الصدق في بيان دين الله


الصدق في بيان دين الله

الدين فيه مسائلُ عظيمة، ومعان عميقة إذا حاول الإنسان فهمها وتطبيقها دون رجوع إلى الأدلاء من أهل العلم المؤتمنين ضلّ وأضلّ.

وقد قال رجل للإمام مالك لما توقف في الإجابة عن مسألة: هذه مسألة سهلة.
فقال له الإمام مالك: كلا لا تقل ذلك، ليس في العلم شيءٌ سهل، إنّ العلم ثقيل، فالله تعالى وصفه بقوله: ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ).

الله تعالى لم يخلقنا عبثاً، ولم يترُكنا سُدًا وهملا، ولم يجعل الدين الذي اختاره وأكملهُ وأتمَّ به النعمة كلأ مُباحًا لكلّ أحد، يقول فيه ما يشاء، وينسبُ إليه ما يشاء.

باسم الدين زعم أقوام من المضلّين أنّ الإكثار من الذنوب والمعاصي فضيلة، وأنّ التخفّف من الآثام والأوزار والتّجافي عنها سوءُ ظنّ بالله، فقال قائلهم:

فكثّر ما استطعت من الخطايا… إذا كان القدومُ على كريم

وباسم الدين زعم أقوام من الملبّسين أنّ الاشتغال بطلب الرزق، واستفراغ الإنسان وقته حتى يبيت كالّا من عمل يده، في سبيل البحث عن لُقمة العيش وكِسرة الخبز مخالف لما أمر الله تعالى به من صدق التوكّل عليه، وعدم الالتفات إلى المخلوقين في حصول الخير والضرّ والإعطاء والمنع، فقال قائلهم:

جنونٌ منك أن تسعى لرزق … ويُرزقُ في غشاوته الجنين

وباسم الدين – والله المستعان- استباح أقوامٌ من الزائغين دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، تحت مزاعم الردّة ودعاوى التترّس وقتال الطوائف الممتنعة، ولسان حالهم يقول:

فإنا لا نفرّ من المنايا … ولا ننحاش من ضرب النّصال
ولكنا نقيم لكم طعانا … وضربًا يختلي هام الرجـال

إننا اليوم في أزمة عظيمة، ومصاب جلل، يحتاج فيه كلّ مسلم إلى أن ينقطع إلى ربّه، ويُحسن الصّنيعة معه، ويعود لرشده، ويحكّم عقله وفق المنهج الحقّ، قبل الإقدام على ما يضرّ الدين، ويتسبّب بالجنايةِ على أهله.

المسألة لم تعد تحتمل السّكوت والمداهنة، لا غناء عن المفاصلة والاصطفاف والتخندق وتمايز الصفوف، فمن أراد أن يكذب على الله ويحرف الدين ويضل شباب وشابات المسلمين، فالمتعين بيان حاله وكشف زيوفه.

يجب أن يتميّز أهل الحقّ عن أهل الضّلال، بدعوتهم إلى التوحيد الخالص وتمسّكهم بالسنّة البيضاء التي لم يخالط وضوحها، ولم يكدّر صفاءها شيء من أدران البدع وأوضارها.

وليعلموا أنّ الأهواء المضلة والأفكار الفاسدة كالأوبئة الضّارة والأمراض المُهلكة، من السّهل انتشارها واستفحال ضررها وتأثّر النّاس بآفاتها وصعوبة تعافيهم منها، وذلك عندما يرتادون أماكنها، ويغشون أصحابها، ويدخلون مواقعها ويخالطون المُبتلين بها.

لا بدّ من الصّدق والصّراحة في بيان دين الله، لابدّ من وضوح الرؤية وصفاء المشرب وتسمية الأشياء بأسمائها.

لا مكان في الدعوة إلى منهج الله لأنصاف الحلول والألوان الرمادية والكلمات المحتملة والألفاظ المخمليّة التي لا تنطقّ بحق،ّ ولا تكسر باطلا، ولا تُزيل شُبهة.

كتبه محمد بن علي الجوني


شارك المحتوى: