تأمين سبيل الحج


اللهم لك الحمد أن هديتنا للإسلام ، ولك الحمد أن علمتنا الحكمة والفرقان ، لك الحمد يوم أن حملتنا على ما سخرت من خلقك ، وسيرتنا في بلادك حتى أوصلتنا حرمك وأوقفتنا في مشاعرك ومناسكك ، في بلد تحكمه الشريعة ويسوده الأمن والرخاء وقد تخطف التشريد والجوع من حولنا ، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن إمامنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بعد فاتقوا الله عباد الله فإن تقواه أفضل زاد، وأحسن عاقبة في معاد، واعلموا أن الدنيا مضمار سباق، سبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، (إِنَّ الْعَـاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)

عباد الله : سارت ركائب حجاج بيت الله مودعة البيت والمقام والركن وزمزم والمشاعر كلها بعد ضيافة ربانية

وسياحة ايمانية .

فيا عبد الله الحاج :هل تدري أي مسير سرت ؟ وأي فج سلكت ؟ لقد سرت في اثر قافلة الأنبياء وعباد الله الصالحين ، استمع لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم لما قصد البيت البيت ، مر بوادي عسفان فقال : لقد مرّ به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق” ويمر صلى الله عليه وسلم بوَادِي الْأَزْرَقِ ‏ ‏فَيقولَ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ ‏ ‏جُؤَارٌ ‏ ‏إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ ) ثم يمر عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا ‏ ‏هَرْشَى ‏ ‏أَوْ ‏ ‏لِفْتٌ ‏ ‏فَقَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ‏ ‏يُونُسَ ‏ ‏عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ ‏ صُوفٍ ‏ ‏ خِطَامُ ‏نَاقَتِهِ لِيفٌ ‏ ‏خُلْبَةٌ ‏مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا )

ايها الحاج : لقد طفت بالبيت الذي طاف به أبيك إبراهيم

عليه السلام ويومها كان دعاؤه (رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ )

فهل علمت أن من أعظم أسباب نجاح الحج بعد فضل الله ورحمته أن كانت رعايته تحت دولة تقوم على التوحيد والسنة وتحكيم الشريعة ، فمنذ قامت والحج تقام شعائره خالية من طقوس الشرك والبدع الظاهرة ومن كان كذلك فإنه يرجى أن يكون الله معه يوفقه ويسدده ويؤيده ويسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة كما قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } إن هذا النجاح المبهر أمنياً وصحياً واقتصادياً في ظروف استثنائية حيث يجتمع الملايين من قارات العالم بلغات مختلفة وطبائع وعادات مختلفة في مكان ضيق بطبيعته يؤدون عبادة واحدة في مكان واحد في وقت واحد ثم ينهون مناسكهم دون وقوع حوادث تكدر أمنهم وطمأنينتهم وسعادتهم لهو أمر يصعب تصوره لولا تأييد الله وإعانته ولطفه فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

ايها الحاج : لقد طفت بالبيت الذي طاف به أبيك إبراهيم عليه السلام وكان دعاؤه ( ‏رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) قال الإمام ابن القيم : فاستجاب اللَّه دعاءه شرعاً وقدراً، فحرّمه اللَّه تعالى في الشرع، ويسّر من أسباب حرمته قدراً ما هو معلوم، حتى إنه لم يُرده ظالم بسوء إلا قصمه اللَّه تعالى، كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم ) فهل جال في خاطرك أن من أسباب النجاح أن الله تعالى هيأ لهذه البلاد

قادة ناصحين صادقين حريصين على خدمة الحرمين

الشرفين وراحة الحجيج .

فأي أمن ترفلون به ؟ أين عصابات السطو المسلح التي كانت تعترض قوافل الحجيج فتقتلهم وتسلبهم وتسبي نساءهم من الباطنية ومن جفاة الأعراب بعد أن لقي المسلمون منهم بلاء عظيماً حتى كانت تمر سنوات بعد سنوات وقد تعطل فيها الحج تماماً ، اقرؤا ما ذكره مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي أنه في سنة 316 هجرية “لم يحج أحد فى هذه السنة خوفا من القرامطة” ، وفي العام الذي يليه وقف المجرم الطاغية أبو طاهر القرمطى،

على باب الكعبة يوم الثامن من ذى الحجة منشدًا :

أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا

وقد تعطل الحج فى هذه الأعوام الى ما يقار العشرة أعوام، لم يقف أحد بعرفة ولم تؤد المناسك، وذلك لأول مرة، منذ أن فرضت الشعيرة.

وأما سنة 357 هجرية، فيذكر الإمام ابن كثير فى

“البداية والنهاية”، أن داء الماشرى انتشر فى مكة، فمات به خلق كثير، وفيها ماتت جمال الحجيج فى الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج.

وفى سنة 419 هجرية لم يحج أحد من أهل المشرق ولا من أهل مصر .

وبعدها بسنة تعطل الحج أيضا سوى شرذمة من أهل العراق ركبوا من جمال البادية من الأعراب ففازوا بالحج، وبعدها بتسع سنين لم يحج أحد من العراق وخراسان، ولا من أهل الشام ولا مصر.

وفي منتصف القرن السابع (من سنة 654 إلى سنة 658 هجرية أي ) ولمدة أربع سنين لم يحج أحد من سائر الأقطار ما عدا الحجاز .

بل طالعوا تواريخ بلدكم هذه القريبة كتاريخ ابن بشر

أيام الفتن ابان سقوط الدولة السعودية.

بل دونكم تاريخكم القريب وقبيل توحيد البلاد وضم

الحجاز ، منع والي الدولة العثمانية على الحجاز الشريف أهل نجد والوديان من الحجّ خمس سنوات ،ومن رآه الشريف حاجّاً منهم حبسه وعذّبه.
كان من أعظم أسباب هذا الانحدار والاستهانة بشأن هذا الركن العظيم هو إهمال الحكام لشأن جزيرة العرب وإهمالهم للحجاز والحرمين حتى إن راعية الحرمين آنذاك الدولة العثمانية والتي حكمت العالم الإسلامي قروناً طويلة لم يحج من سلاطينها أحد إلى أن سقطت.

وإنّ حرص قادة هذه البلاد وفقهم الله على الحرمين

الشريفين والمشاعر المقدسة وشعائر الحج قد أثر في

رجالهم من الأمراء والوزراء والمسؤولين والعسكريين

والمدنيين بل في كل فرد من أفراد الشعب والحمد لله فكل منهم يملك شعور الحب لضيوف الله ويتمنى خدمتهم والتعب في سبيل راحتهم ولقد رأى الحجاج بل العالم أجمع تلك النماذج الفريدة المتفانية في خدمة حجاج بيت الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله الذي آوى من إلى لطفه أوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوى بإنعامه من يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله من اتبعه كان على الخير والهدى، ومن عصاه كان في الغواية والردى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: عباد الله من السنن المهجورة ، ما ذكره ابن رجب في لطائفه عن أبي معاوية الضرير عن حجاج عن الحكم قال، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم لأنهم وفد الله في جميع الناس )

قال البخاري في صحيحه : باب استقبال الحاج القادمين وأورد حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم مكة استقبلته أغيلمة بني

عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه

وروى مسدد بسند حسن عن المهاجر قال: قال عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه قال: (يغفر للحاج ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر
وعشرًا من ربيع ) وروى أحمد بسند لابأس به عن حبيب بن ابي ثابت قال : خرجت مع ابي نتلقى الحاج فنسلم عليهم قبل أن يتدنسوا )

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على خيرِ الورَى الحبيبِ المُجتبَى والرسولِ المُرتَضَى، كما أمركم المولى -جل وعلا-، فقال تعالى قولاً كريمًا (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )،
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلهِ وأزواجِه وذريَّته، كما صلَّيتَ على إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد ، وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعةِ الخلفاء الراشدين، الأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واجعل العزة والنصر لعبادك الموحدين.
اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين, اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل عدو للإسلام والمسلمين من الخوارج المارقين والرافضة الحاقدين والعلمانيين المنافقين ، اللهم اكشف أمرهم و تدبيرهم ، وأفشل مخططاتهم ، اللهم أكفنا شرهم وشر أمثالهم يارب العالمين ، اللهم مكن ولاة أمرنا منهم حتى يحكموا فيهم بكتابك وسنة نبيك.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح

ووفِّق أئمَّتنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا.

اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


شارك المحتوى: