صيام الست في شوال وليس غيره


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد أفتى بعضهم بأن فضيلة صيام الست تحصل لمن صام ستة أيام من غير شوال كشهر ذي القعدة، ومن المعلوم عند المسلمين والمفهوم عند المتعبدين أنه عند الخلاف فالحَكَم هو الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 59]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]. قال الإمام الشافعي: أجمع المسلمون أن من استبانت له سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-  لم يكن ليدعها لقول أحد كائنًا من كان. [أعلام الموقعين (1 / 6)].

إن العمدة في صيام الست ما أخرج مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر».

وهذا الحديث واضح وبيِّن في أن من أراد أن يُحصّل هذه الفضيلة فذلك إنما يكون بأن يُصام رمضان كله ثم باتباعه بستة أيام من شوال، وقد ذهب إلى هذا جماهير أهل العلم  القائلين باستحباب صيام الست من شوال كما هو قول الإمام ابن المبارك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهم من أهل العلم.

وقد خالف قلة من أهل العلم  وصححوا هذه الفضيلة لمن صام الست في غير شوال ، وعللوا ذلك بأنه ليس مخصوصًا بشوال؛ لأن ذكر شوال كان لسبب، وهو المسارعة في فعل الخيرات، وأن النفوس معتادة على الصيام، والقاعدة الأصولية المعروفة: أن ما خرج لسبب فلا مفهوم له، فعليه: لا يخص الصيام بشوال.

وقد وصف الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه (تهذيب السنن) هذا القول بأنه عجيب غريب، وهذا من جهات منها:

  • الجهة الأولى: أن الحديث نصٌ في شوال، فكيف يُخالف النص الشرعي الصريح في شوال وتنتقل الفضيلة لغيره من الشهور؟
  • الجهة الثانية: أن صيام ستة أيام من شوال هو بالنسبة لرمضان كالرواتب بالنسبة للفرائض، لذلك لابد أن تكون في وقتها المحدد ولا تُؤخَّر لارتباطها برمضان.

إلى غير ذلك من الجهات والأسباب، ثم ليُعلم أن من صام الأيام الستة في شوال فقد أخذ الفضل عند كل القائلين باستحباب صيام ست من شوال، أما من صامها في غير شوال فأكثر القائلين إلا قليلًا يقولون لا يفوز بالفضل، فكيف يُخاطر الحريص على ما عند الله والدار الآخرة في ادراك هذه الفضيلة لقول فلان أو علان؟

وقد علل بعضهم بأن صيام رمضان مع ست من شوال صيام للدهر: لأن الحسنة بعشر أمثالها، فعليه صيام رمضان بأجر صيام ثلاثمائة يوم ، وصيام ست من شوال بأجر صيام ستين  يومًا، واستدلوا بما جاء في حديث ثوبان من أنه فصّل الأجر على ذلك .

لكن في هذا نظر من جهتين:

  • الجهة الأولى: أن حديث ثوبان لا يصح.
  • الجهة الثانية: أنه لو صحَّ حديث ثوبان فإن التعليل بأن الحسنة بعشر أمثالها جزء علة، والجزء الثاني هو رمضان مع ست من شوال، وإلا للزم على هذا أن من صام ستة وثلاثين يومًا فإن له أجر صيام سنة ولو لم يكن منها رمضان.

 

فإن قيل ماذا يفعل من عجز عن صيام الست في شوال؟

فيقال: من لم يتمكن من صيام ست من شوال لعذر كمرض أو انشغال بالقضاء …وهكذا، فإن له الأجر إذا كان عازمًا على الصيام ولم يُفرط.

وهذه قاعدة شرعية مهمة وهو أن من كان عنده عزم تام على فعل عبادة ولم يفرط لكنه لم يقدر فله الأجر كاملًا.

ذكر هذه القاعدة ابن الجوزي في شرح (مشكل الصحيحين)، والنووي في كتابه (المجموع في شرح المهذب)، وابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى)، وابن القيم في (بدائع الفوائد)، وابن رجب في كتابه (جامع العلوم والحكم)، وابن حجر في شرحه على البخاري، ولهذه القاعدة أدلة منها:

الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: 95] قال ابن تيمية: مفهوم المخالفة: أن أولي الضرر يستوون في الأجر مع المجاهدين؛ وذلك أن المانع لهم عدم القدرة.

الدليل الثاني: أخرج البخاري عن أنس، أن النبي ﷺ قال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، حبَسهم العذر»، وجه الدلالة: أنهم أخذوا الأجر كاملًا؛ لأن إرادتهم جازمة، وفعلوا ما يستطيعون.

 

ومن أراد مزيد تفصيل في أحكام صيام الست فليراجع درس: (عشر مسائل في صيام ست من شوال) -مرئي وصوتي ومكتوب-.

 

 

 

اللهم علمنا ما ينفعنا، وافعنا بما علمتنا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

د. عبدالعزيز بن ريس الريس

المشرف على موقع الإسلام العتيق

http://Islamancient.com

4 / 10 / 1441هـ


Tags: ,

شارك المحتوى:
0