فلا يحج بعدها أحد


إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً. أمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم – عباد الله – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

عباد الله : يقول ربنا جل و علا : (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس و الشهر الحرام و الهدي و القلائد ) ويقول سبحانه : (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)

روى الشيخان عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ( إِنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ) .وهذا تحريم كوني قدري ، وروى الشيخان عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَكَّةَ ) فهو تحريم ديني شرعي فكان إبراهيم عليه السلام أول من شرع للناس ، وسن لهم : تحريم البلد الحرام ، وحفظ حرمته ، وجعل ذلك دينا له ولأتباعه .

عباد الله : ألا وإن تلكم الحرمة تذهب في آخر الزمان ، وهذه من المغيبات التي أخبر بها الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه ، وهي من فروع الايمان باليوم الآخر والتي لا يتم الإيمان إلا به؛ قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فهي مقدمة من مقدماته ، وعلامة مؤذنة بنهاية الدنيا يقول جل وعلا 🙁 إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) ومن تلكم العلامات تخريب الكعبة ونهاية الحج إليها .

روى الحاكم وابن حبان وصححه الألباني عن أبي سعيد قال قال صلى الله عليه وسلم 🙁 لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يُحَجَّ البَيْتُ )

‏‏وروى أحمد وصححه الألباني عن أَبي هُرَيْرَةَ ‏‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏قَالَ ‏: ‏يُبَايَعُ لِرَجُلٍ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ ‏‏وَالْمَقَامِ ( والمراد به المهدي )،‏ ‏وَلَنْ يَسْتَحِلَّ ‏‏الْبَيْتَ ‏إِلَّا أَهْلُهُ ، فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ هَلَكَةِ ‏‏الْعَرَبِ،‏ ‏ثُمَّ تَأْتِي ‏الْحَبَشَةُ ‏‏فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا، وَهُمْ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ .

وروى الشيخان عن أَبي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ ‏: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏ صلى الله عليه وسلم:‏ (‏يُخَرِّبُ ‏ ‏الْكَعْبَةَ ‏ ‏ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ(لَهُ سَاقَانِ دَقِيقَانِ) ‏ ‏مِنْ ‏ ‏الْحَبَشَةِ .

وروى البخاري عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ ‏‏عَنْه ‏‏ صلى الله عليه وسلم ‏‏قَالَ ‏: (‏كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَنْقُضُهَا حَجَرًا حَجَرًا )‏. ‏يَعْنِي ‏‏الْكَعْبَةَ. والأفحج متباعد ما بين الفخذين

وجاء في بعض الآثار أنهم ينقضونها حجرا حجرا ويتداولونها بينهم حتى يطرحوها في البحر .

قال ابن عثيمين : معه جنوده ينقضها حجراً حجراً ، كل واحد منهم يمد الحجر لصاحبه حتى يرميه في البحر . إذاً فهم جنود كثيرة يتمادون الأحجار من مكة إلى جدة .

وروى ابوداود وهو حسن بمجموع طرقه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة “.

وروى أحمد وصححه الألباني عن عبدالله بن عمرو مرفوعا:” يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ,ويسلبها حليتها , ويجردها من كسوتها , ولكأني أنظر إليه أفيدع أُصيلع , يضرب عليها بمسحاته ومعوله ” فيأْخُذُ ذَهَبَها أو زِينتَها الَّتي تَتزيَّنُ بها، ويُنزِلُ عنها ثِيابَها الَّتي تَكْسوها، “ولكأنِّي أنظُرُ إليه أُصَيلِعَ”، أي: مَنزوعَ شَعرِ الرَّأسِ، “أُفَيْدِعَ”، أي: مُتباعِدَ ما بيْن السَّاقينِ

قال الحافظ ابن كثير : أن أول ظهور ذي السويقتين في أيام عيسى ابن مريم عليه السلام (أي في أواخره)، وذلك بعد هلاك يأجوج ومأجوج .

وقال الحافظ ابن حجر : أَنَّهُ يَقَع فِي آخِر الزَّمَان قُرْب قِيَام السَّاعَة حَيْثُ لَا يَبْقَى فِي الْأَرْض أَحَد يَقُول اللَّهُ اللَّهُ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم ” لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الْأَرْض اللَّهُ اللَّهُ ”

وروى مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق”

فترجع عبادة الأوثان، ويعبد الناس اللات والعزى مرة

أخرى، يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: “فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: ما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان”.

