لم يتجاسر العلماء على ما تجاسرت عليه لأنهم يميزون بين الكفر والإسلام!


لم يتجاسر العلماء على ما تجاسرت عليه لأنهم يميزون بين الكفر والإسلام!

ردّ على المغامسي في تصحيح دين الإسماعيلية.

مقال للدكتور:

عبدالعزيز السعيد

الحمد لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

أما بعد فقد ذكر الشيخ صالح المغامسي ـ هداني الله وإياه للحق ـ في درس له منشور في وسائل الإعلام أن الإسماعيلية من أهِل القبلة، أي أنهم مسلمون، غير مبالٍ بما أجمع عليه العلماء من كفر هذه الطائفة الباطنية، وأنهم من الزنادقة الملاحدة، ومن طوائف المجوس، ومن أكفر الكفار، زاعما أنه جسر على مالم يجسر عليه أحد من العلماء قبله! وهذا في الحقيقة ذم له وإن أظهره في صورة قول الحق؛ إذ إن مخالفة الإجماع فيما هو أقل من ذلك أمر مذموم، فما الظن إذا كان في أصل الدين؟ قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }[النساء: 115].

ونظرا لخطورة هذا القول الذي شذّ به، وسعى لترويجه بين عامة المسلمين، رأيت أنه لا بد من بيان بطلان قوله، وإثبات كفر طائفة الإسماعيلية؛ حتى لا ينطلي هذا القول الباطل، والعقيدة الفاسدة، على عوام المسلمين.

فأقول ـ مستعينا بالله ـ :

أولا: الإسماعيلية إحدى طوائف الباطنية، كالدروز والنصيرية والقرامطة، الذين يظهرون الرفض ـ رفض الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ـ ويبطنون الكفر المحض، وعقائدهم الكفرية كثيرة جدا؛ ولهذا أجمع العلماء رحمهم الله على أنهم ليسوا من الإسلام في شيء، ولا يجوز نسبتهم إليه، وهم في الوقت نفسه أخطر على الأمة المسلمة من اليهود والنصارى.

والإسماعيلية الذين صحح دينهم المغامسي ـ هداه الله ـ يقولون ـ عن الله ـ : إنه لا موجود ولا معدوم، ولا حاضر ولا غائب، ولا حي، ولا قادر، ولاعالم، ولا فاعل، ولا كامل، ولا يسمى، ولا يوصف، ويقولون: إن خالق الأشياء هو العقل الأول، ويقولون بقدم العالم ـ أي أنه ليس بمخلوق ـ، وقد ذكر المصنفون في الفرق والملل والنحل أن خلاصة اعتقادهم في الله إنكار وجوده سبحانه وتعالى؛ فعقيدتهم عقيدة الملاحدة.

كما يعتقدون في أئمتهم ما يعتقده المسلمون في ربهم جل وعلا؛ فيثبتون لهم الربوبية والألوهية، واعتقادهم الشنيع في علي بن أبي طالب رضي الله عنه معروف؛ فقد وصفوه بأنه الخالق البارئ المصور، وأنه الأحد الفرد الصمد، ليس له كفوا أحد…

ويعتقدون أن النبوة مكتسبة ليست اصطفاء من الله، فمن توافرت فيه خصال أو شروط ذكروها نال مرتبة النبوة، وهذا تكذيب لله في قوله سبحانه وتعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [الحج: 75]، وبناء على ذلك فالنبوة عندهم لم تختم بنينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا تكذيب لله في قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } [الأحزاب: 40]

ويجعلون لنصوص الشرع ظاهرا وباطنا، والباطن لا يعرفه إلا أئمتهم، وكفروا من يعتقد بالظاهر دون الباطن، والظاهر هو الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، والباطن هو الحقيقة التي صاحبها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأما الآخرة فهم منكرون لقيام الساعة، وقائلون بتناسخ الأرواح، ومعناه انتقال روح الميت إلى الحيوانات، فإن كانت روحا طيبة تنعمت نعيما دنيويا في الذي حلّت فيه، وإن كانت خبيثة تعذبت في الذي انتقلت إليه، وهذه عقيدة البراهمة والبوذيين والفلاسفة الملحدين.

كما أنهم يبطلون التكاليف الشرعية، ويستحلون المحرمات المجمع على حرمتها، ويبغضون جملة الصحابة رضي الله عنهم ويكفرونهم، إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى 35/ 152): ( وَهُمْ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ: ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ. وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِنَبِيِّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ؛ لَا بِنُوحِ وَلَا إبْرَاهِيمَ وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَا بِشَيْءِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ؛ لَا التَّوْرَاةِ وَلَا الْإِنْجِيلِ وَلَا الْقُرْآنِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ، وَلَا بِأَنَّ لَهُ دِينًا أَمَرَ بِهِ، وَلَا أَنَّ لَهُ دَارًا يَجْزِي النَّاسَ فِيهَا عَلَى أَعْمَالِهِمْ غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ).

فمن اعتقد هذه العقائد الفاسدة فهل يكون مسلما؟! وهل يجوز لأحد أن يصفه بذلك؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

ثانيا: ولأجل هذه العقائد الكفرية أجمع العلماء قاطبة على كفرهم قرنا بعد قرن، ومنهم ابن حزم، وأبو حامد الغزالي، وعبد القاهر البغدادي، وأبو بكر الباقلاني، والقاضي أبو يعلى، وصدر الدين بن الزملكاني، وصدر الدين بن الوكيل، وجمال الدين الشربيني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي، والمحبي، وغيرهم كثير.

ثالثا: وإذا عرفت ـ أيها القارئ ـ هذا تبين لك أن تجاسر المغامسي على الحكم عليهم بأنهم مسلمون مصيبة عظيمة،

وأن ما ذكره من أنهم (يؤمنون بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن كتابا، وبالقيامة موعدا، وبالجنة ثوابا للطائعين، وبالنار عقابا للكافرين…) كلام باطل، يكذّبه حالهم، ويردّه إجماع العلماء العارفين بأحوالهم وتاريخهم، ولو كان عنده وجه حق فيما قاله لبرّأهم مما نسب إليهم من العقائد الكفرية، ولذكر عالما معتبرا سبقه إلى هذه المقالة الشنيعة.

رابعا: أدعو المغامسي إلى التوبة والاستغفار والرجوع إلى الحق، وتصحيح هذا الخطأ أمام الملأ؛ فإن الأمر خطير جدا، فقد ذكر المحبّي في (خلاصة الأثر 3/ 269) عن جماعة من أهل العلم أن كفر الدروز والنصيرية والإسماعيلية ( مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ، وأن من شكّ في كفرهم فَهُوَ كَافِر مثلهم) نسأل الله العافية والسلامة.

اللهم أرنا الحق حقا ووفقنا لا تباعه، وأرنا الباطل باطلا ووفقنا لا جتنابه، إنك على كل شيء قدير.

كتبه/ عبد العزيز بن محمد السعيد

10/ 9/ 1438هـ


شارك المحتوى: