لا تعارض بين الأسباب الشرعية والأسباب الحسيّة لحدوث الزلازل


لا تعارض بين الأسباب الشرعية
والأسباب الحسيّة لحدوث الزلازل

الحمدلله ،، وبعد .. فإنّ الله
سبحانه قد ذكر لنا في كتابه
أحوال الناس عند نزول البلاء
وأنّ منهم مَن يتّعظ ويتذكر
وأنّ منهم مَن يقسو ويتجبّر
ويزيده البلاء تزييناً لباطله،
فقال سبحانه حكايةً عن
الصنف الأوّل:{وَبَشِّرِ
الصّابِرينَ ۝ الَّذينَ إِذا
أَصابَتهُم مُصيبَةٌ قالوا
إِنّا لِلَّهِ وَإِنّا إِلَيهِ راجِعونَ﴾

وقال عن الصنف الثاني:
﴿وَلَقَد أَرسَلنا إِلى أُمَمٍ مِن
قَبلِكَ فَأَخَذناهُم بِالبَأساءِ
وَالضَّرّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعونَ ۝
فَلَولا إِذ جاءَهُم بَأسُنا تَضَرَّعوا
وَلكِن قَسَت قُلوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيطانُ ما كانوا يَعمَلونَ﴾.

وإنّ من أنواع الصنف الثاني
قوماً من الزنادقة المعاصرين
ينسبون سبب حدوث الزلازل
إلى أسباب طبيعيّة محضة،
ويسخرون تصريحاً أو إشارةً
من ربط حدوثها بأسباب
شرعيّة، ويجعلون ذلك
سفهاً في العقل، وضرباً من
ضروب تفكيرٍ قد عفا عليه
الزمان قبل تطوّر العلوم،
ولستُ هنا أقصد مَن ينسب
حدوث الزلازل إلى الطبيعة
فهؤلاء ملاحدة معروفون،
ولكنّي أقصد بهذا ملاحدةً
من نوع آخر يظهرون الإسلام
وينسبون الزلازل إلى صنع الله
ولكن يجعلون ذلك إلى محض
حكمة الله في تصريف الكون،
كتقلّب الليل والنهار ونحوها،
ويجرّدون حدوث الزلازل عن
أسباب شرعيّة لحدوثها دلّت
عليها النصوص الشرعيّة و
توارد على ذلك أهل العلم
والإيمان منذ عهد الصحابة،
فيعارض هؤلاء الزنادقة
تأثير الأسباب الشرعيّة
على حدوث الزلازل و
يسخرون من ذكر هذا،
ويضربون الأمثلة للجَدل
بالباطل، ويوهمون التعارض
في هذا، وصنيعهم هذا يتكرر
في حوادث القحط والكسوف
وغيرها من العقوبات الإلهية،
ولستُ هنا أتعرّض للردّ عليهم
من كل وجه، فقد كتب العلماء
الأجلّة في هذا، وتناقل طلّاب
العلم أقوال العلماء في بيان
بطلان هذا القول، ولكنّي هنا
سأتعرض لإثبات الجمع بين
الأسباب الشرعية والحسية
في حدوث الزلازل، وأنه ليس
هناك تعارض عند الإيمان
بالخالق سبحانه وبوحيه،
ولا يكون التعارض إلا في ذهنٍ
فيه الشك بالخالق سبحانه،
أو الشك بدلائل الوحي منه،
فالله سبحانه هو منزل القرآن
وخالق الأكوان، فالذي جعل
الأسباب الحسيّة للزلازل:
-من تباعد القشرة الأرضية،
وحدوث التصدعات فيها-
هو الذي أخبرنا بأنه يرسل
الآيات تخويفاً، وأن الفساد
والتغيرات قد ظهرت في
البرّ والبحر بما كسبت
أيدي الناس، وأنه يصيب
العباد بالضرّاء لعلهم يتضرعون.

فلا تعارض بين الأسباب
الشرعيّة لحدوث الزلازل:
-ككثرة الذنوب والشرور،
والتخويف الإلهي للعباد-
وبين الأسباب الحسيّة من
تباعد القشرة الأرضية، و
تصدعها،وفوران الحرارة تحتها.

فالأسباب الحسّيّة هي آلةٌ
لتحقيق الأسباب الشرعيّة،
فلكثرة ذنوب العباد
وجرأتهم على حدود
الله سبحانه، ولتخويف
العباد وتذكيرهم: يأمر الله
سبحانه الأرض أن تضطرب
وتهتزّ وترجف بأهلها، فهي
📍لأهل الكفر عقوبة،
📍ولأهل الفسق تطهير،
📍ولأهل التقوى ابتلاءٌ
ورفعةٌ للدرجات في الجنّة،
📍ولغيرهم ممن لم يُصَب
بهذه المصيبة: تذكير وإيقاظٌ
للقلوب، أن يصلحوا أحوالهم
حتى لا يصيبهم ما أصاب غيرهم.

والأصل في سبب البلاء أن
يكون بسبب الذنوب، وقد
يكون للاختبار ورفعة الدرجات،
ويكون هذا بحسب حال
مَن نزل عليهم البلاء ، و
لكن الغالب أنه يكون عقوبةً
على عظائم قد انتهكت، خاصة
إذا كان البلاء عامّاً، وأمّا البلاء
على الأفراد فقد يكون للاختبار
ورفعة الدرجات في الآخرة.

وبالله التوفيق ..


شارك المحتوى:
1