روى مسلم عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ”

إلى أدنى المستوى الأخلاقي يَتَهَارَجُونَ أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير و لا يكترثون وهو ظهور الزنا ، وروى البزار والحاكم وصححه الألباني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير”، قلت: إن ذلك لكائن؟ قال: “نعم، ليكونن” وذلك آخر الزمان واستحكام الجهل وموت العلماء وخيار الناس فلا يبقى إلا الحثالة وعليهم تقوم الساعة ، ومن بين هؤلاء الأشرار هذا الرجل الحبشي .

عباد الله : هذا خبر من أخبار الساعة ، والتصديق به تحقيق ركن من أركان الإيمان الستة، مما يثبت الإيمان ويقويه ، ويفيدنا المعرفة الصحيحة وعدم المسارعة في تطبيق الأحاديث على وقائع معينة إلا بعلم ويقين .

ومن الحكمة في وقوع هذه الأشراط كما يقول الحافظ ابن حجر إيقاظُ الغافلين، وحثَّهم على التوبة والاستعداد ففي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم)

دفع الله عنا الغفلة ورزقنا التوبة والأوبة .

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله الذي أخرج لعباده الطيبات ، من الزروع والثمرات، والصلاة والسلام على خير البريات وعلى آله وأصحابه أولي المكرمات وبعد

عباد الله : إن من نعم الله علينا هذه الأيام ما نتفكه بها رطبا وبسرا، وندخرها قوتا وتمرا، فواجب علينا محتم شكر الله على هذه النعمة، وأداء ما أوجب الله فيها من الزكاة؛ لتدفع عن أنفسنا وأموالنا النقمة، فتخرج الزكاة من أوسط التمر والأكمل من أحسنه لقوله تعالى: (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ)

ونِصابُ التمورِ: خَمْسَةُ أوسُق, وهي بأقل المقدر سِتَّمِائَة واثْنَيْ عَشَرَ كيلواً فمن ملكها وجبت عليه الزكاة ويُخْرِجها إلا عندَ الْجَذاذِ ، فيجمع النصاب من جميع أنواعِ النخيلِ الجيِّدِ منها والرديء، ما كان منها في المزارع أو البيوتِ أو الاستراحات لا فرقَ في ذلك ، وتجمع كلها فإن بلغت النصاب وجبت فيها الزكاة .

ومقدارها ما بينه النبيَّ  صلى الله عليه وسلم لأمته فيما رواه  البخاري عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ( فيما سَقَت السَّماءُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العُشْرُ ، وفيما سُقِيَ بالنَّضْحِ نصفُ العُشرِ ) فما سقيَ بالكلفة أو المؤونة بالسواني أو المكائنِ ففيه نصفُ العشرِ.

وإن باعَ ثَمَرَهُ عَلَى رُؤُوسِ النخلِ, وقَدْ بَلَغَت نِصاباً, فإنَّهُ يُخْرِجُ الزكاةَ مِنْ قيمَتِها. وَيَجُوزُ للبائِعِ أن يَشْتَرِطَ على المشتري إِخْراجَ الزكاة, لأنَّ المسلمينَ على شُروطِهِم.

ثُمَّ اعلموا يا عبادَ اللهِ أنَّ ما أنفَقْتُمْ مِنْ شَيءٍ سواءً كانَ مِنَ الزكاةِ الواجِبَةِ أو الصَّدَقَةِ المستَحَبَّةِ, فإنَّه لا يَضِيعُ عِندَ الله, بَلْ يَزُيدُكَ بِسَبَبِهِ ويُباركُ لَكَ في الدنيا, ويَدَّخِرُهُ لكَ عنده يومَ القيامة, كما قال تعالى: ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين

اللهم من أراد بأمة محمد صلى الله عليه و سلم سوء اللهم رد كيده في نحره و اجعل تدبيره تدميرا عليه ، اللهم أصلح أحوال المسلمين والطف بهم يارب العالمين، اللهم ردهم

اليك ردا جميلا .اللهم لا تفرح علينا عدوا ولا تشمت بنا

حاسدا ولا تسلط علينا حاقداً .

اللهم آمنا في دورنا و أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وارزقهم التوفيق والسداد والرشاد، اللهم من أراد بلادنا وأعراضنا وعلماءنا أو ولاة أمرنا وجنودنا بسوء اللهم رد كيده في نحره و اجعل تدبيره تدميرا عليه يا سميع الدعاء اللهم اهتك ستره .

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين .

 


شارك المحتوى:
1