عدم تكفير العلامة محمد بن إبراهيم وجده العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بالتشريع العام


«عدم تكفير العلامة محمد بن إبراهيم وجده العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بالتشريع العام»

بسم الله الرحمن الرحيم

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته …. أما بعد:

فإنه لما ضيّق أهل السنة الخناق على التكفيريين من الإخوان، والقطبيين، والسروريين بفتاوى السلف من الصحابة ومن بعدهم على أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر لا أكبر، حاولوا الخروج من هذا المأزق بأن كلام السلف ينزّل على ما في زمانهم من ترك تحكيم الشريعة في قضية أو قضيتين، لا في قوانين وضعية، ودساتير بشرية، كما سلك هذا المسلك جمع من الحركيين كعبدالرحمن المحمود [1]، وعبدالعزيز آل عبد اللطيف [2].

وقد رد عليهم أهل السنة بأن الأصل عدم التكفير، ولا يصار إلى التكفير إلا بدليل شرعي[3]، ولا دليل شرعي على التكفير بالتشريع العام، إلى غير ذلك من الأوجه، وقد فصلت هذا في مواضع أخر.

فحاول التكفيريون أن ينسبوا التكفير بالتشريع العام إلى العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- مستندين على كلامه في رسالة (تحكيم القوانين الوضعية)، وقد حمّلوها ما لا تحتمل، وغفلوا أو تغافلوا عن القيود والاحترازات في كلامه، وقد قرأتُ الرسالة على أحد أحفاد العلامة المجدد عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن، وأكد لي أن العلامة محمد بن إبراهيم لا يكفر بما يسمى بالتشريع العام، وأن لكلامه قيودًا واحترازاتٍ … إلخ ما ذكر، ومما يؤكد ذلك أن له فتوى أخرى متأخرة عن رسالة (تحكيم القوانين الوضعية) تدل على عدم التكفير.

فقال -رحمه الله-: “وهذا هو تحقيق معنى لا إله إلا الله، وكذلك تحقيق معنى محمد رسول الله: من تحكيم شريعته، والتقيد بها، ونبذ ما خالفها من القوانين والأَوضاع وسائر الأَشياء التي ما أَنزل الله بها من سلطان، والتي من حكم بها أَو حاكم إليها معتقدًا صحة ذلك وجوازه فهو كافر الكفر الناقل عن الملة، وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه فهو كافر الكفر العملي الذي لا ينقل عن الملة[4].

وفد ذكر العلامة عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- أن شيخه العلامة محمد بن إبراهيم لا يُكفّر، وأن قوله كقول بقية أهل السنة أنه لا كفر إلا باعتقاد، والعلامة ابن باز من أعرف الناس به، فسئل -رحمه الله-: “هل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- يرى تكفير الحكام على الإطلاق؟

ج: يرى تكفير من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه يكون بذلك كافرا، هذه أقوال أهل العلم جميعا: من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، أما من فعله لشبهة أو لأسباب أخرى لا يستحله يكون كفرا دون كفر[5].

وأكد ذلك العلامة صالح الفوزان-وهو ممن درس عليه- وذكر أن كلامه في رسالة تحكيم القوانين الوضعية محمول على هذا [6].

وبعد هذا كله فإن محاولة الإخوان والقطبية والسرورية في جعل التكفير بالتشريع العام مسألة خلافية لا يصح بحال؛ لأن أهل السنة مجمعون على خلاف ذلك -كما تقدم في كلام العلامة ابن باز-، وذكر مثله العلامة الألباني [7]، وهو مقتضى ما قرره العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن أهل العلم -كما سيأتي- وأن السلف ومن تبعهم من العلماء نصوا على أن ترك تحكيم الشريعة كفر دون كفر، كما فصلته في موضع آخر [8].

بل إن شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- قد وفقه الله وتراجع آخر حياته عن قوله بالتكفير بالتشريع العام [9]، وهذا من توفيق الله لعلماء السنة، مع استحضار أن قوله الذي رجع عنه لم يكن -أيضًا- كقول السروريين؛ وذلك أن السروريين يكفرون بمجرد التشريع العام، أما شيخنا فلا يكفر -في قوله الذي تراجع عنه- بمجرد التشريع العام وإنما لأن لازمه عدم الإقرار بشرع الله عقديًّا، وهذا فارق كبير بين قوله وقول السروريين.

ولو قدر أن أحد علمائنا كفّر بالتشريع العام فهو مخطئ قطعًا، وهي زلة لا يتابع عليها، لكن هذا العالم لم يكفر الحكام عينًا، ولم يجعل ديدنه مناطحة الحكام كما يفعل السروري، بل هو ضد من يتكلم في الحكام، فكيف يساوى هذا بالسروريين الذين جعلوا هذه المسألة سلّمًا للقدح في الحكام والاشتغال بهم؟ إلى آخره.

فنخطئ هذا العالم، لكن نحفظ مقامه؛ لما تقدم ذكره.

وإن للعلامة المجدد الكبير عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن كلامًا عظيمًا في عدم التكفير بما يسمى بالتشريع العام فقال -رحمه الله-: “وأن ما ذكره في شأن الأعراب من الفرق بين من استحل الحكم بغير ما أنزل الله، ومن لم يستحل، هو الذي عليه العمل، وإليه المرجع عند أهل العلم، يعني أن من استحل الحكم بغير ما أنزل الله، ورأى أن حكم الطاغوت أحسن من حكم الله، وأن الحضر لا يعرفون إلا حكم المواريث، وأن ما هم عليه من السوالف والعادات هو الحق، فمن اعتقد هذا فهو كافر.

وأما من لا يستحل هذا، ويرى أن حكم الطاغوت باطل، وأن حكم الله ورسوله هو الحق، فهذا لا يكفر، ولا يخرج من الإسلام[10].

وقال: “وإنما يحرم التحكيم إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية. فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها فهو كافر. قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: من الآية44]، وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا كفر دون الكفر الأكبر، لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك، لكنهم يتنازعون في عمومها للمستحل، وأن كفره مخرج عن الملة[11].

وأخيرًا/ إذا علمت ما تقدم فلا تلتفت إلى من يكفّر بالتشريع العام، ويزعم أن الدول التي لا تحكم بالشريعة دولة كفرية ودار كفر، ثم ينسب هذا إلى العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله-.

وإن مقتضى هذه القول -الخطأ من جهة الدليل، والمخالف لما عليه السلف، والمباين لما عليه علماء أهل السنة المعاصرون- أن تكون جميع الدول الإسلامية دولًا كفرية إلا الدولة السعودية -حرسها الله- فتكون دول الخليج ومصر والأردن …إلخ دولًا كفرية، ولا فرق بينها وبين دول أوربا من هذه الجهة!!

أرأيتم خطورة هذا القول؟

اللهم علمنا وعن الباطل والزلل سلمنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

____________________________

[1] الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه ص 232 – 234. ط دار طيبه

[2] نواقض الإيمان القولية والعملية ص 335. ط دار الوطن

[3] وقد منّ الله عليّ ورددت عليهما في درس بعنوان: (الحكم بغير ما أنزل الله ومناقشة الدكتورين المحمود والعبداللطيف) وهو موجود في موقع الإسلام العتيق واليوتيوب:

https://www.islamancient.com/?p=17721

[4] «فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (1/ 80)

[5] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» لابن باز (28/ 271)

[6] التحرير في بيان أحكام التكفير لعصام السناني حاشية بتعليق الشيخ الفوزان (ص 252) ط الإمام الذهبي بالكويت، التراث الذهبي بالرياض

[7] في رسالته: (التحذير من فتنة التكفير).

[8] في كتابي “البرهان المنير في دحض شبهات أهل التكفير والتفجير”، وكتابي “تبديد كواشف العنيد”، وكتابي “الإلمام بشرح نواقض الإسلام” وغيرها.

[9] كتاب الحكم بغير ما أنزل الله -الشيخ بندر المحياني- ص143-149 ط الثانية، التحرير في بيان أحكام التكفير لعصام السناني (ص 253) ط الإمام الذهبي بالكويت، التراث الذهبي بالرياض.

[10] «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (الجزء الثالث)» (ص309) دار العاصمة، عيون الرسائل والأجوبة على المسائل» (2/ 603) مكتبة الرشد

[11] منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس» (ص71)


شارك المحتوى:
0