فتوى سلمان العودة في أعياد الميلاد بين مطابقة الشرع ومسايرة الأهواء


بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:
فقد نقل موقع المفكر د.سلمان العودة (الإسلام اليوم) ما نصه: (وقال العودة في البرنامج الذي يذاع على فضائية “إم بي سي”:”يجوز الاحتفال بمرور عام على الميلاد أو بمرور 20 عاما على أي مناسبة سعيدة للإنسان كالزواج مثلا، وله أن يقيم وليمة احتفالية يدعو إليها الأقرباء والأصدقاء”، مشيرا إلى أن “هذا ليس احتفالا دينيا، إنما هو أمر عادي، وقد يجمع أصدقاء على وجبة، أو ما شابه ذلك.. فلست أرى في هذا حرجا”.
وأضاف د. العودة: “أما حكم إطلاق تسمية (عيد) على هذا الاحتفال فهو معروف مسبقا بتحريمه، وأن الاحتفال بالمناسبات السنوية -دون ذكر مصطلح العيد- جائز، كمناسبات الميلاد والاحتفال بمناسبة مرور عام أو 20 عاما على الزواج ونحوه”، منوها إلى ضرورة تحاشي كلمة “عيد” التي “تنافي الشرع الإسلامي الذي حدد للمسلمين في العام الواحد عيدين فقط (الفطر والأضحى)”. ا.هـ من موقع الإسلام اليوم.
لقد أثارت هذه الفتوى كثراً من الجدل، بين العامة والخاصة، حتى قال الشيخ ابن منيع -هداه الله لسلوك سبيل الرشاد- في تصريح خاص لـ”إسلام أون لاين.نت”: “يجب علينا معشر المسلمين أن تكون لنا هويتنا التي تميزنا عن غيرنا ونفخر بها”، معتبرا أن “الشيخ سلمان قد أخطأ في هذا الاجتهاد.
وأضاف: “حينما نقوم بتقليدهم في إقامة مثل هذه الموالد فهذا يعني أننا نحقق ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها من اليهود والنصارى “حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”.
ورأى ابن منيع أنه “ليس من مسوغات القول عند الأخذ بهذه الأمور أنه لا يقصد منها الاتجاهات الدينية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته حينما وجد الأوس والخزرج يقيمون أعيادا في يومين أنكر ذلك عليهم، وقال (إن الله أبدلكم عنهما بعيدي الفطر والأضحى) .
كما طالب ابن منيع الدكتور سلمان العودة أن “يرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم) ، فسيجد فيه ما يحرم ذلك، ولا شك أن فضيلته قد رجع إليه واستفاد منه، ولكن تكرار الرجوع إليه يجعله يعيد النظر في أن فكرة هذه الموالد جاءتنا من المخالفين لصراط الله المستقيم”.ا.هـ
وأقول: لقد اعتدنا على هذه الفتاوى العصرية أو إن شئت فقل التقليعات اليومية من د.سلمان العودة -المتطور تطوراً سريعاً لا يجاريه فيه أحد ولا حتى كبرى شركات الكمبيوتر والهواتف النقالة- حيث سبقتها مواقف وفتاوى من العودة تصب في نفس المصب وتسير في نفس الاتجاه، إنه اتجاه: (الإسلام اليوم) الإسلام الجديد الذي لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وهذا الإسلام هو إسلام (القرضاوية) نسبة لزعيمه ومنظره الدكتور: يوسف القرضاوي، والذي يعد المثل الذي يقتدي به التلميذ النجيب سلمان العودة، ولو سعينا جاهدين لإيجاد اسم لمؤسسة سلمان العودة، يطابق مسماه في الإحداث والابتداع لما وجدنا أولى وأدق من ما اختاره سلمان العودة لنفسه ومؤسسته: (الإسلام اليوم).
أقول: لقد اعتدنا على هذه الفتاوى العصرية من العودة
كتهوينه من بعض المنكرات عبر حذلقته الإعلامية المتجددة
والتي لا يجيدها إلا القلة من الناس ولا يتفطن لها إلا الأقل.
كالتهوين من قيادة المرأة،
والتهوين من مسألة الأغاني والموسيقى،
والتهوين من المسلسل التافه طاش ما طاش،
كل ذلك التهوين تحت أحد مظلات سلمان العودة التي تتسع كل يوم شيئاً فشيئاً، إنها مظلة التيسير المزعوم،
أو مظلة عدم كون هذه المسائل من الأصول الكبار وترك الانشغال بالجزئيات،
ومن تقليعاته الجديدة: النبرة الحادثة الوديعة والمسالمة مع الكفار والفجار والمبتدعة،
وتهوين خطرهم على الأمة،
كالقول بمحبة الكافر المسالم (غير الحربي) وعدم بغضه، بذريعةٍ وبدعةٍ من نتاج أفكار المفكر المستنير إنها بدعة الولاء الفطري،
وكاللف والدوران الذي يصيب المرء بالدوار حين بيانه لحكم العلمنة والعلمانيين،
وكوصفه لبعض الموصوفين بالحداثة أو العلمنة بالصديق،
ومشاركته في احتفال قناة الإم بي سي بعد رمضان الماضي،
حتى قال لأحد ممثلي مسلسلات القناة وهو يداعبه: أنت مناحي، يعني شخصيته التمثيلية التي زاولها في رمضان،
وثنائه على أصناف المبتدعة
مثل كبير القصاصين المقتاتين على أجور القصص والخزعبلات المدعو عمرو خالد،
وثنائه على كبير دعاة الشرك والضلال المدعو علي الجفري، بل يجتمع معه في ضيافة طارق السويدان،
ودفاعه عن أبي غدة تلميذ أكبر دعاة التجهم: المبتدع زاهد الكوثري،
ولا يرى بأساً أن يتبادل الأحاديث والابتسامات والصور مع داعية الرفض المبتدع المدعو حسن الصفار،
ثم ينصح أهل السنة بتأجيل الخلاف مع الرافضة المبتدعة (حزب الله اللبناني) حتى ننتهي من المعركة مع اليهود،
وهذا تحت مظلة أخرى من مظلاته وهي مظلة الأمة الواحدة وعدم التفرق والاختلاف، وحتى يضيف هؤلاء الساقطين إلى جمهوره ومنتخبيه عند الحاجة إلى أصواتهم،
فحصّل سلمان العودة بسبب ذلك -وبئس ما حصّل- نياشين وأوسمة المدح والثناء بل والإطراء من تلك الحثالة، فهنيئاً له!! -عياذاً بالله- جرياً منه ومنهم جميعاً على القاعدة النجدية (شد لي وأقطع لك) أو الشامية (حك لي لأحك لك)، وكما قال تعالى عن أمثالهم: (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)
ويقابل ذلك اللمز والطعن من سلمان العودة في السنة وأهلها:
فيهجم على حديث الافتراق ليشكك في ثبوته أودلالته،
ويرمي الدعوة السلفية في نجد بالتقليدية،
وينصح بعدم قراءة تراثها لأنه يولد الشدة على المخالف،
ولايملكون مرجعية علمية يوثق بها،
ويلمز الإمام ابن باز وبكر أبو زيد في ردهما على أبي غدة،
ويعرض بابن عثيمين،
ويهمز عدو دعوته التجديدية الشيخ السلفي الألباني في كل لحظة تسنح فيها الفرصة لذلك،
ويستضيف في موقعه من يكيل -لعدو دعوة العودة ومفسدها- الشيخ الألباني وتلاميذه يستضيف من يكيل لهم السباب والشتام،
كل ذلك تحت مظلة ثالثة من مظلاته التي فصلها على قدره بالضبط وهي: مظلة النقد الهادف والبناء؟!
إلى قائمة طويلة من هذا الغثاء النتن الذي صار العودة يجتره من جوفه الباطن -الذي كان ينطوي عليه ويكتمه حيناً من الدهر- ثم هو الآن يلوكه بلسانه بين فينة وأخرى.
وإني مبشر أهل السنة بما يسرهم، والعودة وحزبه بما يسوؤهم، وهذه البشرى هي ما رواه البخاري، ومسلم، في صحيحيهما من حديث معاوية رضي الله عنه يقول: سَمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ».
إني مبشرهم بكتاب: {إقامة البيِّنات لما احتوته مؤسسة (الإسلام اليوم) من الابتداع والمحدثات} وهذه الأوراق التي بين يديك هي طليعته، يسر الله إتمامه وخروجه.
وقد احتوى الكتاب على فصول وأبواب كثيرة، ومنها:
أولاً: لماذا الرد على الدكتور سلمان العودة، شبهات وردود؟
ثانياً: مخالفات الدكتور سلمان العودة لأصول أهل السنة.
ثالثاً: ردود الناس على سلمان العودة ، ويشمل ردود أهل السنة عليه، وردود غيرهم عليه، وإنما ذكرت غيرهم لحاجة في نفسي سأبديها في وقتها، إن شاء الله تعالى.
رابعاً: ثناء المخالفين لأهل السنة على سلمان العودة، وأسبابه.
خامساً: طعن سلمان العودة في أهل السنة وأئمتها، وأسبابه.
سادساً: ثناء سلمان العودة على نفسه وإعجابه بها.
سابعاً: ردود سلمان العودة القديم على سلمان العودة الجديد،
وهي عبارة عن نقول من كلامه السابق يرد على كلامه الجديد.
ثامناً: هل تغير سلمان العودة بعد سجنه، وإذا كان تغير فإلى أي شيء تحول؟!
تاسعاً: هل سلمان العودة من أهل السنة.
عاشراً: وثائق الكتاب.
وبشارة ثانية: أنني -ولله الحمد- بصدد إنشاء موقع خاص للرد على مؤسسة (الإسلام اليوم) باللغتين العربية والإنجليزية، بعنوان (حقيقة: الإسلام اليوم) جمعت فيه كل ما تفرق من ما تقدم، وستجد فيه المقروء والمسموع والمرئي مما تناثر هنا وهناك مما له علاقة بما أنا بصدد بيانه -إن شاء الله-.
وإني سائل ربي ومولاي وهو حسبي ونعم الوكيل أن يجعل الكتاب وطليعته، والموقع وإدارته، من القيام بأمر الله في وجه كل مبدل ومغير، وأسأله أن يثبتني وإخواني أهل السنة السلفيين على ذلك حتى يأتي أمر الله ونحن كذلك إنه سميع مجيب.
وأما طليعة {إقامة البيِّنات لما احتوته مؤسسة (الإسلام اليوم) من الابتداع والمحدثات} فقد خصصته للرد على سلمان العودة في فتواه الأخيرة بجواز الاحتفال المتكرر بمناسبة الميلاد أو الزواج، أو غيرها من المناسبات السعيدة كلما جاء وقت حدوثه، وأردت من هذه الطليعة أن تكون بمثابة البشارة بين يدي الكتاب.
كتبه:
مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالعزيزية بالرياض
والمشرف على موقع (حقيقة مؤسسة الإسلام اليوم)
وخطيب جامع السبيعي بالدار البيضاء
حمد بن عبدالعزيز بن حمد العتيق
16/8/1429هـ

طـلـيـعــة
{إقامة البيِّنات لما احتوته مؤسسة (الإسلام اليوم) من الابتداع والمحدثات}
وفيه الرد على سلمان العودة في إحياء مناسبات الميلاد وأمثالها
قال العودة في البرنامج الذي يذاع على فضائية “إم بي سي”:”يجوز الاحتفال بمرور عام على الميلاد أو بمرور 20 عاما على أي مناسبة سعيدة للإنسان كالزواج مثلا، وله أن يقيم وليمة احتفالية يدعو إليها الأقرباء والأصدقاء”، مشيرا إلى أن “هذا ليس احتفالا دينيا، إنما هو أمر عادي، وقد يجمع أصدقاء على وجبة، أو ما شابه ذلك.. فلست أرى في هذا حرجا”.
وأضاف د. العودة: “أما حكم إطلاق تسمية (عيد) على هذا الاحتفال فهو معروف مسبقا بتحريمه، وأن الاحتفال بالمناسبات السنوية -دون ذكر مصطلح العيد- جائز، كمناسبات الميلاد والاحتفال بمناسبة مرور عام أو 20 عاما على الزواج ونحوه”، منوها إلى ضرورة تحاشي كلمة “عيد” التي “تنافي الشرع الإسلامي الذي حدد للمسلمين في العام الواحد عيدين فقط (الفطر والأضحى)”. ا.هـ من موقع الإسلام اليوم.
والجواب على ذلك من وجوه:
أولاً: بيان معنى العيد:
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: (العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد : إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك .
فالعيد: يجمع أمورا :
منها : يوم عائد ، كيوم الفطر، ويوم الجمعة.
ومنها : اجتماع فيه.
ومنها : أعمال تتبع ذلك: من العبادات، والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل هذه الأمور قد تسمى عيدا.
فالزمان، كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة : « إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا » .
والاجتماع والأعمال، كقول ابن عباس : « شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
والمكان، كقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تتخذوا قبري عيدا » .
وقد يكون لفظ: (العيد) اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : « دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدا، وإن هذا عيدنا »).
وقال: (والعيد إذا جعل اسماً للمكان، فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة عنده أو لغير العبادة).
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: (العيد : ما يعتاد مجيئه وقصده : من مكان وزمان).
فقد بين ابن تيمية وابن القيم: أن الزمان والمكان يصير عيداً بقصد الزمان أو المكان. لا بمجرد التسمية أو عدمها.
ولم يقل أحد من الفقهاء أن العيد يخرج عن كونه عيداً بتغيير اسمه، ومتى كان لتغير الاسم مانع من إطلاق الحكم نفسه إذا استوت الحقيقة والمعنى؟!، إلا عند الدكتور سلمان، وهذا الخمر سمي مشروبات روحية، والزنا حرية شخصية، فهل يقول المفكر الجديد بحلها لتغير اسمها؟! وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه النسائي.
وبهذا يعلم أن الاجتماع الأسبوعي أو الشهري أو السنوي، وهو ما يسمى عندنا (الدورية) وأمثاله الذي لا يقصد فيه الزمان أو المكان ليس داخلاً في ذلك.
ثانياً: الأدلة على تحريم الأعياد غير الشرعية:
روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال : “ما هذان اليومان ؟ ” ،
قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر » رواه أبو داود.
قال ابن تيمية في الاقتضاء: فوجه الدلالة: أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال : « إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، » والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه ؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله سبحانه : {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا }.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقولت الأنصار يوم بعاث. قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا).
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الاقتضاء: فالدلالة من وجوه: أحدها:قوله: (إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا). فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم كما أن الله سبحانه لما قال: {ولكل وجهة هو موليها}.
وقال رحمه الله: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم وذلك أن اللام تورث الاختصاص.
الثاني: قوله: (وهذا عيدنا) فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه….

ثالثاً: تحريم العيد يشمل الأعياد التعبدية كيوم المولد وغزوة بدر والإسراء والمعراج والعادية كيوم الميلاد والزواج واليوم الوطني:
يظن بعض الناس كما ظن سلمان العودة أن العيد محرم لقصد التعبد به فقط، فإذا خلى من قصد التعبد، بل كان لغير ذلك كمناسبة الميلاد أو الزواج أو اليوم الوطني، فإنه يكون جائزاً.
وهذا ظن فاسد يبينه ما يلي:
1- قوله النبي صلى الله عليه وسلم: (وهذا عيدنا) قال ابن تيمية: فإنه يقتضي حصر عيدنا في هذا فليس لنا عيد سواه….
2- روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال : “ما هذان اليومان ؟ ” ، قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر » رواه أبو داود، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أعياد اللهو واللعب.
3- أن علة التحريم وهي تعظيم وقصد زمان أو مكان، موجودة في الأمرين جميعاً، والحكم يدور مع علته.
4- أن العلة لو كانت مجرد الابتداع لما صار لتخصيص التحريم بالعيد معنى، بل صار التحريم للبدعة لا للعيد.
5- أنه إذا سُوِّغَ فعلُ القليل مِن ذلك ، أدَّى إلى فعل الكثير ، ثم إذا اشتُهِرَ الشيء دخَلَ فيه عوامُّ الناس ، وتناسَوا أصلَه ، حتى يَصيرَ عادةً للناس , بل عيداً ، حتى يُضاهى بعيد الله ، بل قد يُزاد عليه حتى يكاد أن يُفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر ، كما قد سوَّله الشيطانُ لكثيرٍ مِمَّن يدَّعي الإسلام ، فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى ، من الهدايا والأفراح ، والنفقات وكسوة الأولاد ، وغير ذلك ! مِمَّا يَصيرُ به مثل عيد المسلمين ) كما قال ابن تيمية في الاقتضاء.
6- إنَّ المشاركة في الأعياد الحادثة الدينية أو الدنيوية ينتج عنه فتور الرغبة في العيد الشرعي ومحبته ( فالعبدُ إذا أخذَ من غير الأعمال المشروعة بعضَ حاجته ، قلَّت رغبتُه في المشروع وانتفاعه به ، بقدر ما اعتاض من غيره ، بخلاف من صَرَفَ نهمته وهمَّته إلى المشروع ، فإنه تَعْظُمُ مَحبتُه له ومنفعته به ، ويتمُّ دينه ويَكملُ إسلامه , ولذا تَجدُ مَن أكثرَ سَمَاعَ القصائد لِطَلَبِ صلاح قلبه ، تنقصُ رغبته في سماع القرآن ، حتى رُبَّما كَرِهَهُ … ولهذا عظَّمت الشريعة النكيرَ على مَنْ أَحدَث البدع ، وكرهتها , لأنَّ البدع لو خرجَ الرجلُ منها كفافاً لا عليه ولا لَهُ ، لكانَ الأمرُ خفيفاً، بلْ لا بُدَّ أنْ يُوجِبَ له فساداً ، منهُ : نقصُ منفعة الشريعة في حقِّه , إذ القلبُ لا يَتَّسِعُ للعوض والمعوض منه , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في العيدين الجاهليين : ( إنَّ الله قد أبدَلَكُم بهما يومين خيراً منهما ), فيبقى اغتذاء قلبه من هذه الأعمال المبتدَعة ، مانعاً من الاغتذاء ، أو مِنْ كمال الاغتذاء بتلك الأعمال الصالحة النافعة الشرعية ، فيَفسُدُ عليه حالُه مِن حيثُ لا يشعر ، كما يَفسُدُ جَسَدُ المغتذي بالأغذية الخبيثة من حيث لا يشعر ، وبهذا يتبين لك بعض ضرر البدع ).ا.هـ من الاقتضاء
رابعاً: بعض النقولات عن أهل العلم تبين لكل سني أن العيد يشمل العيد التعبدي والدنيوي:
قال ابن تيمية في الاقتضاء: بل أعياد الكتابيين التي تتخذ دينا وعبادة : أعظم تحريما من عيد يتخذ لهوا ولعبا.ا.هـ فانظر كيف فرق رحمه الله بين عيد يتخد ديناً وعبادة وبين عيد يتخذ لهواً ولعباً.
وقال رحمه الله في الاقتضاء: العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة.ا.هـ
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: والعيد : ما يعتاد مجيئه وقصده : من مكان وزمان.ا.هـ
فلم يفرقا رحمهما الله بين ما عيد يتخد ديناً وعبادة وبين عيد يتخذ لهواً ولعباً.
وذكر المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” ما نصه:
(كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي:
موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ،
ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام
ومولد الخليفة الحاضر وليلة أول رجب وليلة نصفه وليلة أول شعبان وليلة نصفه وموسم ليلة رمضان وغرة رمضان
وسماط رمضان وليلة الختم وموسم عيد الفطر وموسم عيد النحر وعيد الغدير
وكسوة الشتاء وكسوة الصيف وموسم فتح الخليج ويوم النوروز ويوم الغطاس ويوم الميلاد وخميس العدس وأيام الركوبات).
فانظر للسابقين لم يفرقوا في استنكارهم على الفاطميين بين الأعياد الدينية والتي بعث إليها التدين، أو الأعياد الدنيوية التي بعث إليها اللهو واللعب.
وهذا كلام بعض علماء الدعوة السلفية في نجد وهم:- محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت 1367هـ) وصالح بن عبد العزيز آل الشيخ(ت1372هـ) والعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ(ت1389هـ) في رسالتهم إلى الملك عبدالعزيز في مناصحتهم له في عيد الجلوس حيث قالوا :- (قد تحققنا ما أحدث في مكة المشرفة من العيد المسمى بعيد الجلوس في آخر شعبان ، الذي هو مضارع الأعياد الجاهلية ،ولم يمنعنا من الكلام فيه ، ومشافهتك بذلك لما كنت عندنا ، إلا أنا ظننا أن لا يفعل هذا العام ، من أجل أنه تقدم من بعضنا مناصحة لك في ذلك. وأنت فاهم سلّمك الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله تعالى بالملة الحنيفية ، محا جميع ما عليه الجاهلية من الأعياد الزمانية والمكانية ، وعوض الله عنها الحنفاء بعيد الفطر وعيد الأضحى…
وتقرر في الشريعة المطهرة أنه لا يسوغ تعظيم زمان أو مكان بنوع من أنواع التعظيم إلا زمان أو مكان جاء تعظيمه في الشرع).ا.هـ
فتأمل كيف لم يفرقوا بين هذا وذاك، وبينوا الضابط للعيد فقالوا: وتقرر في الشريعة المطهرة أنه لا يسوغ تعظيم زمان أو مكان بنوع من أنواع التعظيم إلا زمان أو مكان جاء تعظيمه في الشرع.ا.هـ
خامساً: فتاوى العلماء في عيد الميلاد ونحوه كالعيد الوطني واليوبيل الذهبي للمؤسسات:
إليك أيها السني فتاوى علماء السنة في ذلك، ثم اختر لنفسك أي الفريقين علماء السنة أم سلمان العودة؟!
تقدم كلام ابن تيمية وابن القيم، وبعض علماء الدعوة السلفية في نجد، وهذا جزء من فتوى العلامة محمد بن ابراهيم في اليوم الوطني حيث قال في فتاواه: (الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :ـ فإن تخصيص يوم من أيام السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً ، علاوة على ذلك أنه بدعة في نفسه ومحرم وشرع دين لم يأذن به الله ، والواقع أصدق شاهد ، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق ، إذ العيد اسم لما يعود مجيؤه ويتكرر سواء كان عائداً يعود السنة أو الشهر أو الأسبوع كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله).ا.هـ
وهذه هي الفتوى رقم (17779) للجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وتاريخ 20/3/1416هـ.
(الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / يحي عز الدين الفيفي والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (936) وتاريخ 21/2/1416هـ .
وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه: (فنحب أن نسأل عن ظاهرة انتشرت في هذا الزمان وهي إقامة احتفال من بعض الناس على مرور خمس وعشرين سنة من ولادته وقد يسمى بالعيد الفضي أو اليوبيل الفضي وبعد مرور خمسين سنة كذلك ويسمى بالعيد الذهبي وبعد خمس وسبعين عيد يسمي بالعيد الماسي وهكذا ومثل هذا يقام أيضاً على فتح بعض الأماكن مثل بعض الإدارات أو الشركات أو المؤسسات لمرورها بمثل المجموعات الآنفة الذكر من السنين وهذه ظاهرة منتشرة.
ونحن في هذا البلد الطاهر وفي رعاية حكومة التوحيد بصرها الله تعالى وعلماؤنا من أهل السنة والجماعة يحاربون البدعة تحت مظلة حكومة آل سعود.فضيلة الشيخ -حفظكم الله- أفتونا جزاكم الله خيراً ، هل هذه الاحتفالات سنة أم بدعة ونسأل بالله الإجابة على هذا السؤال حتى نكون على بصيرة من أمرنا).
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا تجوز إقامة الحفلات وتوزيع الهدايا وغيرها بمناسبة مرور سنين على ولادة الشخص أو فتح محل من المحلات أو مدرسة من المدارس أو أي مشروع من المشاريع لأن هذا من إحداث الأعياد البدعية في الإسلام ولأن فيه تشبها بالكفار في عمل مثل هذه الأشياء فالواجب ترك ذلك والتحذير منه وقد صدرت منا فتاوى في هذا الموضوع نرفق لك صوراً منها زيادة في الفائدة وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).ا.هـ
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في فتاواه : عن حكم أعياد الميلاد؟
فأجاب بقوله : يظهر من السؤال أن المراد بعيد الميلاد عيد ميلاد الإنسان ، كلما دارت السنة من ميلاده أحدثوا له عيداً تجتمع فيه أفراد العائلة على مأدبة كبيرة أو صغيرة.
وقولي في ذلك أنه ممنوع لأنه ليس في الإسلام عيد لأي مناسبة سوى عيد الأضحى ، وعيد الفطر من رمضان ، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة وفي سنن النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:كان لأهل الجاهلية، يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي ، صلى الله عليه وسلم، المدينة قال : “كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد بدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى” . ولأن هذا يفتح باباً إلى البدع مثل أن يقول : قائل : إذا جاز العيد لمولد المولود فجوازه لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أولى وكل ما فتح باباً للمنوع كان ممنوعاً . والله الموفق .
سادساً:
فائدة: إحداث الأعياد إحياءً لذكرى معينة فرحاً بها أو حزناً عليها من سنن أهل الكتاب المغضوب عليهم والضالين: يدل لذلك ما رواه البخاري ومسلم (أن يهودياً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال عمر فأي آية ؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
هذا ما تيسر والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً، وأن ينفع به، فما علينا إلا البلاغ والله بيده قلوب العباد، وأسأله أن ييسر تمام كتاب {إقامة البيِّنات لما احتوته مؤسسة (الإسلام اليوم) من الابتداع والمحدثات} وموقع {حقيقة مؤسسة الإسلام اليوم} في الرد على مؤسسة الإسلام اليوم إنه هو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله أولاً وآخراً.


شارك المحتوى: