تهافت المنهج الإخواني والسروري مع أحداث غزة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

فإن موالاة المؤمنين، ونصرتهم، من حقوق الأخوة الإيمانية الواجبة، ولا شك أن نُصرة المسلمين في غـ!ة الذين يُبادون من إخوان القردة والخنازير واجب على كل حاكم مستطيع، أما غير المستطيع فلا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها، وعلى كل مسلم فعل كل ما هو مُستطاع للتخفيف عن إخوانه المسلمين، هذا تأصيلًا، أما في الواقع فنحن في ضعف -للأسف- سواء في جانب الإعداد الإيماني أو العسكري.

 

وبعضهم بدوافع قومية، أو جاهلية، أو ليبرالية … وغير ذلك، يقول: هذه ليست قضيتي! أو لا يكترث ولا يحزنه ما يفعله اليـ@ـود بإخواننا المسلمين! فأمثال هؤلاء ينبغي أن يُراجعوا إيمانهم!

 

ومِن جهة أخرى فإن للإخوان المسلمين والسرورية نشاط كبير مع هذا الحدث، ويستغلونه في الترويج لمنهجهم الضال، وتشويه خصومهم السلفيين، وأُلخص ذلك في نقاط:

 

[النقطة الأولى]: التكسُّب المالي من التبرعات في إنفاقها على جماعتهم، والتكسب السياسي بتلميع أحزابهم وأوليائهم وحلفائهم من الروافض وغيرهم، وتدليسهم على المسلمين بأنهم هم أهل الجهاد الحق والمقاومة.

ولمزيد فائدة في هذه النقطة شاهد هذه الروابط الموثقة من قادات حماس:

  1. https://youtu.be/nGMgoWg48vI
  2. https://youtu.be/tlNUQ6AgiEs
  3. https://youtu.be/JPM3zPmkoTM

 

[النقطة الثانية]: التخوين الجماعي لحكام المسلمين إرادة تهييج شعوبهم عليهم، مُستغلِّين غضب المسلمين وهيجان عواطفهم بسبب أحداث غـ!ة، ولا شك أن هذا من الباطل الذي يجب إنكاره، أولًا: لأنَّ الواجب هو مناصحة الحكام وحثهم على القتال -بالطرق الشرعية لا الثورية التهيجيية- إن كان عندهم قدرة، فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا، أو لم يكن عندهم قدرة -وهذا هو الواقع- فقد أدَّى الذي عليه.

 

والمُخاطب بالقتال والجهاد هم أئمة المسلمين لا عامتهم؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ ‌أَمْرٌ ‌مِنَ ‌الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 83].

ولما أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «‌إِنَّمَا ‌الْإِمَامُ ‌جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».

وهذا هو معتقد أهل السنة، كما في أصول السنة لابن أبي زمنين: ” وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ إِنَّ اَلْحَجَّ وَالْجِهَادَ مَعَ كُلِّ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ ” وغيرها من كتب اعتقاد أهل السنة.

 

ومنهج الإخوانيين والسروريين الثوري تجاه الحكام هو منهج بدعيٌّ منحرف، بل ومُخالفٌ للعقل، حيث أنَّ زيادة إضعاف دول المسلمين بإضعاف حكوماتها بالثورات والمظاهرات مِن أهم أسباب زيادة تسلُّط اليـ@ـود وغيرهم من الكافرينَ على المسلمين، ومَن اعتقد هذا المنهج الخارجي فهو مبتدع ضال، كما حكاه عن أهل السنة الإمام أحمد وعلي بن المديني، وهذا أحد الأسباب الكثيرة لتبديع وتضليل السرورية والإخوان المسلمين.

 

[النقطة الثالثة]: أنهم يُروِّجون بين المسلمين أنَّ من البطولة، والشجاعة، والمقاومة، والجهاد الشرعي الصحيح = أن يقوم بعض المقاتِلِـ-ـين بضربات على اليـ@ـود، ثم يختبئون وسط النساء والأطفال، أو تحت الأنفاق الخاصة بهم، مع التخلي التام عن مسؤولية تبعات هجوهم، وعن حماية الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ الذين يُبادون (كعادتهم المتكررة)!

 

وتأمَّل كيف أنَّ الله تعالى ذكر الأمور المُهيِّجة على قتال المشركين، وهي كفرهم بالله وصدهم عن سبيل الله، لكن كان من موانع قتالهم: وجود رجال ونساء مؤمنين بينهم وليسوا متمايزين في مكان مستقل، فلولا ذلك لعذبهم الله بأيدي المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [الفتح: 25].

 

وحماس الإخوانية بأفعالها (المعتادة والمتكررة) هيَّجوا إخوان القردة والخنازير فوطأوا عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال المؤمنين بالصواريخ والقذائف التي لا يدان لحماس في صدِّها ومقاومتها، بل ولا الإعداد الصحيح لذلك، وأصابتهم معرَّة (بعلم)! ووالله إنه هو الواقع الذي ماله مِن دافع.

 

وأدلة ترك القـ تال في حال الضعف كثيرة، منها: حال النبي ﷺ في مكة، مع أنَّ الكفار يعتدون على المسلمين بالتعذيب والنكال وقتل الأنفس، إلا أنَّ النبي ﷺ لم يُحارب مشركي قريش بسبب الضعف، ولأن القتال يضر أكثر مما ينفع.

 

ومنها ما روى مسلم عن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ في غزوة الأحزاب لما بعث حذيفة قال له: «فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا ‌تَذْعَرْهُمْ ‌عَلَيَّ» لأنهم في حال ضعف تجاه كل هذه الأحزاب، فراعى النبيُّ ﷺ ضعفهم.

 

ومنها ما روى مسلم عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- أنه في آخر الزمان بعد نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- وقتله للدجال، يأمره الله تعالى بترك قتال يأجوج ومأجوج، بقوله: «إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ ‌عِبَادِي إِلَى ‌الطُّورِ».

 

وغيرها مِن الأدلة الشرعية، والعقلية، على ترك القتال في حال الضعف.

وإنَّ المرء ليأسف أن ينخدع بعض المغفلين بهذا المنهج الإخواني والسروري في مسائل الجـها د، بل ويزعم أنَّ هذه الفتنة والتهور صورة مِن صور القتال بين الإسلام والكُـفْرِ!

 

وأُنبه على أمرٍ خبيثٍ يخدع به بعض الإخوانيون والسروريون بسطاء المسلمين: وهو خلطهم بين جهاد الدفع وبين دفع الصائل، وهما أمران مختلفان في صورتهما وفي حكمهما الشرعي.

 

فصورة جهاد الدفع: أن يدفع المسلمين هجوم العدو الكافر المعتدي على بلادهم، وتقدم أن هذا الجهاد يُشترط فيه إذن ولي الأمر، وكذلك تقدمت الأدلة في اشتراط القدرة فيه.

 

وأما صورة دفع الصائل: أن يدفع المسلم عن نفسه وأهله وماله اعتداء المعتدين، كأن يدخل عليه في بيته ونحو ذلك، ولا يُشترط في مثل هذا إذن ولي الأمر ولا اعتبار القدرة، بل يُدفع بكل شيء، ولو قُتل فهو شهيد وقاتله في النار.

 

فيخلط دعاة السوء بين هذين الأمرين ليُشوهوا السلفيين ويُظهروهم في هيئة الرجل عديم الغيرة على الدماء والأعراض.

 

وهناك شبهة يُوردها السروريون في مسألة جهاد الدفع من كلام ابن تيمية -رحمه الله-، وقد ردَّ عليها شيخنا الدكتور عبد العزيز الريس -حفظه الله- في كتابه: مهمات في الجهاد (ص 59): “فإن قيل: قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (أما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين. فواجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده).

فيقال: إن ابن تيمية -رحمه الله- يريد أنه ليس له شرط زائد على عموم العبادات، ولا يريد أن القدرة ليست شرطًا؛ لأنه معلوم أنها شرط في كل عبادة.

وللفائدة: فإن الإجماع الذي يحكيه ابن تيمية -رحمه الله- هو في وجوب جهاد الدفع لا أنه لا شرط لجهاد الدفع.

أما جواب الاعتراض على الإيمان، فإن هذا ليس شرطًا في جهاد الدفع، بل يدفعه كل مسلم، ولو كان فاسقًا أو مبتدعًا لكن نصر الله مع أهل الإيمان أكبر.

فقد بيّن هذا ابن تيمية -رحمه الله- في جهاد المسلمين جهاد الدفع ضد التتار فقال: (حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم وقال بعض الشعراء:

يا خائفين من التتر … لوذوا بقبر أبي عمر

أو قال:

عوذوا بقبر أبي عمر … ينجيكم من الضرر

فقلت لهم: هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد؛ فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك، ولحكمة الله عز وجل في ذلك.

ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله، ولما يحصل في ذلك من الشر والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال، فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة) … “.

 

ثم قال (ص 75): “ وقوله: (فلا يشترط له شرط)؛ فهذا يراد به فيما يتعلق بشرط إذن ولي الأمر إذا لم يتمكن استئذانه، كأن يفجأهم، وذلك أن كلامه محتمل لأحد أمرين:

إما أنه في إسقاط إذن ولي الأمر في جهاد الدفع مطلقًا، أو أنه إسقاط له عند عدم إمكان استئذانه.

أما الأول، فلا يصح حمله عليه؛ لأنه نسب قوله للحنابلة لما قال: (نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) وتقدم النقل عن الحنابلة وإمامهم، وأنهم يوجبون إذنه في جهاد الدفع، فيتعين حمله على المعنى الثاني “.

 

وهناك شبهات أخرى وتأصيلات خطأ قد ردَّ عليها الشيخ في هذا الكتاب، وأنصح كل مسلم بمطالعته لئلا تنطلي عليه تلبيسات الإخوانيين والسروريين:

رابط تحميل الكتاب:

https://www.islamancient.com/ar/?p=15297

 

[النقطة الرابعة]: تصريح كثير من السرورية والإخوانيين بأن كل مَن لم يعتقد صِحة ما فعلته حماس -الذي تقدم بيان صورتِه- وأنكره وبيَّن خطأه، فهو كالمنافقين الذين مارَسوا الإرجاف على جيش المسلمين في عهد النبي ﷺ، وفريقٌ منهم ينصُّون نصًّا بهذه التهمة، وفريقٌ آخر يُغرق في العمومات الموافقة لعواطف عامة المسلمين والشارع الغاضب.

 

وقد يتكلم عن كل المسائل المتعلقة بالجهاد عدا المسائل الشرعية المتعلقة بترك القتال حال الضعف! وهذا أمرٌ متعمَّد لأجل تخوين كل من يُخالف منهجهم ورؤيتهم لهذه الأحداث، وليسهل عليهم اتهام خصومهم السلفيين بالنفاق والإرجاف، وليتم بث مناهجهم بشكل أوسع وأكبر … وكأن قتال الكفارِ لم ينزل فيه وحيٌ يتعلق بترك القتال لغير القادرين عليه، وأنها مسألة خاصة بالمنافقين والمرجفين!

 

نسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يُثبتنا على التوحيد والسنة حتى نلقاه، وأن يكبت اليـ@ـود المجرمين ويحفظ دماء الأبرياء في فلسطـ يـن وغيرها، وأن يكفي المسلمين شر الروافض الحاقدين، وأذنابهم الإخوانيين والسروريين.

 

كتبه/

محمد بن عبدالحفيظ

5 / 5 / 1445هـ

19 / 11 / 2023م


شارك المحتوى:
0