ما الجواب على الاستدلال بحديث: “فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن” على جواز الخروج على الحاكم؟


يقول السائل: يستدل البعض بحديث فيه الخروج على الأمراء. ثم ذكر السائل حديث ابن مسعود الطويل الذي رواه مسلم وفيه: «فيخلف من بعد ذلك خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن» ثم ذكر لفظًا آخر رواه غير الإمام مسلم وفي هذا اللفظ أنه قال: «يأتي من بعد ذلك خوالف أمراء من بعدي، يقولون ما لا يفعلون …» ثم قال: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن».*
*يقول السائل: فهذه الرواية تفسر الأولى وتبين أن الخلوف هم الأمراء ويجب جهادهم، قال ابن رجب: وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد. يقول: أفدنا جزاك الله خيرًا.

الجواب:
هذه الشبهة يُرددها الخوارج وقد منَّ الله علي وأجبت عليها في كتابي (الإمامة العظمى عند أهل السنة السلفيين)، وذكرت عدة أجوبة على هذه الشبهة، لكن خلاصة ما يُجاب به ما يلي:

الأمر الأول: أن لفظ الإمام مسلم ليس فيه النص على الأمراء، وإنما قال: «يخلف من بعد ذلك خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون» إلى أن قال: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن» فلفظ الإمام مسلم لفظ عام وليس خاصًا بالسلطان.
أما اللفظ الآخر الذي فيه ذكر السلطان فقد بيَّن الإمام أحمد عدم صحته من جهة إسناده ومن جهة متنه، قال الإمام أحمد كما في (السنة) لما ذكر هذا الحديث بيَّن ضعفه من جهة إسناده وقال: جعفر هذا هو أبو عبد الحميد بن جعفر والحارث بن فضيل ليس بمحمود الحديث. ثم قال: وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اصبروا حتى تلقوني».

وتكلم الأثرم بكلام آخر يُفيد تضعيف هذا الحديث وأنه لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أولًا لضعف إسناده وثانيًا لأنه خالف الأحاديث الأخرى، هذا الجواب الأول.

الجواب الثاني: أن كلام ابن رجب لم يكمله السائل فإن فيه جهاد الأمراء باليد ثم شرح ذلك، وهو أن تُزال المنكرات التي يخلفها الأمراء، يعني لنفرض أن أميرًا من الأمراء ترك خمرًا في مكان ثم ذهب وبإمكان أحد أن يزيل هذا المنكر بلا ضرر ولا مفسدة أكبر، فإنه يزيل هذا المنكر، هذا هو جهاد اليد، وليس معنى جهاد اليد الخروج على السلطان، فإن أهل السنة مجمعون على عدم جواز الخروج على السلطان، وقد دلت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على حرمة ذلك.

فلا يصح أن تُعارض هذه الأدلة الكثيرة بفهم لهذا الحديث، وقد تقدم معنى كلام ابن رجب -رحمه الله تعالى-.

الجواب الثالث: قد ذكر جمع من أهل العلم أن هذا الحديث فيما يتعلق بالأمم السابقة لا بأمتنا، كما ذكر هذا ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ونقل كلامه النووي وأقره، فإذن الجواب على هذا الحديث من هذه الأوجه الثلاثة وليس للخوارج ولا لغيرهم ممسك في هذا الحديث ولا غيره في جواز الخروج على السلطان، فإن الأدلة من السنة متواترة، وثانيًا إجماع أهل السنة متوارد ويتواردون على ذكره في كتب الاعتقاد، فلا يصح بحال أن يُقرر الخروج على السلطان.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

1003_1


شارك المحتوى: