زيارة القبور بين الإباحة والتحريم


زيارة القبور بين الإباحة والتحريم

الحمد لله رب العالمين وبعد:

فقد طالعتنا جريدة الوطن بمقالة للمتروك ( زيارة القبور بين الإباحة والتحريم ) ولي معه عدة وقفات:

الوقفة الأولى 🙁 أثار المتروك مرة أخرى مسألة منهج التربية الإسلامية حيث قال ( السيد المنيفي الناطق باسم وزارة التربية ، وفي رده على النائب السابق أحمد لاري ،والنائب صالح عاشور حين اعترضا على منهج التربية الإسلامية 0000الخ ) أقول:لا أعلم متى سيستكن المتروك عن إثارة الفتنة التي طالما تباكى عليها وحث الناس على عدم إثارتها !؟ وقد تعجب أيها القارئ لماذا أثار المتروك رد أحمد المنيفي الذي طال عليه الأمد وله ما يقارب عاما !؟ وقد حصلت آنذاك ردود وقد كتبت ردا أسميته( مقارنة بين منهج المخالفين ومنهج التربية الإسلامية) ومقالا آخر بعنوان ( رسالة إلى وزيرة التربية من أين جاء التطرف) ،ولكن كما يقال إذا علم السبب زال العجب فالمتروك أعاد هذه المسألة في هذا الوقت خاصة عندما نجح تسعة من الشيعة في عضوية مجلس الأمة وكأنه إشارة منه إليهم بأن يجعلوها من أولويات مجلس الأمة0

الوقفة الثانية : قال المتروك ( زيارة القبور ليست قضية خلافية بين السنة والشيعة فقط ، وإنما هي قضية ذات أبعاد أكبر ، تلقي بظلالها على المسلمين كافة على اختلاف مذاهبهم الفقهية 0) أقول : لم يقع خلاف بين الصحابة أجمعين في قضية زيارة القبور ، والتمسح والتبرك ودعاء أهلها واتخاذها مساجد فهذا من فعل اليهود والنصارى ،وأما إذا كانت من باب العظة و تذكر الآخرة والاستغفار لأهلها، فهو مشروع ، ولم تكن ذات أبعاد سياسية في وقتهموقد ذكر القمي الشيعي حديثا وافق معناه الصواب ، (أن فاطمة عليها السلام تأتي إلى قبر حمزة فتترحم عليه وتستغفر له ) راجع كتاب من لا يحضره الفقيه للقمي، حتى ظهر قوم ممن ينتسبون إلى الإسلام من أعاجم الفرس وممن تأثروا بدسائس اليهود كعبد الله بن سبأ اليهودي فسعوا في تمزيق الوحدة الإسلامية ، من خلال زيارة القبور وسؤال أمواتها واتخاذها مساجد ، فجعلوا لها ذات أبعادا في محاربة التوحيد الخالص لله ، وأيضا ولو تمعنت أيها القارئ ، لوجدت من أبعادها، أن الكثير من سدنة القبور يتخذون منها تجارة تدر عليهم الأموال الكثيرة ، بل بعض الدول اتخذتها مركزا سياحيا و عبادة لتدر عليهم أموال السياحة من جهة ، وأموال النذور والصدقات والقربان من جهة أخرى ، وقد صدق الله (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا )0

الوقفة الثالثة :قال المتروك ( ولا أبالغ إن قلت إن معظم المسلمين في هذه البلدان يزورون تلك القبور ، ويتبركون بها ويستلهمون من تلك الزيارة سيرة أصحابها ، والقيم والمبادئ التي ضحوا من أجلها ،وعملوا على نشرها في حياتهم ) وفي هذا الكلام ملاحظتان:

الملاحظة الأولى :إن الحق لا يعرف بالرجال ولا بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية ، قال تعالى عن اليهود والنصارى : { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وقال تعالى مبينا أن معظم الناس آمن بالله ولكن لم يسلم من الشرك فقال تعالى {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} وقال الله: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وقال تعالى محذرا { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } فحذر الله من التبعية لأكثر الناس وذلك لأنهم لا يتبعون إلا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ،إذن يا مسلم ، لا تجعل عبرتك وقدوتك وميزانك بالكثرة فالكثرة لا يعتد بها وليس دليلا على الحق وأن القلة دائما هم القائمون بشكر الله قولا وعملا قال تعالى{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } .0

الملاحظة الثانية :قوله( ويستلهمون من تلك الزيارة سيرة أصحابها ، والقيم والمبادئ 000 الخ ) أقول للكاتب: إن القيم والمبادئ تستلهم وتؤخذ من القرآن والسنة قال تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فأطلق الله على الإسلام بأنه الدين القيم ، وأنه واجب التمسك به ، وأما سيرة الأولياء ومناقبهم موجودة في الكتب محفوظة فعلى المسلم أن يقرها ويستلهم ما فيها من لأخلاق والقيم والمبادئ التي ضحوا من أجلها ،وعملوا على نشرها في حياتهم ، أما العكوف على القبور لأجل أن يستلهم من تلك الزيارة سيرة أصحابها فهذا من تلبيس إبليس ، وهذا ما نص عليه غير واحد من فقهاء الشيعة كالطوسي والقمي وهو الحق المطابق ما عند السنة، عند قوله تعالى{ لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } قيل هي اسماء رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا صوروهم تبركا بهم وليأنسوا بهم، وأن

إبليس أوحى لهم ذلك ، بأن ذلك أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ( أي أرشدهم أن يستلهموا من الصور والعكوف عليها النشاط والشوق إلى العبادة ) فلما طال الزمان عبدوهم ،فبداية عبادة الأوثان كانت ذلك الوقت ) راجع تفسير الصافي ج5 ص 232 والطوسي مجمع البيان ج6ص71 0

الوقفة الرابعة : قال المتروك ( والقرآن الكريم لم يرفض هذا السلوك ، ففي سورة الكهف قال سبحانه وتعالى عن أولئك الفتية الذين لجأوا إلى الكهف ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا )وهذا تأييد من القرآن بمشروع هذا العمل ) انتهى كلامه. والرد على هذه الشبهة من ثلاثة أوجه ، الوجه الأول : أن الآية ليست صريحة الدلالة أن المسجد بني عليهم إذ أن الفتية داخل الكهف فالمسجد بني على كهفهم وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى ، وهذا القول قال به بعض المفسرين0

الوجه الثاني : ليس في الآية ما يدل على الأمر ببناء المساجد على القبور ؛ لكونها حكاية لماضٍ وفعل أناس وهذا ما يسمى بالإخبار فالله يخبر ما حصل لهؤلاء الفتية، وليس في لفظ الآية تقرير هذا الفعل ، بدليل كلمة ، (غلبوا على أمرهم ) كأن فيه مغالبة والذي بيده الأمر والسلطة اتخذ بناء المسجد 0 فهو من باب الإخبار فقط 0

الوجه الثالث : على تقدير أن بناء المسجد على القبر مشروع في شرعهم ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَرْعًا لَنَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْ سُجُودِ إخْوَةِ يُوسُفَ وَأَبَوَيْهِ ، فهل يرى المتروك بجواز السجود للمخلوق بنص هذه الآية أم لا ؟!!!0 ثم اعلم أيها القارئ : إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه أو نسخه، وما دام ورد شرعنا بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد فلا يجوز ذلك ، واتخاذها على صورتين أو على إحدى صور ثلاث ، الصورة الأولى : بناء المسجد على القبر ، الصورة الثانية : أن يسجد على القبر ، الصورة الثالثة :أن يصلي إلى القبر ، والشريعة الإسلامية حرمت كل هذه الصور لحماية التوحيد وسد كل باب يوصل إلى الشرك قال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) ثم إن المذهب الشيعي يوجد عنده تحريم بناء المساجد على القبور وهو الحق الذي يطابق ما عند أهل السنة ، فهذا القمي وهو من علماء الشيعة في كتابه من لا يحضره الفقيه ج1ص178 قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ، فإن الله لعن اليهود حين اتخذوا فبور أنبيائهم مساجد ) وجاء عن جعفر رضي الله عنه نحو ذلك ،ذكره المجلسي في بحار الأنوار والقمي في علل الشرائع ، وجاء في مستدرك الوسائل ج2ص379 ( عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (لا تتخذوا قبوركم مساجد ولا بيوتكم قبورا ) وهناك أحاديث عن أهل البيت ،وهي في كتب الشيعة تنهى عن البناء على القبر وتجصيصه والأمر بتسويته والكتابة عليه ،مع ما يوجد فيها من الكثير من الأحاديث والآثار عن أهل البيت موضوعة مختلقة ولكن أخذنا ما وافق الحق 0قال تعالى على لسان نبيه محمد عليه السلام ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال محمد جواد مغنية وهو شيعي :(وهذه آية تدل بصراحة ووضوح على أن الإسلام يرفض فكرة الوساطة بين الله وعباده ويضع الإنسان أمام خالقه ويناجيه بما شاء ويتقرب إليه بفعل الخيرات من غير شفيع ولا وسيط ) وقال أيضا الدكتور موسى الموسوي وهو حفيد الإمام الأكبر المرجع للشيعة آنذاك السيد ابو الحسن الموسوي الأصبهاني قال 🙁 وفكرة الغلو تحتل قلوب كثير من الناس حتى من غير المسلمين ، وتشارك الفرق الإسلامية الأخرى الشيعة في غلوهم بالنسبة للأئمة والأولياء نستثني منهم ( السلفية ) الذين استطاعوا أن يحطموا القيود التي قيدت عقول الناس وقلوبهم على السواء ) راجع كتاب الشيعة والتصحيح ص80

الوقفة الخامسة : ذكر المتروك رواية عبدالله عن الإمام أحمد وظن أنه نال بغيته واستبشر بهذا الأثر وهو ( أن الإمام أحمد سئل عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وسلم ،ويتبرك بمسه ،ويقبله ويفعل بالقبر…..الخ ؟ فقال : لا بأس بذلك ) أقول للمتروك ولغيره إن الجواب عن رواية عبدالله كالتالي:

أولا : نقل غير واحد الإجماع على عدم جواز التمسح بالقبر ومنهم النووي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ،وَقَال النَّوَوِيُّ: وَلاَ يَجُوز ُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ 0المجموع ج8 ص203

ثانيا : تطابق أقوال الأئمة على المنع من تقليدهم فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله عليه السلام ، والخطأ والنسيان وارد على كل أحد ، { رَبَّنَا لاتُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } إلا الرسول فإنه يوحى إليه0

ثالثا : إن المحفوظ عن الأئمة بالسند الصحيح الصريح ، أنهم لا يستحبون تقبيل القبر ولا التمسح به ولا التبرك0

رابعا : كل من ترجم لأحمد لم يذكروا أنه فعل شيئا من ذلك مما يدل أنه ليس من الشرع 0

خامسا : استبعد بعض أتباع الإمام أحمد صحة هذه الرواية عنه كما ذكر ذلك ابن حجر في الفتح ج3 ص475 ثم إن هذا هو الراجح من مذهب الحنابلة 0

سادسا : إن بعض أهل العلم يشككون في هذه الرواية كالهيثمي في حاشية الإيضاح ص502

سابعا : إن هذه الرواية تعارض المروي عن الإمام أحمد ، ومن ذلك رواية الأثرم ، وفيها 🙁 قلت لأبي عبدالله قبر النبي يلمس ويتمسح به ،فقال: ما عرف هذا 0 قال الأثرم : رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه و سلم يقومون من ناحية فيسلمون قال أبو عبد الله – أي الإمام احمد : هكذا كان ابن عمر يفعل 0المغني ج3 ص559 والفروع ج2 ص573و الإنصاف ج3 ص53 : وقال أحمد أهل العلم لا يمسونه 0وفي مسائل أحمد رواية ابنه صالح :ولا يمس الحائط ج3 ص60

وإن هذه الرواية معارضة لأصول أحمد رحمه الله ، من رده لكل بدعة ، وأنه لا يقول بقول ليس له فيه إمام ولعل هذه الأصول تجعلنا نقول إن هذه الرواية يدخل عليها عدد من الاحتمالات ، فمن ذلك : أ- أن السؤال في الأصل عن المنبر والتبرك بمسه ، ثم أردف السائل ، الجملة الثانية وهي : ( ويفعل بالقبر مثل ذلك ) فلعل الإمام أحمد ذهل عن الفقرة الثانية من السؤال وهي المتعلقة بالقبر فأجاب بقوله : لا بأس بذلك يعني التبرك بمس المنبر ، والإمام أحمد بشر جائز عليه الذهول 0

ب : ومن الاحتمالات الواردة أن جملة ( ويفعل بالقبر 000 ) لعلها مقحمة ليست في الأصل لذلك يراجع أصل المخطوطة0

ج : ومن الاحتمالات أن يكون الوهم من عبدالله فوهم بذكر السؤال عن القبر، ونسي نص السؤال وهذا وارد 0 فإن قال قائل لماذا ذكرتم هذه الإيرادات وعدداً من الاحتمالات ؟ الجواب :أن كل من ترجم لأحمد لم يذكروا أنه فعل شيئا من ذلك ،وأن هذه الرواية تعارض المروي عن الإمام أحمد ، ومن ذلك رواية الأثرم الذي هو من المقربين الملازمين له، 0وكذلك رواية ابنه صالح وقد سبق ذكرهما والرواية أيضا معارضة لأصول أحمد رحمه الله0

مسألة : التبرك بالمنبر والرمانة ، فهذا قد حصل فيه خلاف بين السلف فكرهه الإمام مالك وغيره ، وأجازه عطاء -رحمه الله- وغيره وأخذ به الإمام أحمد .

