الحياة فرص وغصص


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أيها الأخوة: اعلموا حفظكم الله أن أشرف شيء بين يديك عمرك , ووقتك هذا الوقت هو أشرف شيء أعطاك الله عز وجل ولهذا قال بن الجوزي رحمه الله: الوقت أشرف شيء .
وضرب بعض العلماء مثلاً لشرف وقت الشخص قالوا: الشخص الذي يعيش دهراً في الذنوب والمعاصي ثم يكرمه الله بالتوبة ولو في ساعة قبل الموت ينال بها السعادة الأبدية فلولا تلك الساعة ما نال السعادة الأبدية فهذا يدلك على عظيم شرف وقتك الذي أنت فيه ، (الساعة التي أنت فيها ) وكذلك أيضاً لما كان الوقت بهذه المكانة وله هذا الشأن بين الرسول عليه الصلاة والسلام أهمية اغتنامه واستغلال فرصة القدرة على ذلك فقد جاء من حديث بن عباس عند الحاكم وغيره أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وفراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وشبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك).
هذا الحديث جمع بين أمرين اثنين بين بيان الفرص وبين بيان الغصص
قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكون
وقال الوزير بن هبيرة الحافظ:
والوقت أعظم ما عليك بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
الوقت يحتاج إلى استغلال أيما استغلال فمن استغل الوقت كما ينبغي وكما يراد بلغ كل مبلغ من الخير ومن لم يعرف استغلال الوقت وقيمة الوقت وشرف الوقت فإنه سيخسر أعظم خسارة في الدنيا والآخرة .
هذا الحديث العظيم موعظة وأي موعظة لمن كان عاقلاً متدبراً متأملاً قال الرسول عليه الصلاة والسلام: اغتنم خمساً قبل خمس الخمس هذه إذا لم تُغْتَنَمْ ستأتي بعدها خمس (الخمس الأخر) إن لم تستغل الخمس الأول جاءت الخمس الأخر لإكمال خسارة الشخص نعوذ بالله
الرسول قال اغتنم خمساً قبل خمس ثم وضحها قال: قال شبابك قبل هرمك
كيف يفهم الشباب عمرهم هذا الطيب، ووقتهم هذا النفيس، والحياة هذه التي هي زهرة العمر، كيف يفهمها؟ إلا من رحم الله يفهم أنه الآن يلعب ويمشي حاله ويظن أنه بعد مدة سيكون أقدر على أن يتعلم وعلى أن يعبد الله وعلى أن يفعل الخير وعلى وعلى …
يظن أن هذا سيكون سهل عليه!! متى ؟
عندما يمشي عن مرحلة الشباب لا
الرسول قال شبابك قبل هرمك الشخص كلما كبر كلما كثرت مشاغله وعلاقاته ومسؤولياته ومطالبه في هذه الحياة والعوائق تكثر عليه
فالذي يفهم أنه سيكون بعد مرحلة الشباب مستغلاً للعمر والوقت أحسن منه في وقت الشباب هذا لم يفهم الفهم السديد ولكن ضيع فهمه السديد لهذا الحديث الكريم قال الرسول شبابك قبل هرمك هذا إذا عشت إلى أن تهرم وإلا فكم من شباب يموت في شبابه قال وصحتك قبل مرضك ما تدري متى تمرض ما تدري متى تتغير أحوالك لكن الساعة التي أنت فيها إن استغليتها ستحقق من أنواع الخير ما لم يكن في الحسبان فمن لم يستغل الشباب، الفراغ، الصحة، الحياة كذلك الغنى جاءته المنغصات يأتي وقت الكبر في السن يريد أن يعبد الله , يريد أن يعرف الله يريد يريد … لكن لا يستطيع
يتذكر أيام الشباب أين ذهبت تلك الأيام لما ضيعت تلك الأيام أين عقلي في تلك الأيام يا عباد الله يا معشر الشباب والطلاب الحياة غالية ليست الحياة لعباً تضيع كيفما كان قال العلامة بن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر
قال 🙁 رأيت الناس يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ) كلٌ يحاول يتخلص من وقته هذا يتخلص منه بكثرة الضحك وهذا بكثرة النوم وهذا بكثرة اللعب وهذا بكثرة المزاح وهذا بكثرة الجلوس مع الغافلين لا يهمه أن يستغل هذا الوقت النفيس فيما يعود عليه بخير هذه أحوال كثير من المسلمين ومن هنا انتظر الدواهي تأتي لمن كان على هذه الحال، فهذا الحديث العظيم الذي سمعتموه اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك أنت إما في خسارة أو في سعادة إن استغليت الوقت الذي أنت فيه اليوم الذي أنت فيه
الليلة التي أنت فيها
الساعة التي أنت فيها
إن استغليتها فقد عرفت شرف وقتك ووفقت وهديت وأعنت ونصرت على ما ينبغي أن تقوم به وأن تعمل قال بن القيم رحمه الله تعالى( ضياع الوقت أشد من الموت) لو علمت أنك ستموت ماذا يكون موقفك
قال (لأن الموت يقطعك عن الدنيا وضياع الوقت يقطعك عن الله )كما أن الوقت أشرف شيء فضياعه أشر شيء
ضياع الوقت ضياع الشخص لعمره ولوقته أو لجزء من عمره أو من وقته هو أضر شيء عليه
أيها الأخوة هذا الأمر وهو أمر الفرص واستغلال الفرص أمر في غاية الأهمية أن يتنبه لذلك المسلم
ربنا جل شأنه يقول في كتابه الكريم مخبراً عن من لم يستغلوا أوقاتهم في مرضاته وطاعاته قال: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (56 الزمر)
أي فرطت في حق الله وفي طاعة الله كم من شخص تأتيه الطاعة فيحاول أن يتخلص منها كيف كان وأن يتأخر عنها بقدر الإمكان أو يتركها إن قدر على ذلك
انظر ماذا يفعل من خذله الله سبحانه وتعالى
قال بعض السلف عجباً لمن يعلم أن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبله عليه فيقبل على الدنيا المولية ويترك الإقبال على الآخرة المقبلة عليه
الدنيا هذه منتهية وانظر كم قد ذهب من عمرك ومن عمر غيرك واسأل أباك واسأل جدك الذين عاشوا والذين ذهب من عمرهم عشرات السنين عشرات السنين ماذا معكم منها؟ ماذا استفدتم منها؟ ماذا حققتم من عزٍ ومن سعادةٍ ومن خيرٍ عظيم وبذل كبير في ما ينفعكم؟ لوجدت أنهم يشكون ويبكون ويئنون ويتحسرون على العمر الذي صرف والذي ضيع في غير محله
فما أكثر ما يهتم الناس بدنياهم التي هي راحلة عنهم والتي ستتركهم والتي ستقطعهم عن الله رب العالمين والتي قد ضمنها الله لهم لم يزيدوا شيئاً من عندهم ولم ينقصوا شيئاً مما قد كتب لهم وهم مقبلون عليها في الليل وفي النهار والآخرة متى الإقبال عليها؟ عند الموت!!! عند النزول تحت الصخور !! والحياة بين الأجداث والصخور.!!!
قال بعض العلماء رحمهم الله: عجبت لمن يهدم يومه شهره وشهره سنته وسنته عمره ومن ثم يفرح بذلك يفرح أن اليوم هذا ذهب وأن الشهر هذا ذهب وأن السنة هذه انتهت ودخلنا في سنة ثانية .
أين أنت من الحساب على كل لحظة وآن وعلى كل ساعة وعلى كل أمر؟ أين أنت من هذا؟
هذه أعمار غالية جداً أعطاك الله إياها لتعبده حق عبادته فأين العبودية له سبحانه؟
عجبت لمن يتم له السرور بدار كل ما فيها غرور
وكيف يلذ ساكنها بعيش ويعلم أن مسكنه القبور
جاء من حديث ابن مسعود عند أحمد والترمذي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ) أنظر الدنيا مثل ظل الشجرة فماذا مع الناس إن لم يستغلوا هذا الوقت في ما يرضي الله وفي ما يبيض وجوههم يوم أن تسود الوجوه بين يدي الله رب العالمين سبحانه وتعالى
والرسول الناصح الأمين عليه الصلاة والسلام يأتي إلى بن عمر ويأخذ بمنكبه ويقول : (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ) هذه حقيقة الدنيا أنها ليست وطناً لك تريد أن تبقى لن تبقى تريد أن تنعم لن يبقى النعيم تريد أن تأمن لن يبقى الأمان تريد أن تدوم لك الصحة لن تبقى الصحة
الحياة كلها ستتغير وستذهب وتنتهي ولن يبقى إلا ما قدمه العبد من خير أو شر .
ابن عمر أخذ بهذه النصيحة فماذا قال زاد من عنده موضحاً النصيحة وقال: (إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) هذا رجل سعد بهذه النصيحة التي أعطاه النبي عليه الصلاة والسلام فرضي الله عن بن عمر سئل نافع ما كان عمل ابن عمر؟ قال: كان عمله أن يتوضأ ما بين الوقت والآخر يعني مستمر في أداء العبادات وفي أفعال الخيرات وفي القيام بالطاعات رضي الله تعالى عنه
انظروا النصائح إذا أخذت بحقها فلهذا بن عمر ما مات حتى قال بعض الناس ما نظن إلا أن الله قد غفر له رضي الله تعالى عنه
فالحياة ليست لك وليست بيدك وليس الرزق من عندك ولا الوقت ولا الأنفاس إنما أنت في هذه الحياة مسافر فيها وإن جلست إلا أن الأمر هكذا ولهذا قال بعض العلماء الناس وإن كانوا واقفين إلا أن كر الليل والنهار يسير بهم إلى الجنة أو إلى النار فمن سار إلى الله سار به زمانه وسار به وقته إلى الجنة ومن لم يسر إلى الله سار به عمره ووقته إلى جهنم وبئس القرار
الحياة غالية لا يجوز أن نرخصها بالجهل الذي فينا والغفلة التي جثمت على قلوبنا إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى فاحرص يا عبد الله على وقتك ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.
قال بن النحاس رحمه الله تعالى:( ضم القليل إلى القليل يورثك الكثير العجيب)
يعني طاعة إلى جانب طاعة وخير إلى جانب خير وحسنة إلى جانب حسنة مع الأيام يصير معك ملك عظيم من الخير هذا عندما تثابر وتداوم وتتابع الأعمال الخيرية وتقوم بما ينبغي فإذا ترك هذا وضيع الوقت هنا وهنا وهنا … ظهر للعبد الفشل كم ضيع من أوقات في ليلة في نهاره في سفره في حضره في شبابه في أمنه كم ضيعها إذا به فاشل خاسر نعوذ بالله
ثم ضرب مثلاً لهذا الكلام الذي هو ضم شيء إلى شيء هو قليل لكن مع الأيام يصير كثيراً ويصير عجيباً
ضرب مثلاً بأن أبا الوفاء بن عقيل هذا من علماء الحنابلة ألف كتابه الفنون من ثمانمائة مجلد انظر عند بداية التأليف بدأ بكتابة حرف انظر المواصلة والمتابعة والاستمرارية والمثابرة كم صار معه من مؤلفات وهكذا أنت وهكذا نحن جميعاً إذا استمريت تثابر في أداء الطاعات في باب الصلاة في باب الصيام في باب قراءة القرآن في باب بذل خير ونصح وتعليم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وصدقة وصلة رحم إلى غير ذلك ستجمع من الخير ما تكون ملكاً من ملوك الآخرة ليس من ملوك الدنيا ولكن من ملوك الآخرة وإذا ضيعنا هنا يضيع القرآن وهنا يضيع العلم يستيقظ الشخص وهو فاشل عياذاً بالله
قال بعض العلماء حب الدنيا خمر الشيطان فمن ابتلي بها فلا يستيقظ إلا وهو في معكر الموتى بمعنى أن حب الدنيا أخطر على صاحبه من شرب الخمر وإن كان هذا لا يدرك وإن كان هذا لا يعني أن الجرم في حب الدنيا أعظم بالأدلة ولكن من جهة أن من ابتلي بحب الدنيا يؤخذ شيئاً فشيئاً إلى البعد عن الله وإلى الضياع والغفلة والتكاسل والملل واللعب والضعف حتى لا يكاد بعضهم يستيقظ إلا وهو على شفير القبر أما الذي يسكر سكر خمر وندامة يسكر ساعة أو ساعات ثم يستفيق فهذا خمر أشد على من ابتلي به في الضرر إن دام فيه من شرب الخمر عياذاً بالله وحب الدنيا أبعد الناس عن ما يفعلونه لأخرتهم فتجد الشخص ليس إلا مع الدنيا مهما كان أذاها ووبالها أو عليك مهما أضرت بك فهو كالوحش يلحق ويكد ويبذل في سبيل أمر الدنيا هؤلاء ممن لم يرد الله بهم خيرا
استغلال الأوقات في أي المجالات أمرٌ في غاية الأهمية
ومن الأمثلة العجيبة في الحرص على الوقت عند طلاب العلم النابغين والنبيهين والموفقين ما ذكر أن محمد بن السلام البيكندي وهو شيخ البخاري كان في الحلقة في حلقة شيخه فانكسر قلمه انكسر قلمه فماذا يفعل قال القلم بدينار وكان ذا مال فقال القلم بدنيا يعني من يعطيني قلم أعطي له دينار فكثرت له الأقلام بين يديه كل يرمي بقلم ليأخذ الدينار
قال الشراح لهذا الأثر قالوا: بن سلام حافظ على الوقت لو خرج يشتري قلماً متى يرجع ؟ وقد ذهب الدرس!!!
أو ذهب بعض الدرس قالوا لو أنه قال من يعيرني قلماً قد لا يجد من يعطيه قلماً لكن أخذ المسألة بجد حتى لا يضيع عليه شيئ من الدرس فقال قلم بدينار فما توقف عن الكتابة اعطي له القلم على طول فثابر على الكتابة والمحافظة على الدرس فهذا من جلمة التوفيق ولهذا في تهذيب الكمال أن ابن سلام هذا قال أنفقت أربعين ألف دينار في طلب العلم وأنفقت أربعين ألف دينار في نشر العلم في طلب العلم ينفق وفي نشر العلم ينفق هكذا الغيرة على الدين وهكذا الخدمة للإسلام وهكذا التفاني في حب الخير وفي إقامته وفي الدعوة إليه والحرص عليه يا عباد الله الإسلام ما حفظ والإسلام ما انتشر ولا قام الإسلام إلا برجاله وبأهله وبحملته الذين كانوا أحق به فتباً لنا إن لم نكن حريصين على أننا نخدم دين الله وأننا نسعى في إصلاح أنفسنا ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً .
ولو جئت تقرأ في سير السلف وكيف حافظوا على وقتهم نجد أنفسنا بجانبهم فقراء مساكين منا من ابتلي ومنا من جهل ما ينبغي أن يحرص عليه
فقد جاء أن ابن المبارك رحمه الله رحمه الله كان بعد أن ينتهي من صلاته ودرسه يدخل بيته فقيل له يا أبا عبد الرحمن ألا تجلس معنا نحدثك وتحدثنا؟
قال: إني أجلس مع من هو خير منكم.
قالوا: ومن هو؟
قال: أجلس مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
كم زميل يحب ضياع الوقت مع زميله الذي يضيع الوقت مثله ولا يريد أن يفارق هذا الزميل ويعيش مقبلاً على نفسه
قال بن الجوزي رحمه الله كما في صيد الخاطر قال من أعظم أسباب المحافظة على الوقت العزلة
يعني أن الشخص يعتزل الناس لأن الناس في الغالب إلا من رحمه الله لا يهمه الحفاظ على الوقت يضيعونه بالكلام الذي لا يعود عليهم بنفع وبالقيل والقال والغيبة والنميمة وما إلى ذلك فمن كان حريصاً وحصيفاً لا يرضى أن يضع وقته هنا وهنا
فمتى نطلب العلم ومتى نجد لذة العلم ومتى نصدق مع الله في طلب العلم ؟
ومتى نعرف قيمة العلم وعظمة العلم وخيرية العلم وعظيم النفع والفقر إلى العلم إذا كنا نرضى بضياع الأوقات ؟
أيها الأخوة نعود إلى استغلال الفرص رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام يقول كما جاء من حديث صهيب الرومي عند مسلم (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) من هو هذا المؤمن هذا المؤمن المتفقه في دين الله المؤمن العارف بالله المؤمن الذي عرف قدر نفسه وعرف وقته وعرف لما جاء إلى هذه الحياة هل جاء ليلعب هل جاء ليضيع هل جاء ليجمع الذنوب والمعاصي ليبغي ويتعدى أم جاء ليعبد الله ويحقق النصيب الأكبر من عبودية الله رب العالمين؟ الرسول يقول إن أمره كله له خير صارت حياته كلها مسرات وخيرات وأجور حسنات ماذا تريد بعد هذا لمن أعطاه الله عز وجل هذا الخير ولا شك أن المؤمن لا يقدر على أن يستغل وقته وعمره في مرضاة الله إلا إذا تفقه في الدين إما إذا لم يتفقه في الدين فلم يقدر على استغلال عمره لأن الاستغلال هذا يحتاج إلى فقه في الدين و إلى العمل بمقتضى الفقه في الدين ولهذا كان العلماء هم أعظم من عرفوا قيمة الوقت وحرصوا على الوقت فكم علموا وكم بذلوا وكم وكم وما ذاك إلا لمعرفتهم بالوقت وشرفه والعمر وشرفه فيموت العالم ولا يموت خيره ولا يموت بره ولا يموت علمه ولا يموت إحسانه لأنه استغل العمر وعرف أن الحياة هذه حياة عظيمة ليست للعب ولا للضياع فنحن يا معشر طلاب العلم بحاجة إلى أن نلحق بركب من وفقوا إلى هذا السير العظيم المبارك فأنصح لنفسي أولاً ولإخواني ثانياً أن لا نقتدي بأهل زماننا إلا من وفق منهم لا تقتدي بكثير من الشباب وبما عليه الناس حول شهواتهم وملذاتهم ودنياهم وليسوا حول ما يسعدون به حقيقة إلا من رحمه الله
فعليك والمطلوب أن نقتدي برسولنا أولاً وثانياً بصحابته ومن تبعهم بإحسان
مرَّ شُرَيحٌ القاضي بخياطين قاموا بعمل الخياطة فانتهوا من عملهم فمر بهم وهم يلعبون
قال لهم: مالكم تلعبون؟
قالوا: انتهى عملنا.
قال: وهل من انتهى من عمل قام يلعب!! ألم يقل الله لنبيه:
{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} سورة الشرح
وإلى ربك فارغب ما فيه في هذه الحياة حقيقة فراغ عند من عرف حقيقة الوقت إما أن يشغل بالخير وإما أن يشغل بالشر إما أن يصرف فيما ينفع أو فيما يضر لا تظن أن الوقت سيصرف في غير هذين الأمرين فلا بد من أحدهما فالعاقل يقول إذاً أذا كان الأمر كذلك أصرف وقتي فيما ينفعني وفيما يسبب سعادة لي في دنياي وفي أخراي هذا العاقل أما من ليس بعاقل فيفرح متى وجد الفراغ فيفرح من أجل أن يعمل ما يعمل مما يضره عياذاً بالله فالنصيحة كما سمعتم أننا نستغل بقية أعمارنا الله أعلم كم بقي من أعمارنا عمرنا ليس بأيدينا ما نملك ساعة بل ما نملك ثانية ما تملك الوقت الذي تأكل فيه لقمة عيش إلى بطنك ما تملك هذا الوقت فأنت تقول أنا هذا الوقت سآكل حتى أنتهي من اكلتي وحتى أشبع لا ليس بيدك هذا فقد يهاجمك الموت وأنت في منتصف أكلتك فلا تتمها وأنت يهاجمك الموت وأنت في الحمام ما قد خرجت منه يا عباد الله انتبهوا ننتبه لأنفسنا فالواحد منا قد يطول أمله ويقول العمر باقٍ وسنفعل وسيكون وسيقع… والعبادة ستأتي في الأيام المقبلة وفي العمر الأتي البعيد الآن دعنا نضيع ونضيع و نقع في ما يغضب الله هذا من أعظم الانحراف
قال الشاعر:
ومن يقل إني شبـاب أصبر ثم أطيع الله حين أكبر
فإن ذاك غــره إبليس وقلبه مغلق مطموس
لا خير في من لم يتب صغيرا ولم يكن بعيبه بصيرا
فالشخص لا يحتاج أن يضيع هذا العمر النفيس الشباب وقت الشباب ما تزال خفيفاً ما قد شغلت لا بأولاد ولا دبت فيك الأمراض ولا تجمعت عليك المسؤوليات أنت شباب شاب عندك فراغ ما شاء الله لا ترضى بتضييعه إني لك لمن الناصحين خذ سنة في الجدية في وقتك وسيأتي في آخر السنة ومعك حصيلة علمية واذهب إلى مضيع لوقته وقل له أيش عندك من حصيلة كم حفظت من القرآن كم تلقيت من دروس كم كذا كم كذا ستقول الحمد لله الحمد لله الذي أكرمني وأعانني والذي وفقني من عنده لولا توفيقه لضعت كما ضاع هذا فانظروا إلى النتائج حفظكم الله والعواقب الطيبة فكم من شخص في هذا المكان وفي أمثاله من الأماكن التي فيها العلم النافع ما تمر عليه إلا بضعة شهور وقد حفظ القرآن وغيرك من ملايين الناس لا يقدرون على ذلك في سنين ولا في أعمارهم وأن أعطاك الله القدرة فحفظته بهذه السرعة وصحتك ما شاء الله وحياتك طيبة وأنت في راحة قلبية وفي طمأنينة وفي انشراح هل نزل بك ضيق لأنك تتعلم هل حصل لك شر لا والله العلم نور العلم غذاء القلوب فكيف نضيع غذاء قلوبنا فكيف نضيع النور الذي نستنير به في حياتنا هذه فحذار حذار من ضياع العلم والتلاعب بالعلم والإهمال في طلب العلم وأن يكون الشخص وجوده فينا كمن لا وجود له نصيبه منا ما بين طرف ما بين نوم ما بين كذا ما نحب لك هذا ولا نرتضي لك بهذا نحب لك أن تكون أرفع من هذا أن تسابق زملائك وإخوانك في الحفظ والمراجعة في الأدب في العبادة من أراد أن يتعود قيام الليل ويحرص على ذلك ويتعلم قيام الليل أنت شاب عندك ما شاء الله فراغ ولهذا يوصي العلماء أن من أراد أن يقوم بشيء من الليل أنه ينام القيلولة ينام في ذلك الوقت مدة من الزمن يعينه على قيام الليل وعلى النشاط في الليل فهذه فرصة لا تعد بعدها غصة إذا لم نهتم في ساعتنا هذه وفي وقتنا هذا الله أعلم كيف تكون حياتنا بعد مدة من الزمان فاحرصوا حفظكم الله على هذا الخير وعلى هذا التوجه المبارك إلى طلب العلم وإلى العلم وإلى العمل الصالح مقتضى العلم وإلى الآداب الكريمة والأعمال الحميدة توجهوا إلى هذا كله وارضوا بأن تكون هذه اللحظات أسعد لحظات في أعمارنا إن نحن أعطيناها ما سمعتم فستكون هذه اللحظات هي أسعد لحظاتك وأشرف أوقات عمرك ستذكر بعد مدة من الزمان وتقول الحمد لله كنت في اليوم أحفظ كذا كنت في اليوم أقرأ كذا كنت في اليوم أؤدي كذا من الأعمال والعبادات فيصير هذا الأمر من جملة المدح لك في مستقبلك إن أنت قمت به الآن وإن لم تقم به الآن فيقال ضيع وقت الزرع ووقت البذر من ضيع وقته وقت البذر فلن يحصد الثمار اليانعة في آخر عمره.
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وفضله وإحسانه أن يوفقنا جميعاً لاستغلال أوقاتنا فيما يرضيه وأن يعيينا على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
———————–
دار الحديث بمعبر
محمد بن عبد الله الإمام

شارك المحتوى: