الرد على د. عبد الله المطلق في تجويز صدقة الفطر نقودا


يقول السائل: ما رأيك فيما ذكره عضو اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية الشيخ عبد الله المطلق من جواز إخراج صدقة الفطر نقودًا؟ وأن هذا قول الإمام البخاري وابن تيمية وأكثر المجامع الفقهية اليوم؟

الجواب:

ليُعلم أنَّ الدكتور عبد الله المطلق كان من اللجنة الدائمة لكنه أُبعد من سنين، وليُعلم أنَّ عزو هذا القول للإمام ابن تيمية وهمٌ، كما وهِمَ قبلُ ونسبَ للعلامة الألباني أنه يُجوِّز إحياء ليلة النصف من شعبان، وعنده أوهام أخرى وليس هذا موضع ذكرها.

ومن أوهامه نسبة ذلك إلى البخاري، فإنَّ كلام البخاري في الصحيح موجود وليس صريحًا، فلا تصح النسبة إليه، وقد بيَّنت هذا في بعض المواضع.

وبعضهم ينسب هذا إلى الإمام أحمد، والرواية المنصوصة عن الإمام أحمد أنه لا يجيز إخراج النقود في صدقة الفطر، ومن نسب له رواية فقد أخطأ، وغايتها أنها مُخرَّجة وهي خطأ، كما بيَّن ذلك ابن مفلح والمرداوي.

فنسبة هذا القول إلى هؤلاء العلماء خطأ.

وللإفادة: نسبة هذا للصحابة خطأ بناءً على ما روى ابن أبي شيبة وابن زنجويه في كتابه (الأموال) أن أبا إسحاق السبيعي قال: ” كانوا يعطونها …” يعني الصحابة، فإن هذا الإسناد ضعيف ولا يصح كما بينته في الإجابة السابقة في قناتي بالتلقرام، وقد فصلت الجواب في ذلك.

فإخراج صدقة الفطر نقودًا لا تصح لأسباب:

السبب الأول: أن الشريعة أمرت بصاع من طعام، أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ” فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير …” الحديث، وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أنه قال: ” كنا نعطيها في زمن النبي ﷺ صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير …” الحديث.

فهذا الذي كان يُخرجه الصحابة وهو الذي أُمروا به.

السبب الثاني: أن المال والثمن ليس معتبرًا في صدقة الفطر بخلاف صدقة الأموال، ويؤكد ذلك أن قيمة صاع الشعير تختلف عن قيمة صاع التمر، وعن صاع البر …إلخ، ومع ذلك لم تلتفت إلى ذلك الشريعة، فدل على أن المال والنقود ليس معتبرًا، وقد ذكر هذا الخطابي -رحمه الله تعالى- في كتابه (معالم السنن).

السبب الثالث: أن صدقة الفطر تتعلق بالأشخاص، لذا يدفع الرجل الغني أو الفقير القادر صاعًا، مهما كان ماله كثيرًا، بخلاف صدقة الأموال فإنها متعلقة بالأموال لذا تُخرج أموالًا، فلذا صدقة الفطر لا تُخرج إلا طعامًا.

إلى غير ذلك من الأسباب التي ذكرتها في الجواب السابق.

فبهذا يتبيَّن أنه لا يصح، وأن القول به قولٌ بالرأي، وقد روى ابن عبد البر عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: إياكم وأهل الرأي، أعيتهم الآثار أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا.

وقد سمعته يقول في أحد أجوبته حول هذه المسألة: هذا ليس بالرأي، بل قياس.

فيقال: القياس الذي لم تتوافر فيه أركان القياس هو الرأي، وهو الذي أنكره السلف، وهو الذي شددوا فيه، وهو الذي قال فيه ابن سيرين: ما عُبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. وذلك هو القياس الفاسد وهذا منه، فلا يصح القول به.

ثم أرجو أن يُنتبه إلى أن هناك فرقًا بين من يتكلم في هذه المسألة بدافع الأدلة ويُباحثها، والآثار ويدرسها، وبين من يتكلم باستحسان الرأي، بأن هذا ينفع الفقراء …إلى غير ذلك من المعاني، فهذا رأي ولا يُلتفت إليه، ومَن تكلم في هذه المسألة كبعض أهل العلم الماضين بدافع الدليل، وبدافع ظن ثبوته عن الصحابة وغير ذلك، فرقٌ بين هذا وبين من يتكلم بدافع الرأي المحض والقياس الفاسد، فهذا لا يجوز.

وأشد من ذلك مَن يحتج بوجود الخلاف لتجويز صدقة الفطر بالمال، وأشد من ذلك من يحتج بالمجامع الفقهية اليوم، ورأس المجامع الفقهية ومقدمها هيئة كبار العلماء في السعودية، واللجنة الدائمة العلمية للإفتاء التي يرأسها العلامة ابن باز سابقًا، ثم سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ حاليًّا، وفيها العلماء الكبار كالعلامة صالح الفوزان، والعلامة الغديان، والعلامة عبد الرزاق عفيفي …إلى آخر العلماء الكبار -رحم الله حيهم وميتهم-.

فرقٌ بين هذا المجمع القائم على هؤلاء الجبال وبين أن يأتي مجمعٌ فقهي يقوم وراءه دعاة حركيون، أو مجمع فقهي يقوم وراءه أهل رأي وعدم مبالاة بالنص ولا الدليل، إلى غير ذلك.

فلا تُرد الأدلة الشرعية وما عليه العلماء المعتمدون -سواء في السعودية أو خارج السعودية- كالألباني في الشام ومقبل الوادعي في اليمن وعبد الرزاق عفيفي وهو مصري، إلى غير ذلك من العلماء الكثيرين لأن فلانًا أو فلانًا أو المجمع الفلاني خالف.

فأدعو الدكتور عبد الله المطلق أن يتقي الله، وأن يعلم أنه مُحاسب على كلامه، وأنه غدًا موقوف بين يدي الله، وأدعو الناس أن يتقوا الله وأن يكونوا حذرين في دينهم ومحتاطين، فإن المسألة جنة ونار، وموت وحياة.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

1097_1


شارك المحتوى:
0