عيد الحب لا يصلح لنا أهل الإسلام


عيدُ الحُبِّ لا يَصلح لَنا أهلَ الإسلام

الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله خالقِ الإنس والجَان، أحمدُه على ما مَنَّ بِه مِن الإيمان، وأشهد أنْ لا إله إلا هو الرحمن، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله المبعوثُ بالقرآن، ، فصلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته السَّادة الأعيان، صلاة دائمة على مَرِّ الأزمان.

أمَّا بعد، فيا أهل الإسلام والقرآن:

إنَّ أعظمَ نِعمةٍ وُفِّقتُم لَهَا أنْ هَداكُم ربُّكم لاعتناق دينه الإسلام، وأكرمَكم فكُنتم مِن أهل الإيمان، وجمَّلَكم فعمِلتم بشريعته إلى انقضاء الآجال، وقد قال ــ عزَّ وجلَّ ــ ممتنًا عليكم: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ }، وصحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبُيوتاتِ الناس مُبشِّرًا: (( أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ ))، فاعرفوا قدْرَ نِعمةِ الإسلام، واستمسكوا بِه ما عِشتم، والهَجُوا بشُكر ربِّكم عليه كثيرًا، وكونوا بِه فرِحين، ولأحكامِه مُتعلِّمين وعامِلِين، وفي إصلاحه مِن النَّشِطِين السَّبَّاقين، ولَهُ مُقوِّين لا مُضعفين، ومُحسنين لا مُسيئين، واعلموا أنَّ مِن كبيرِ فضلِ اللهِ عليكم، وجزيلِ إكرامِه لَكم، ورحمتهِ الواسعة بِكم، تَكْرِيْهَ الكُفر إلى قلوبكم، وتحبيبَكم في الإيمان وشرائعه، حيث قال سبحانه مُمتنًّا: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ }، وإنَّ أهلَ الكفرِ والنِّفاق ليَحسُدونَكم أهلَ الإسلام أشدَّ الحسد على نَعمة الهدايةِ للإسلام، والعملِ بشريعة الإيمان، وخاتِمَةِ أنْ تكونوا مِن أهل الجِنان، ويَسعون شديدًا في صَرْفكم عنها، وإخراجِكم مِنها، بما يستطيعون مِن سُبلٍ وأقوالٍ وفِعال، وترهيب وترغيب، وتشكيكٍ وتلبيس، وخِداعٍ ومِكْرٍ وكَيد، وقد نبَّأنَا ربُّنا وربُّهم ــ تبارك وتقدَّس ــ بذلك، فقال في شأن المنافقين: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }، وقال عن أهل الشِّرك: { وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ }، وقال عن اليهود والنَّصارى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }،{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }.

أهل الإسلام والقرآن:

اعتزوا بدينكم الإسلام كثيرًا، وارفعوا رؤوسَكم بِأحكامِه عاليًا، ولْتَنْشَرِح صدوركم إلى تشريعاته دومًا، وتَزْدَد لَها حُبًّا وطُمأنينةً وانقيادًا وتمسُّكًا، فبتطبيقه يَحصل الأمْنُ والاستقرار، وتكثُر الأرزاق والخيرات، ويَتعاطفُ الناس ويتراحمون ويتآلفون، وينتشر العدل والإحسان، ويَضْمَحِل الظلم والجور، وتتعاشر الأُسَرُ بالمعروف، ويُعطَى الأيتام والفقراء والمَرضى والمُسِنُّون والعجائز حقوقَهم، ويَتبايع أهل الأسواق بلا غِشٍّ ولا خِداعٍ ولا تغرير، وتَنتفي المحسوبيات والوساطة في الحقوق والمعاملات، ويَتساوى أهلها جميعًا ويُنصَفون، وتُحْمَى المرأة وتُصان وتُكرَم، ويَمشي الصغار والكبار سَفرًا وحضَرًا وليلًا ونهارًا بلا خوف، وتقِلُّ الفواحش والجرائم، ويَضعُف الفساد والتعدِّي والإيذاءُ للغير، وتَقوى الدولة، ويترابط ولاتُها وشَعبها وجُندها، ويُعامَل أهل العهد والأمان مِن غير المسلمين بالعدل ويأمنون، وكيف لا يكون الأمْر كذلك، وخالقُ الخلقِ جميعًا هو مَن شرَعَ هذا الدينَ وأحكامَه، وجعلَه نعمةً عليهم، ورضيَه لهم، فقال سبحانه مُمتنًّا: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ }، فاعتزوا بدينكم الإسلام، واطلبوا العِزَّة بالعمل بأحكامه، والاستمساكِ بتشريعاته، تُعَزُّوا ولا تُذَلُّوا، وتَقْوَوا قلبًا وعُدَّةً وائتلافًا، وقد صحَّ عن عمر بنِ الخطاب ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ )).

أهل الإسلام والقرآن:

إنَّ الناس بالإسلام وتشريعاته مُحتاجون إليكم في أمْر آخرتِهم وتمامِ دُنياهم شديدًا، فلا تبخلوا بدعوتهم إليه، وإليها دومًا، إصلاحًا للبلدان والبشَريَّة جميعًا، ولَسْتُم في دينكم بحاجة إلى رَأيٍ مُختَرَعٍ، ولا إلى هَوَى مُبتدِع، ولا إلى إتِّباعِ كافر، ولا إلى احتفالٍ بِدعِيٍّ، ولا عيدِ كافرٍ، أو عيدِ ماجِن فاجِر، وللأسف الشديد أنَّ كثيرًا مِن أهل الإسلام ذُكورًا وإناثًا صغارًا وشبابًا وشِيبًا بدَلَ أنْ يَغْزُوا الناسَ بنشر الإسلام، وتبيينِ رحمةِ تشريعاته، وتعليمِ أحكامه، بالحُجَج المُتضافرة، والبراهينِ الساطعة، ورِفقِ الخطاب وأدَبِه وحُسنِه، قد غُزوا مِن قِبَل أهل الكفر والنفاق، والمذاهب الَّلادينية، والأحزاب العلمانية والِّلبرالية، فاستجابوا لهم، وتأثَّروا بأقوالهم وأفعالهم، وتشبَّهوا بِهم، وأضعَفوا الإسلام، وأهانوا المسلمين بتصرفاتهم، وشوَّهوا صورةَ الإسلام وأهلَه وبُلدانَه، حتى إنَّه مِن شدَّة هذا الغَزو الماكِر، وعِظَمِ التأثُّر بِه، قد صحَّ عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُخبِرًا لَنَا عن واقعٍ مَرير، ومُحذَّرًا أنْ نكون مِن أهله: (( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» ))، فعجَبًا لهؤلاءِ القومِ: الإسلام جعل أهلَه دعاةَ رحمةٍ وهداية، وهؤلاء أصبحواء أُسَراءً لأهل الكفر، مُقلِّدين لهم في عاداتِهم، وأخلاقِهم، وطِباعِهم، واحتفالاتِهم، وأقوالِهم، وأفعالِهم، ومناسباتِهم، ولِباسِهم، وشُعورِهم، الإسلام جعل أهلَه قادةً للناس إلى كلِّ خيرٍ وفضيلة، أدِلَّاءَ عليه، وهؤلاء أصبحوا مَقُودِينَ مِن أعدائه، مُستجيبين لِمُخطَّطاتِهم وأفكارِهم، عامِلين بإضلالِهم، حتى أصبح كثيرٌ مِن المسلمين بسببهم يَرون في بلدانهم، وفي أبنائهم وبناتهم، وصِغارهم وكبارِهم، وفي أسواقهم ومتاجِرهم، وإعلامِهم المرئيِّ والمسموعِ والمَقروء، ومناسباتِهم وزواجاتِهم وأعيادِهم ومساكِنهم: الاستجابةَ والعملَ بأقوال الكفارِ وأفعالِهم، والتلوُّثَ بكيدِهم ومَكرِهم، والنَّشرَ لِمبادئِهم وأخلاقِهم وعاداتِهم، والتنفيذَ لِمناهِجِهِم ومُخطَّطاتِهم، وصِرْنَا نَرى مِن بَني جِلدتِنا التشكيكَ في ثوابت الدين، والهجومَ على أصوله وقواعده وتشريعاته، والتعرُّضَّ للسُّنة النَّبوية بالرَّدِ لبعض أحاديثِها الصَّحيحةِ تارة، والتشكيكِ ببعض الثابتِ مِنها تارة، والنَّيلِ مِن أُمَّهاتِها كصحيحيِّ البخاريِّ ومسلمٍ تارةً، والجُرأةَ على الدين وتشريعاتِه وعلمائِه الأثبات، والترويجَ لأهل البدعِ وأحزابِهم وطُرقِهم في الإعلام وبرامج التواصل، وتمكينَهم مِن نشرِ ضلالِهم وإضلالِهم، ونَرى التَّفنُّنَ الشديدَ الفاتنَ في سُّفور النساءِ وتَبرُّجِهنَّ وتجمُّلِهنَّ وألبستِهنَّ، والتَّشبُّهَ المُخزِيَّ بالكافرات والفاجرات، ونَرى التَّبجُّحَ بالمَخازي، والمعاصي، والعاداتِ القبيحة، والفِعالِ المَشِينة، والمُجاهَرةَ بها علنًا في الطُّرقات، والمُلتقيات، والأماكنِ العامة، وعبْرَ الإعلام، وبرامجِ التواصلِ.

أهل الإسلام والقرآن:

إنَّنا نُشاهد في مِثْلِ هذا اليومِ الرابعِ عشَر مِن شهر فبراير مِن كل عام ترويجَ القنواتِ الإعلاميةِ بجميع أشكالها، وتَتْبَعُها برامجُ التواصلِ المُختلِفة، ومواقعٌ كثيرةٌ في الإنترنت، وأعدادٌ كبيرة ٌمِن أهل التمثيل والغناء والرِّياضة، ومٌولاتٌ ومتاجِرٌ وإعلاناتٌ دِعائيَّةٌ ومسارِح، لِعيدٍ مِن أعياد الكفار، وموسِمِ احتفالٍ لَهم، يَزيد مِن الفساد والرَّذيلة، ويَنتشر فيه الفُجورُ أكثر، ويُضعِف الفضيلةَ والغَيرةَ والحياءَ والعِفَّة، وقد سَمَّوه تلبيسًا وخِداعًا باسمٍ يزيد في انتشاره، ويَدفع مِن لم يَقوَى دِينُه إلى فعلِه، أو التسهيل مِن أمْره، وقد سَمَّوهُ “بعيد الحُّب”، وهذه سُنًّةٌ شيطانيةٌ معروفة، بإظهار الشَّرِ باسْم الخير، والقبيحةِ بعنوان الفضيلة، والخائنِ باسْم الأمين، والمُضِلِّ باسْم المُرشِد، كشفَ الله أمرَها في القرآن، ونبَّهَنَا إلى عواقبها، فقال ــ جلَّ وعلا ــ عن مَكْر إبليس بأبينا آدم وأمِّنَا حواء، ليُخرجَهما مِن الجنَّة: { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }،{ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى }، وإنَّ لِهذا العيد حقيقةً يَنبغي أنْ تُعلم، وأهدافًا يَجب أنْ يُتنبَّه لَها وتُحذَر، حتى لا يُغرَّرَ بشباب وفتيات أهل الإسلام، ويَنجَرُّوا إلى غير تشريعاتِ دينِ ربِّهم الخلَّاق، ويَنبطحوا تحت غايات الكفار والفُجار، ودُعاة الإلحاد والرَّذيلة، ويَحتفلوا بما لا يجوز في شريعة الإسلام، وما هو مِن سَنَنِ الكفار والفُجار، وحقيقةُ مَبدأِ هذا العيدِ وقِصَّتُه أنَّهم زَعموا: “أنَّ الرُّومانَ الوثنيِّةَ كانت تَحتفل في اليوم الخامسِ عشَر مِن شهر فبراير مِن كل عام، وكان هذا اليوم عندهم يُوافِق عُطلة الربيع، وفي تلك الآوِنةِ كانت النَّصرانيةُ في بداية دعوتها، فأصدرَ الإمبراطور كِلايدِيس الثاني قرارًا بمنع الزواج على الجنود، وكان حينها رجلٌ نصرانِيٌّ راهِبٌ يُدعى فالنتاين تَصدَّى لهذا القرار، فكان يُبرِمُ عقودَ الزواج خُفيَة، فلما افتضَحَ أمرُه حُكم عليه بالإعدام، وفي السِّجن وقعَ في حُبِّ ابنةِ السَّجَّان، وكان هذا سِرًّا، لأنَّ شريعةَ النَّصارى تُحرِّم على القساوِسة والرُّهبان الزواجَ، ولكنْ شَفعَ له لَدَيِهم ثباتُه على النَّصرانية، حيثُ عرَضَ عليه الإمبراطور أنْ يَعفوَ عنه على أنْ يَترُكَ النَّصرانية ويَعبُدَ آلهةَ الرَّومانِ الوثنيَّة، ويكونَ لَدَيِهِ مِن المُقرَّبين، ويَجعلَه صِهرًا له، إلا أنَه رَفضَ هذا العرْض، وآثَرَ البقاءَ على النَّصرانية، فأُعْدِمَ يومَ الرابعِ عشَر مِن شهر فبراير مِن العام 270 ميلادي، ومِن حينها أُطْلِقَ عليه لقَبُ القدِّيس فلنتاين، وبعدما انتشرت النَّصرانيةُ في أُورُبَّا أصبحَ العيد في يوم الرابع عشَر من شهر فبراير، وسُمِّيَ بعيد القديس فالنتاين، إحياءً لِذكراه، لأنَّه في زعمهم قد فَدَى النَّصرانيةَ بروحه، وقام برعاية المُحِبِّينَ والعُشَّاق”.