وسبب إباحة عطاء والإمام أحمد – للتبرك بالمنبر والرمانة أن الرمانة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضع يده عليها ويلامسها ، وكذلك المنبر ، وهو تبرُّك بما لاَمَسَ جسدُه صلى الله عليه وسلم ، وأما ما يتعلق بالمنبر والرمانة فقد احترقتا ، وزال أثرهما ، وهذا التبرك خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في كتابه التوسل وأنواعه ص146 : ( ونحن نعلم أن آثاره صلى الله عليه وسلم من ثياب أو شعر أو فضلات قد فقدت وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين ).

لا سيما مع مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان على وجود تلك الآثار النبوية ومع إمكان الكذب في ادعاء نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم للحصول على بعض الأغراض كما وضعت الأحاديث ونسبت إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم -كذباً وزوراً.

الوقفة السادسة : قال المتروك ( قال العيني في عمدة القارئ أخبرني الحافظ أبو سعيد بن العلاني قال: ( 0000وقال العيني بعد ذلك وقد روينا عن أحمد أنه غسل قميصا للشافعي وشرب الماء الذي غسله به ، وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم ، فكيف بمقادير الصحابة ؟ وكيف بآثار الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام0) أقول للمتروك على رسلك فلا تفرح بذكر هذه القصة الواهية ، التي لا سند لها وذلك لأمرين : الأمر الأول : أن العيني غفر الله له قد وهم ، ونقل القصة خلاف ما وردت في كتب المتقدمين ، أو أن الناسخ قلب الرواية ، فجعلها لأحمد ، والقصة التي وردت ، هي للشافعي مع ضعفها0

الأمر الثاني :سأذكر القصة على وجه الاختصار التي وردت في كتب المتقدمين ، فقد ذكرها ابن عساكر والذهبي واليافعي في كتاب مرآة الجنان ج2 ص134 وتاريخ دمشق وابن منظور ( عن الربيع قال لما خرج الشافعي إلى مصر وانا معه كتب كتابا وقال يا ربيع خذ كتابي هذا وامض به إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وأتني بالجواب قال الربيع فدخلت بغداد ومعي الكتاب فلقيت أحمد بن حنبل ……. سلمت اليه الكتاب وقلت هذا كتاب الشافعي من مصر…..( ثم رجع الربيع إلى الشافعي ، قال الربيع فسلمت الكتاب للشافعي وقال يا ربيع ايش الذي دفع اليك؟ قلت القميص الذي يلي جلده فقال الشافعي لا نفجعك به ولكن بله وادفع الي الماء حتى اكون شريكا لك فيه ) هذه القصة الجواب عليها من ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن أسانيد القصة ساقطة وواهية ، وسأختصر على رجلين من سندها ، ففي سندها (محمد بن الحسين أبو عبدالرحمن السلمي النيسابوري شيخ الصوفية تكلموا فيه وليس بعمدة وكان يضع الأحاديث للصوفية ) ميزان الاعتدال للذهبي0

وفي سندها : – محمد بن عبدالله بن عبد العزيز بن شاذان، أبو بكر الرازي الصوفي، صاحب تيك الحكايات المنكرة ، طعن فيه الحاكم. ) ميزان الاعتدال للذهبي 0

الوجه الثاني : أن الربيع بن سليمان صاحب القصة قال عنه الذهبي رحمه الله تعالى : ولم يكن صاحب رحلة، فأما ما يروى أن الشافعي بعثه إلى بغداد بكتابه إلى أحمد بن حنبل، فغير صحيح. سير أعلام النبلاء للذهبي ج12 ص587 0

الوجه الثالث : على تقدير صحتها ، فالحجة تقوم بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع السلف من الصحابة رضي الله عنهم ، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم0

ملاحظة : يسعى البعض جاهدا ليثبت جواز التمسح بالقبور والعكوف عندها وسؤال أهلها ولا يرى ذلك بدعة أو معصية ، ولا شك أن هذا تطاول على حق الذي خلق الإنس والجن ليعبدوه ويخلصوا له العبادة ، بينما يرى أن صلاة الضحى بدعة ومعصية وكذلك صلاة التراويح ، التي فيهما الخضوع والعبادة لله وحده وإظهار الحكمة التي من أجلها خلقهم الله ، ذكر الكليني وهو من أكبر علماء الشيعة وكتابه الكافي مرجع من المراجع ( صلاة الضحى بدعة) ج3 ص453 وكذلك كتاب من لا يحضره الفقيه للقمي ص137 (لا تصلوا صلاة الضحى فإن تلك معصية ) فربما سيسعون فيما بعد إلى محاربة تلك السنة ، لأنها بدعة وتدرس في منهج التربية الإسلامية0

والحمد لله رب العالمين 0

كتبه / فيحان الجرمان


شارك المحتوى: