الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا . أمابعد(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
عباد الله : لكم أنعم الله علينا وفضلنا على غيرنا بنعمة الأمن والإيمان ، منذ أن قامت هذه الدولة وكان على الكتاب والسنة حين أخذ العهد على ذلك الإمام محمد بن سعود بنصرة ومؤازرة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله تبليغ الدعوة ونشر التوحيد، وهي مستمرة ولله الحمد، وستستمر بإذن الله ما دامت متمسكة بهذا الأصل التي قامت عليه، ولن يضرها من خالفها ولا من خذلها.
عباد الله : لما كانت هذه البلاد قائمة على ذلك ، قائم أواخرها بما قام به أوائلها ، كان التآمر عليها ، واستهدافها في عقيدتها ، ولا يكون ذلك إلا باستهدافها في ولاة أمرها وعلمائها ، واستهدافها في شبابها وشاباتها ، واستهدافها في أمنها ، وأخطر مستهدف لها هم الخوارج وإن تعددت مسمياتهم كداعش والنصرة والأم التي خرجوا من رحمها ورضعوا لبانها الإخوان المسلمون ،فكل من اعتنق فكر تأييد التفجير في بلادنا فهو من الخوارج كما قال الشيخ الفوزان ، وقال لا يثني على الخوارج إلا خارجي ، ومن دافع عنهم فإنه مثلهم ، فلا يمكن أن يكون ثم منتصف أو ممسك للعصا من الوسط فالأمر دين وجد ، فهما أمران لا ثالث لهما ، فلا مجال للمرواغة بزعم كسب كلا الطرفين، ولا مكان للحرية الباردة المزعومة، فإن لم تكن معنا فأنت ضدنا .
ولقد جاء في السنَّة ذمُّ الخوارج وبيانُ سماتهِم مما لم يأت في الشريعة بيانٌ مثلُه في أحدٍ من أهل البدع، وما ذاك إلا لعظم فتنتهم، والاغترار بهم لما يظهرونه من الغيرة على دين الله، ولظاهر دعوتهم التي يمتطون بها كتاب الله، وسنة رسول الله ﷺ اتباعاً لمتشابه القول .
أيها المسلمون وإن نابتة السوء هذه لها علامات وصفات ، وأني سائق لكم بعض هذه الصفات فأعلموها وأحذروها :
1ـ فمن صفات الخوارج الخروج على ولاة الأمر ونزع اليد من الطاعة ولا يرون لهم بيعة ، قال العلامة ابن عثيمين: عن قول ذلكم الرجل للنبي ﷺ: اعدل، وقوله لـه: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله : هذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف ويكون بالقول والكلام، ولا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان بالسب واثارة الناس ضد الحاكم ، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجاً حقيقةً دلت عليه السنة ودل عليه الواقع ، فالخروجُ على ولاةِ الأمور ليس هو الخروج بالسلاح فقط بل حتى بالكلام) في المجالس ، والطعن العلني في الحاكم ” اعدل يا محمد …”
والنصوص في تحريم الخروج على ولاة الأمور متواترة في الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ، وقال ﷺ ( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ) رواه مسلم
وجاء رجل إلى ابن عمر فكلمه في أن يعيب على عثمان ، فأثنى عليه ثم قال : ولكن هو هذا المال .. فإن أعطاكموه رضيتم .. وإن أعطاه أولى قرابته سخطتم ..إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم .. لا يتركون لهم أميرا إلا قتلوه) ومن فقه الإمام مسلم في صحيحه أنه أدخل أحاديث الخوارج في كتاب الزكاة ، لينبه ان مبدأ خروجهم على الحاكم كان من أجل الدنيا ،وسأل رجل من الخوارج الحسن البصري عن الخوارج ؟ قال : هم أصحاب دنيا ، فتعجب الرجل ، فقال الحسن : هل منعك السلطان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والعمرة ؟ قال : لا ، قال : فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها .
2ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج الجرأة على العلماء الربانيين، قدوتهم رأسهم الأول حين قال : يا محمد اعدل ، وقال : يا رسول الله، اتق الله ، فلا تعجبوا أيها المسلمون من جرأتهم الآن على مشايخنا وعلمائنا ، فإنهم لا يرضون عن أحد حتى يتابعهم على ضلالهم وينزع البيعة ويهاجر إليهم، وينضم إلى حزبهم.
3ـ ومن صفات الخوارج حجب فتاوى علمائنا في التحذير من الجماعات الضالة وكتبها ، وصرف الشباب عن مجالستهم
4ـ ومن سماتهم تكفير الجند والعسكر واستهدافهم ، فيا عسكر الإسلام ويا اسود السنة وحماة الديار ، انتم والله المرابطون ضد المفسدين ، وفي حماية بلاد الحرمين (عينان لا تمسهما النار .. وذكر عين باتت تحرس في سبيل الله) وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله» وأيم الله إن من يريد الفساد وذهاب الأمن هم من نصبوا سهامهم ضدكم ، فلا يهولنكم ما يقوله الضالون ، فانتم سلفيون بحمد الله تنصرون العقيدة السلفية ، سلفكم في الجهاد من أجل هذه العقيدة ونصرتها والذب عنها بالنفس والمال سلفكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
5-ومن صفات الخوارج صلاح الظاهر وفساد المعتقد والباطن، (تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وقراءتكم مع قراءتهم ..) فلاتغتروا بدعواهم نصر الدين والدعوة والجهاد، فالخوارج الأوائل على عثمان تظاهروا بالإصلاح فلما تسلقوا دار عثمان جلس عمرو بن الحمِقِ على صدر عثمان طعنه تسع طعنات ، وقال : أما ثلاث منهن فلله ، وستٍ لما كان في صدري عليه ! فلم يكن الأمر كما تظاهروا دينا.
وهم اليوم كذلك ، فما يفرحون بخير حبا الله به حكامهم ، ولا يحزنون بأمرٍ أصابهم ! .
6ـ ومن صفات نابتة السوء الخوارج استباحة دماء المسلمين والمعاهدين واستحلال أعراضهم وأموالهم ، قال شيخ الإسلام: لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم ، لا اليهود ولا النصارى؛ فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم ، مكفرين لهم ، وكانوا متدينين بذلك لِعِظَم جهلهم)
7ـ ومن صفات الخوارج أنهم مع ما يعطون من عطايا وأموال ، يتكبرون ويسألون الله التغيير والتبديل ! ، قال سعيد بن المسيب : كانت المرأة في زمان عثمان تجئ إلى بيت المال ، فتحمل وقرها ، وتقول : اللهم بدل ، اللهم غيّر .
8-ومن صفات الخوارج أنهم (حدثاء الأسنان) كما قال رسول الله ﷺ ( سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام) متفق عليه ، فعامة من يتبنى رأي الخوارج هم من الشباب الذين يغلب عليهم الخفة والإستعجال والحماس وسفاهة العقول ، وسلوكهم أو تعاطفهم مع التنظيمات الخارجية الأثر البالغ على الإسلام والمسلمين وظهور الكفر والكافرين، وهذه سنة الله في الخوراج، فما من زمان خرجوا فيه إلا وكان ذاك الزمان زمان شدةٍ وبلاءٍ على المسلمين والتاريخ شاهد بذلك.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله.
الخطبة الثانية :
الحمد لله عظيم الشان وجزيل الإحسان، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله : استفحل شرهم في عهد عثمان ذي النورين ، وشككوا في أمانته وعدله ، بل واقتحموا عليه الدار ، وقتلوه ، ومثّلوا به ، واستباحوا حرمة دمه وماله ودينه ! ، ثم جردوا السلاح ضد صحابة رسول الله! ، وكفروا علياً رضي الله عنه وأحبطوا عمله !
وهكذا هم اليوم : كفروا حكامنا ، وعلماءنا ، ووصفوهم بالطواغيت ، وقالوا عن الشيخ ابن باز : ( رأس الردة !، وعمود الكفر ! ، وذنب الحكام !! ) ،
وكان الخوارج الأوائل : من ظلمهم ومبلغ حقدهم على الحاكم يسمونه بأسماء زعماء اليهود والنصارى ، كما سموا عثمان رضي الله عنه بـ : نعثل !! وربما قلبوا اسمه ، كما صنع الراسبي ، فما كان يسمي علياً رضي الله عنه باسمه ! ، وإنما يسميه بـ : الجاحد ، من شدة بغضه له .
وهم اليوم : يسمون الحاكم بـ : ( بوش العرب ) أو ( البابا يوحنا ! ).
الخوارج الأوائل : يتأولون كلام الحاكم وفعله على غير ما يريد ! ، كما صنعوا مع عليٍ رضي الله عنه ! قال ابن جرير : ( ثم جعلوا بعد ذلك يعرضون له في الكلام ، ويسمعونه الشتم ، ويتأولون تآويل في كلامه ! )
وهم اليوم : كذلك ، فكل ما يصدر من الحاكم يقلب على أقبح الأوصاف : حرب للإسلام ، تجفيف لمنابع الدين ، تعطيل للجهاد ، استنزاف للأموال ! نهب لمدخرات البلاد !
وإن مما يؤسف له أنه لا زال هناك من يلقن بعض شبابنا بالأفكار المضلة التي تورث في قلوبهم الحقد الدفين على بلادهم وحكومتهم وعلمائهم ووطنهم عامة جعلت منهم مجرمين غاية ما يكون الإجرام على استعداد تام على التكفير والتفجير والاغتيال وبث الرعب وزعزعة الأمن .