أهل الإسلام والقرآن:

إنَّ ما يُسمَّى “بعيد الحُبٍّ”، لا يجوز لمسلمٍ ولا مسلمة أنْ يَحتفلا بِه، ولا أنْ يُهنِّئا بِه، ولا أنْ يَتهاديا لأجلِه وبسببه، ولا أنْ يَخُصَّا يومَه بلباسِ أهله الأحمر، وورُدِه الحمراء، ولا بكلماتِ دُعاته وتبريكاتِهم ورسائِلِهم، ولا أنْ يُغيِّرا فُرُشَ البيت بالأغطية الحمراء، ولا أنْ يَنثُرا الورودَ على سُررِه، وفي ممرَّاته، ولا أنْ يُزَيِّنا جُدرانَه وسَقْفَه بالقلوب الحمراء، لأنَّ هذا مِن سَنَن الكفار، وهَديهم، والتأثُّرِ بفعالهم، ونشرِ ما هُم عليه مِن ضَلال، وقد ثبَت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال زاجِرًا ومُرهِّبًا: (( وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ))، وقال الحافظُ ابنُ كثيرٍ الشافعيُّ ــ رحمه الله ــ معلِّقًا على هذا الحديث: «ففيه دَلالةٌ على النَّهى الشَّديد والتَّهديدِ والوَعِيد على التَّشبُّهِ بالكفَّار في أقوالهِم وأفعالهِم، ولباسهِم، وأعيادهم، وعباداتهم، وغير ذلك مِن أمورهم».

وقال قاضي مِصرَ ومُحدِّثُها أحمد شاكر ــ رحمه الله ــ: «ولم يَختلف أهل العلم مُنذُ الصَّدرِ الأوَّل في حُرمَة التشبُّهِ بالكفار»، وقال الفقيه ابنُ قاسمٍ الحنبليُّ ــ رحمه الله ــ: «والتَّشبُّهُ بِهم مَنهِيٌّ عنه إجماعًا».

بل إنَّ هذا العيدَ لو كان مِن ابْتدَعَه وأخْرَجَه للناس مسلمٌ لكان حرامًا، فكيف وهو قد جاءنا عن الكفار، لِمَا صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ ))، ولِقولِه صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة ))، ولأنَّ جنسَ العيد، الأصل فيه أنَّه عبادةٌ وقُرْبةٌ إلى الله، فلا يُجعل عيدًا غيرَ الأعيادِ التي جاءت في الشريعة، حيث صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: (( قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ )).

أهل الإسلام والقرآن:

إنَّ مِن الأمور المُحرَّمة عليكم: إعانةَ الناسِ مسلمينَ أو كفارًا على الاحتفال “بعيد الحُبِّ”، وتقويةَ نفوسِهم على القيام بمظاهِره، كتهنئتِهم بِه، أو إهدائِهم شيئًا بمناسبتِه، أو طبعِ  كُروتٍ وأدواتٍ تتعلَّق بِه، أو رَسمِ شِعاراتِه، أو تصنيعِ أو بيعِ ألبستِه وقُبَّعاتِه وقُلوبِه وشاراتِه ومَعاطِفه ولُعَبِه زُهوره، والمُتاجَرةِ بها، أو طبخِ أطعمته وبيعها والتَّكسُّبِ مِنها، لأنَّ هذا العيدَ مُحرَّمٌ في شريعة الله، والإعانةُ على المُحرَّم حرامٌ، لِنهْيِ اللهِ الشديد عن ذلك وتهدِيدِه، حيث قال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، وسُبحان الله بُكرة وأصيلًا، وله الحمدُ في الأُولَى والآخِرة.

الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

أمَّا بعد، فيا أهل الإسلام والقرآن:

إنَّكم والله لَفِي غُنيَةٍ مع زوجاتكم عن “عيد الحُبِّ” هذا، وأشْبَاهِه مِن الأعياد، إذ أنتم مأمورون بتقوى الله فيهنَّ دومًا، حيث صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم خطبَ الناسَ في حَجَّة الوداع، فكان مِمَّا قال: (( فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ))، فاستجيبوا لله ورسوله بأنْ تتقوا الله في نسائكم، وتَلتزِموا معهنَّ بأحكام وآداب دِينكم، وتُحافظوا على بيوتاتِكم بأنْ تكونَ على شريعة الإسلام، وأنْ تُحصِّنوهَا مِن سَنن الكفار وعاداتهم، عملًا بقول الرَّبِّ الكريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا }، وليَكنْ حالُكم مع زوجاتكم كما أمَر ربُّكم ــ تبارك اسْمُه ــ فقال: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }، وعلى حدِّ قولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))، وقولِه الصَّحيح أيضًا: (( خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لِأَهْلِهِ ))، وقد صحَّ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ ــ رضي الله عنه ــ قال لامْرأةٍ: (( أَنْتِ الَّتِي تَقُولِينَ لِزَوْجِك: لَا أُحِبُّك، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشَدَنِي بِاَللَّهِ أَفَأَكْذِبُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَكْذِبِيهِ، لَيْسَ كُلُّ الْبُيُوتِ تُبْنَى عَلَى الْحُبِّ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَعَاشَرُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ)).

اللهم إنَّك قُلتَ آمِرًا لًنا: { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لكم }، وإنَّك لا تُخلف الميعاد، وإنَّا نسألك كما هديتنا للإسلام أنْ لا تنزِعَه مِنَّا حتى تتوفانا ونحن مسلمين، اللهم يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك، الله يا مُصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك، ربنا لا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا مِن لدُنك رحمة إنَّك أنت الوهاب، اللهم أعنَّا على ذِكرك، وشُكرك، وحُسن عبادتك، اللهم أصلح الولاة ونُوَّابهم وجندَهم، وسددهم في الأقوال والأفعال، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وقوموا إلى صلاتكم ــ يرحمكم الله ــ.

تنبيه:

قد استفدت في هذه الخطبة مِن خطبة أخي الشيخ خالد الظفيري، ونَقلت شيئًا مِنها

خطبة_عيد_الحب_لا_يصلح_لنا_أهل_الإسلام


شارك المحتوى:
0