خطبة عن نزول المطر


خطبة بعد نزول المطر

الحمدُ للهِ مُغيثِ المُستَغِيثينَ، ومُسبلِ النِّعمِ على خَلقِهِ أَجمعِينَ, عَظُمَ حِلمُه فَستَرَ، وَبَسطَ يَدَهُ بِالعطَاءِ فَأكثَرَ، نِعَمُه تَترَى، وَفضلُهُ لا يُحصى، إليه وحدَهُ تُرفعُ الشَّكُوى، نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ المُطَّلِعُ على السِّرِّ والنَّجوَى، ونَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، أَصدَقُ العِبَادِ عِبَادَةً وأحسَنُهم قَصداً، وأَعظَمُهم لِرَبِّهِ خَشيَةً وَتَقوى، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليه، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَن سَارَ على نَهجِهم واتَّبعَ طريقَ التَّقوى. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ

فتقوى الله طريق الفوز والكرامة ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) .

حَمْداً لكَ ربنا, تنعم كثيرا ، وتعطي جزيلا ، أَنزَلتَ علينا غيثاً مُغيثاً, ولم تَزلْ بِنا رَؤفاً حَفِيَّاً, ( قُلْ بِفَضْلِ

اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )

قول الله تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ) أجاجا أي: شديد الملوحة ، فالنعم تقابل يا عباد الله بالشكر ، وأوَّل الشكر الاعتراف بالقلب أنَّه ما من خير إلا من الله ، وما بكم من نعمة فمن الله ، فنسبته لظهور نجم أو سقوطه من عقائد أهل الجاهلية لما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ – وذكر منها –: الْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ )فلا يعلم أحد بوقت نزول المطر إلا هو سبحانه لِما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مَفَاتِحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ – وذكر منها –: وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي المَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ ) أما عدم الجزم بذلك وتعليقه بمشيئة الله بناء على مُرَاقَبَةِ سَيْرِ السُّحُبِ وَاتِّجَاهَاتِهَا وَالرَّيَاحِ وسرعتها فليس من ذلك .

عباد الله : ويتبع ذلك الشكر ، استعمال النعمة في طاعة الله والاستعانة على مراضيه والاستقامة على مراده والله تعالى يقول (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ، أي : لو استقاموا على طريقة الهدى وملةِ الإسلام قولا وعملا واعتقادا لأسقيناهم ماءً كثيرا .

عباد الله : قد يُنزِلُ اللهُ المَطَرَ بِدعوَةِ رَجلٍ صَالِحِ, أو صَبِيِّ لم تُكتب عليهِ الذُّنوبُ، أو بِرحمةِ البَهَائِمِ العَجْمَواتِ، وقَدْ قَالَ نبِيُّنا: (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ). وقَالَ: (وَلَمْ يَمْنَعُ قوم الزَّكَاةَ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه الألباني .

روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود موقوفا عليهما باسناد صححه الألباني وله حكم الرفع أنه قال : (ما من عام أمطر من عام ولكن يصرفه حيث يشاء ) ولفظ ابن مسعود ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يُحَوِّلُهُ كَيْفَ يَشَاءُ ) ثم قرأ (ولقد صرفناه بينهم) .

والمطَرُ عبادَ اللهِ:نِعمةٌ ومن آكد مراتب شكر الله القيام بالصلاة في وقتها فلا تتعجلوا بالجمع لأدنى عارض مطر فالجو دفء والطرقات مهيئة والمساجد محكمة وقد قال الله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) وينبغي أنْ يُعلمَ خُطُورةُ التَّساهُلِ والتَّسارُعِ في الجمعِ بيت الصَّلواتِ,.

ورحمةٌ بالعبادِ وتخفيفٌ على العِبادِ فقد ثبتَ أنَّ النَّبيَّ جمعَ بينَ المغربِ والعِشَاءِ حالَ نُزولِ المَطَرِ, والجمع

للمشقة التي تحصل بالمطر فيشق معه الحضور للصلاة الثانية لوحَلٍ وطِينٍ, أو مَطَرٍ يَهطِلُ أثناءَ الصَّلاةِ يَبُلُّ الثِّيابَ, ويُؤذِي المُصلِّينَ ،ولا تُقصَرُ الصَّلاةُ حالَ الإقامَةِ .

وإذا شك الإنسان هل هذا المطر فيه مشقة تبيح الجمع أو هو يسير لا مشقة فيه فالأصل عدم المشقة ووجوب الصلاة في وقتها ، ولا يكون الموضوع محل اختلاف في المسجد، وتغير قلوب، وجدل لا يليق في بيوت الله .

وَ يَجِبُ التَّنْبِهُ إلى أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاةُ وَدَخْلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ فَلا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ منفردا, لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ تَحْصِيلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ هُنَا قَدْ فَاتَتْهُ, لَكِنْ لَوْ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُمُ الصَّلاةُ مَعَ الإِمَامِ كَانُوا جَمَاعَةً فَجَمَعُوا فَلا بَأْسَ .

روى ابوداود والبخاري في الأدب المفرد عن شريح قال : سألت عائشة عن البدو ؛ قلت : وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدو ؟ ، فقالت : نعم ، ” كان يبدو إلى هؤلاء التلاع “

( يبدو ) : أي يخرج إلى البادية ، والتلاع : مصاب السيول من علو الى سفل ، وعن الْفَضْلِ بنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه قال : ” أَتَانَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ في بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبّاسٌ فَصَلّى في صَحْراءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فمَا بَالاَ ذَلِكَ ” رواه أبوداوود .

ففيه جواز الخروج للتنزه في البر ومجاري السيول بلا كراهة، وإنما المكروه سكنى البادية كما نص على ذلك الإمام أحمد ، قال أبو بكر الأثرم : النهي عن التبدي محمول على سكنى البادية والإقامة بها ، فأما التبدي ساعة أو يوما ونحوه فجائز .

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :” مما يندب الخروج إلى الوادي إذا سال ، وترجم عليه البخاري في الأدب المفرد ، وهذا مطلقاً ، وبعد الاستغاثة آكد ” اهـ

اما الخروج للبر فترات طويلة وترك صلوات الجمع و الجماعات ، أو التبدي ، ففيه قال صلى الله عليه و سلم- : (هلاك أمتي في الكتاب واللبن).قالوا: يارسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال: (يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل ، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون).صححه الألباني

وقد سئلت اللجنة الدائمة عن . حكم خروج بعض الناس إلى البر أو البحر يوم الجمعة ، بدعوى أنهم لا يتوافر لهم وقت للرحلة إلا يوم الجمعة ؟

فكانت الفتوى : بأنه إذا تيسر لهم صلاة الجمعة في رحلتهم وحضروا صلاة الجمعة وأدوها فلا حرج عليهم ، وإذا ترتب على رحلتهم فوات صلاة الجمعة بالنسبة لهم فلا تجوز الرحلة ، لما يلزمها من تضييع الفريضة ” والسبب لأنهم غير مسافرين ، هذا في فوات جمعة فكيف بفوات جمع؟!

ومن الخطأ الخروج عند رؤية السُّحُبَ ؟ : قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى السَّحَابَ خَافَ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَطَرُ فُيُسَرَّى عَنْهُ , كما عند البخاري من حديث عائشة فسألت رسول الله متعجبة : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ , وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ؟ فَقَالَ (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ! عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ , وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ).

فيا مؤمنون أقدروا لنعمةِ المَطَرِ قَدرَهُ,واشكروا ربَّكُم على سَوَابِغِ فَضلِهِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ فاللهم اجعلْ ما أَنزَلْتَ علينا صَيِّبَا نَافِعَا,ومَتَاعاً لنا وبَلاغاً إلى حينٍ.أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية:

لْحَمْدُ للهِ الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ، والصلاة والسلام على من أرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيراً وَنَذِيرَاً , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .أَمَّا بَعْدُ :

عباد الله : أرأيتم كيف ينتعش مرضى الحساسية ومن يؤذيهم الغبار بنزول الأمطار، فهم بآثار رحمة الله يستبشرون ؟

(الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق وهي قطرات الماء يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها)

فهل في نزول المطر عبر أو عظات ؟

إي ، والله ، إنَّ في نزول المطر شيئاً من بيان عظمة الخالق الرازق وقد لفت الله أنظار عباده لينظروا في حقيقة هذا الماء النازل .

(أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم)

والأرض الجرز هي الأرض اليابسة التي لا نبات فيها .

أيُّها المؤمنونَ:كُلَّما جَدَّدَ لَكم رَبُّكم نِعَمَاً فَجَدِّدوا لها حَمْدَاً وشُكرَا, وكُلَّما صَرَفَ عنكُم المَكَارِهَ فَقُومُوا بِحقِّ رَبِّكم طَاعَةً لَهُ وَثَنَاءً وذِكْرا, وَسَلُوا ربَّكُم أنْ يُبَارِكَ لَكم فِيمَا أَعطَاكُم وأنْ يُتَابِعَ عَليكم مَنَافِعَ دِينِكُم ودُنياكُم, فهو الرَّؤفُ بالعبادِ وليسَ لِخيرِهِ نَقصٌ ولا نَفَادُ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ فاللهمَّ اجعلنا لِنِعَمِكَ من الشَّاكِرينَ وَلَكَ من الذَّاكِرينَ ,اللهمَّ واجعل مَا أَنزلْتَهُ عَلينا رَحمَةً لَنا وبَلاغَاً إلى حِينٍ .

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا وقادتنا وجماعتنا، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين وعبث العابثين، اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز .

اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم اجعل ما أنزلته صيبا نافعاً. اللهم اجعله عطاء مشفوعاً برضى، تصلح بها أحوالنا وتستقيم به قلوبنا يا أرحم الراحمين. اللهم فزدنا بالغيث المغيث، الرحمة المطبق يا أكرم الأكرمين .

اللهم وكما افرحتنا بهذا الغيث فأتم علينا فرحنا بنصر جنودك الموحدين المرابطين على ثغور بلاد الحرمين ، اللهم مكن لهم رقاب عبيد فارس وجند المخلوع صالح ، وامنن على بلاد اليمن والشام وسائر بلاد المسلمين بظهور السنة وتحكيم الشريعة ، وسبوغ النعمة والأمن يا رب العالمين .

وصل اللهم وسلم على …..

أحمد آل عبد الله


شارك المحتوى: