الحكمة وأمثلة من تعجيل الثواب والعقاب في الدنيا


الحكمة وأمثلة من تعجيل الثواب والعقاب في الدنيا

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، أما بعد:

فيا أيها الناس ، أمرنا الله –عز وجل- بطاعته ، ورتب على ذلك أنواع الأجر والثواب ، ونهانا –سبحانه وتعالى- عن معصيته ورتب على ذلك أنواعًا من العذاب والعقاب ، ومن ذلك يا عباد الله أن الله تعالى جعل من ثواب الطاعة ومن عقوبة المعصية ما هو مُعجّل في الدنيا ولحكمة في ذلك والله أعلم إن بعض النفوس البشرية تهتم بالعاجل أكثر من الآجل ، فأراد سبحانه أن يرغبهم في الثواب ويحذرهم من العقاب في الذي سيحصل لهم في الدنيا ليزدادوا من الخير والطاعة ويرتدعوا عن الشر والمعصية.

ومن ذلك عباد الله : أن الله عز وجل جعل من ثواب المطيع أن يُجازيه بأحسن مما يظنه الناس ، وجعل من عقوبة العاصي العاجلة أن الله يُعامله بنقيض قصده ، وأن يعامله بعكس مراده تمامًا . وبالمثال يتضح المقال : فإن الله عز وجل أمرنا بحق واجب في المال كالزكاة ، والنفقة على الوالدين والزوجة والأولاد فهذه نفقات واجبة على المسلم ، فيما يظهر لنا أنها تنقص المال ! فإن الإنسان كلما أنفق من ماله فإن المال ينقص ولاشك ، لكن انظروا كيف هو يزيد

قال الله تعالى ، { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}.

الله أكبر تخرج المال فيضاعفه الله لك في الدنيا وأنت لاتشعر.

وفي صحيح مسلم يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- : «ما نقص مال من صدقة» ، لأن الصدقة والزكاة تزيد المال وتنميه وتبارك فيه ، لذلك سمى الله –تعالى- الحق الواجب في المال الذي يُخرج للفقراء “زكاةً” ، والزكاة معناها الزيادة والنماء ..

وأما العاصي ، الذي يُمسك الحق الواجب في المال ، ولا يُخرجه زكاته ، ولا يُنفق النفقة الواجبة على من يعولهم ، فيُعامله الله بنقيض قصده ، وعكس مراده تمامًا .

قال الله –تعالى- في قصة أصحاب الجنة لما أقسموا أن لا يُعطوا الفقراء والمساكين شيئًا من هذا البستان ماذا يريدون؟ يريدون أن يزيد مالهم ، فما الذي حدث يا عباد الله؟ قال الله –تعالى- : {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} ، أهلكها الله بستانهم وقت حصاده عقوبة لهم بنقيض قصدهم وعبرة لغيرهم.

فإذا رأيت صاحب المعصية الذي يمنع حق الله في المال، أو يصرف المال فيما حرم الله ، فلا تُعجب بما عنده من مال ، ولا تغتر بكثرة أموالهم قال سبحانه{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ،لماذا؟ لأنهم أخذوها مما حرم الله أو منعوا حق الله فيها أو أنفقوها فيما حرم اللهنسأل الله العافية .فكم من إنسان كان ماله حسرة ووبالًا عليه في الدنيا قبل الآخرة؟

فليس الخوف أن يحرمك الله وأنت تطيعه إنما الخوف أن يعطيك الله وأنت تعصيه قال الله (فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شء حتى إذا فرحوا بمأوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ).

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلمًا كثيرًا ، أما بعد:

أنما الدنيا ثواب وعقاب ومن ذلك يا عباد الله –أن الله عز وجل- أمرنا بالمحافظة على أوامره ، من صلاة وصيام وذكر ، وترك لما حرم الله من أكل ونظر وسماع وفعل ، فيعتقد كثير من الناس أن الإنسان المستقيم على طاعة الله أنه في هم وغم ، محروم من السعادة وملذات الدنيا أوأنه إنسان معقد تعيس !

هل ما يتوقعه هؤلاء أن ترك النظر إلى ما حرم الله عبر الانترنت أوالقنوات أو سماع ما حرم الله عبر الإذاعات ، أو أكل ما حرم الله بالمساهمات المحرمة والبنوك الربوية يجعل الإنسان حزينًا تعيسًا معقدًا؟ لا وربي قال الله تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } هذا في الدنيا ، وماجزاؤه في الآخرة قال{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

فمن أصدق من الله حديثا وقال بعض السلف :لوعلم الملوك وأبناء الملوك مانحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.

وقال الله –عز وجل- ممتنًا لأعظم الصالحين وسيد المرسلين نبينا محمد –عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ، قال الله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } انشراح الصدر ، هو الطمأنينة ، السعادة ، كيف كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ؟ هل كان يعيش عيشة الملوك؟ لا ، تقول عائشة كما في الصحيح: كان يمر علينا الشهر والشهران وما أوقد في بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على طعام سحره اليهود ، ورماه بعض الناس في عرضه –عليه الصلاة والسلام- قتل أصحابه أمامه ودفن أولاده –عليه الصلاة والسلام- بيديه .

ومع ذلك يقول الله له : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }، لأن السعادة والرضى والطمأنينة وطيب العيش إنما هو في طاعة الله ، فيعامل الله عبده المطيع بأحسن مما يظنه ويراه الناس فيه .

أما العاصي الذي يبحث عن السعادة في المعصية ، يقلب القنوات بحثًا عن العورات ، يفتح الإذاعات ليسمع المغنين والمغنيات ، يودع أمواله في البنوك ليتقاضى الربا ،تقول لهؤلاء جميعًا: لم تفعلون ذلك؟ تجدهم يجيبون نبحث عن السعادة عن الطمأنينة في الدنيا ، ولو كان بالغش أو الرشوة أو الربا ، يظن أن في ذلك السعادة وما يعلم أن فيه نعاسته وشقاءه كيف ذلك ؟

قال الله –تعالى- : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا }، انظرإلى صعوبة اللفظ فأن صعوبة اللفظ تدل على صعوبة معناه هذا في الدنيا ، ومامصيره في الآخرة : {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} .

فالخلاصة أن من أراد الخير في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله ، ومن أراد خلاف ذلك فليعلم أنه واقع في معصية الله –عزو جل- واعلموا أنه لا يُنال ما عند الله بمعصية الله والجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات كما أخبر نبيكم صلوات ربي وسلامه عليه.

اللهم تب علينا توبة نصوحا ، وردنا إليك ردًا جميلًا ، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه ، ولا تلبسهما علينا فنضل ونشقى ، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍكما صليت على ابراهيم ….. اللهم دلنا على صراطك المستقيم وثبتنا على التوحيد والسنة وانصر المجاهدين على الحدود نصرا مؤزرا واجزهم وولاتنا عنا خير الجزاء وجنبهم بطانة السوء ودل شعوبهم لما فيه خير لهم في دينهم وجنبهم الفسوق العصيان اللهم واجمع كلمتنا وكلمة علمائنا وولاتنا على التوحيد والسنة وقمع أهل الشرك والبدع والانحلال ،اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

عبدالرحمن الفيصل


شارك المحتوى: