا درس الرجل على المذهب الحنفي، أو المالكي، أو الشافعي، أو الحنبلي فهو يخبر أنه درس على هذا المذهب، وأنه حنبلي، أي: درس وتفقه على هذا المذهب.

كما يخبر الرجل بأنه من البلد الفلاني، بأن يقول: أنا سعودي، أو إماراتي، أو مصري إلى آخره، أو ينتسب إلى قبيلة بأن يقول: أنا قحطاني أو غير ذلك، فهذا جائز، فالانتساب إلى المذاهب كالانتساب إلى البلد والقبيلة، وغير ذلك، أفاد هذا ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى).

فمن قال: أنا حنبلي، أي: أنا تفقهت على المذهب الحنبلي، ومن قال: أنا شافعي، أي: أنا تفقهت على المذهب الشافعي، لكن لا يجوز له أن يتعصب، فمن تعصب لهذا المذهب أو لغيره فتعصبه محرم، ولا يجوز أن يردّ الحق إذا خالف مذهبه، بل الواجب هو إتباع الدليل لقوله تعالى: ﴿‌وَأَطِيعُوا ‌اللَّهَ ‌وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [المائدة: 92] ولقوله: ﴿‌فَإِنْ ‌تَنَازَعْتُمْ ‌فِي ‌شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: 59] إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة.

فإذن الانتساب إلى المذاهب جائز، وقد درج على ذلك العلماء في القرون الماضية، ولا يُعرَف عنهم إنكار ذلك، وإنما شدد الكلام في ذلك الظاهرية، ومذهب الظاهرية مذهب مبتدع، وقد بينت ذلك في أجوبة سابقة.

لكن إذا كان لا داعي للانتساب، بل الانتساب قد يسبب شيئًا من الفرقة أو المنافسة المذمومة، فمثل هذا إذا لم يحتج إليه فالأحسن ألا ينتسب.

فينتسب إذا احتيج لذلك، وقد انتسب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- إلى المذهب الحنبلي، حتى لا يقال: إنه أتى بمذهب جديد، ويعادونه وينازعونه في ذلك، لذا كان انتسابه صحيحًا، فإذا كان داعية السنة في أرض يوجد فيها من ينسب إلى المذاهب، وقد تفقه على مذهب فليظهر انتسابه لهذا المذهب حتى لا يحارب على مسائله الفقهية، وليجعل المعركة في المسائل العقدية والبدع وغيرها.

فالانتساب إذا كان له فائدة ينتسب، وإذا لم يكن له فائدة فالأحسن ألا ينتسب لئلا تحصل منافسات ومنازعات، ولئلا يوجد بعد ذلك من ينتسب على وجه محرم من غلو وتعصب وغير ذلك.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما ينفعُنا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا.

257_1


شارك المحتوى:
0