بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد استمعت لقاءً في رمضان لأحد السَّراة، ذكر الفلسفة والهندسة وأن لها تأثيرًا إيجابيًّا في تحصيل العلم الشرعي.
ولا شك أن علم الهندسة من أنفع العلوم الدنيوية، ومن درسها قد تنفعه في الدقة في دراسة العلم الشرعي من وجه، ومن لم يدرسها لم تضره، بل من لم يدرسها واشتغل بالعلم بدل دراستها فهو أولى.
وقد حرصت على ذكر هذا حتى لا يغتر بعض الشباب المقبل على العلم الشرعي ويظن أن من أسباب البزوغ في العلم دراسة الهندسة قبلُ، كما قد يُفهم من اللقاء سواء كان مقصودًا أو غير مقصود.
أما علم الفلسفة فهو من العلوم الضارة المهلكة، وكان المفترض أن يحذِّر في هذا اللقاء العام من علم الفلسفة، ويستغل هذا اللقاء الفضائي في بيان سوئه وأضراره على الاعتقاد السلفي، لاسيما أن هناك زخمًا كبيرًا في الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي وغيره في الدعوة إلى علم الفلسفة وتمجيده.
وخشية أن يغتر من لا يدري أو من يُعجب باللقاء أردت التذكير بما هو معلوم عند أئمة السنة، إلى أئمة الدعوة النجدية السلفية، وعلمائنا المعاصرين بخطورة علم الفلسفة.
فمن الفلاسفة من أنكر الخالق سبحانه -وما أكثرهم- ومنهم من زعم أن هناك مخلوقًا قديمًا بقدم الله، فجعلوا الله علةً قديمة موجبة.
وممن يسمون بالفلاسفة الإسلاميين كابن سينا وأبي نصر الفارابي من زعم أن هناك قديمًا بقدم الله، وأنكر البعث والنشور للأبدان، وأنكر علم الله التفصيلي … إلى آخر ضلالاتهم وكفرياتهم، لذا كفَّرهم أئمة الإسلام، قال ابن القيم في (الكلام على مسألة السماع) عن ابن سينا: “شيخ الملاحدة وإمامهم ابن سينا“.
بل نقل ابن حجر في كتابه (لسان الميزان) عن ابن أبي الحموي الشافعي أن العلماء الذين هم عالمون بأصول الدين وفروعه في زمان ابن سينا وأبي نصر الفارابي يكفرونهما.
بل وممن كفر ابن سينا: المتكلم الصوفي الأشعري أبو حامد الغزالي، وقال ابن الصلاح عن ابن سينا: وكان شيطانًا من شياطين الإنس.
ومن الكلمات العظيمة ما ذكره الإمام المجدد عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ -كما في (الدرر السنية)-: ” وأما الفلاسفة وأهل الاتحاد، فإنهم لا يقولون بهذا المعنى، ولا يسلمونه، بل يقولون: إن المنفي بلا إله إلا الله كلي، لا يوجد منه في الخارج إلا فرد، وهو الله، فهو المنفي، وهو المثبت، بناء على مذهبهم الذي صاروا به أشد الناس كفرًا “.
إلى آخر أقوال أهل العلم في ابن سينا وأمثاله من الفلاسفة المسمين بالإسلاميين.
أردت من هذا أن يُعلم حال الفلاسفة وأن أقوالهم كفرية، ومن هؤلاء الفلاسفة المسمون بالفلاسفة الإسلاميين، فقد تكلم الفلاسفة في العقائد والغيبيات والإلهيات بما لم تأت به الأنبياء والمرسلون، بل بما صادموا به كل الأنبياء والمرسلين، فأتوا بالكفر والزندقة، فكان المفترض أن يستغلَّ هذا اللقاء العام في التحذير من الفلاسفة وإيغار الصدور عليهم، لا أن يُسهَّل من أمرهم.
ومما عجبتُ منه في هذا اللقاء: الإشادة بالروايات الروسية، وهذا ما لا يليق برجل من أهل العلم من سلالة فضل، وحتى لو كان ممن يطالع هذه الروايات وأمثالها التي أقل ما فيها أنها انشغال بالمفضول عن الفاضل، فإن من الخطأ أن يُظهر هذا أمام الناس، لاسيما وهناك طلاب علم مبتدئون قد يُعجبون به وبطرحه، فيسلكون مسلكه، وكان الأحق به أن يشيد بسير العلماء الماضين ولا يحتاج أن يذكر روايات الروسيين ويقارنها بغيرهم من الروايات.
وقبل الختام، أؤكد أن مما دفعني إلى كتابة هذا المقال ألا يُغتر بالفلاسفة ويسهَّل من أمرهم، ولا يُنجر ولا ينشغل بالروايات الروسية ولا غيرها، وأدعو الشباب المقبل على العلم أن يشتغل بالعلم حفظًا وفهمًا ودراسةً لينالوا الحظ الأوفر من هذا العلم ومكانته العلية في إرضاء رب البرية، كما سلك من قبلهم من العلماء الماضين والمعاصرين، وفي مقدمهم أئمة العصر الثلاثة: العلامة ابن باز، والعلامة الألباني، والعلامة ابن عثيمين -رحمهم الله رحمة واسعة-.
وقد كتبت مقالًا سابقًا في نقد المبالغة في علم العربية في هذا اللقاء بعنوان (لا تبالغ في تعلم اللغة ولا تبالغ في إهمالها وجهلها):
https://www.islamancient.com/?p=36975
اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وعافنا فيمن عافيت.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته