أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان


هذا الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحهما وبعض أصحاب السنن والإمام أحمد في مسنده، والإمام مالك في موطأه: قال البخاري في الصحيح كتاب الفتن حديث رقم 7092 و7094 الفتح


45/13 بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال أن النبي عليه الصلاة و السلام قام إلى جنب المنبر فقال: (( الفتنة ها هنا، الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس ))، وفي حديث آخر عند البخاري أيضا وذلك من حديث ابن عمر رضي الله عنهما إذ قال: أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا, قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا, فأظنه قال: في الثالثة هناك الزلازل، والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان))، ومن هنا نجد أن كلمة ((نجدنا )) والتي وردت في هذا الحديث النبوي الشريف الصحيح قد أخذها بعض الناس في الزمن المتأخر الذي قل فيه العلم وعم فيه الظلم والفساد والجهل والبغي والعدوان من غير مآخذها، ومواردها فسلطوها على أهل التوحيد وقد كذبوا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغيا وعدوانا منهم وفسادا ونكاية بما عندهم من سوء المعتقد على أناس آخرين لم يعينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة وكيف وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده عن شيخه عبد الله بن نمير إذ قال: ثنا ابن نمير ثنا حنظله، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر رضي الله عنه عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق، ها أن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا، ثلاث مرات من حيث يطلع قرن الشيطان(مسند الإمام أحمد: 143/2، وإسناده صحيح) هكذا صرح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث بأن المراد من قرن الشيطان والنجد الوارد في الحديث هو العراق: وكيف لا؟ وأن هذا الإسناد الذي هو عند الإمام أحمد إسناد صحيح للغاية.

وقد عقد الإمام الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي الثقة الحجة المتوفى سنة 277هـ بالبصرة في كتابه البارع المفيد((المعرفة والتاريخ)) عنوانا وفصلا مهما مستقلا إذ قال رحمه الله ص 746/2: ما جاء في الكوفة ثم ساق إسناده قائلا: حدثنا محمد بن عبد العزيز الرملي، وفي حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن توبة العنبري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك،لنا في مدينتنا، وفي صاعنا، وفي مدنا، وفي يمننا، وفي شامنا، فقال الرجل: يا رسول الله وفي عراقنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بها الزلازل، والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان.. الحديث. وقد ورد في هذا المتن((وفي عراقنا)) كما تجدونه واضحا مبينا، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعوا لأهل العراق((وهو النجد)) المعنى في الحديث كما سوف يأتي في الرسالة الشيخ العلامة الأثري الحكيم محمد أشرف سندهو رحمه الله الذي نقل فيها أقوال العلم المحدثين والفقهاء وأهل السير والمغازي والتفسير والبلدان وغيرهم الذين صرحوا بأن المراد من النجد في الحديث((هو العراق)) كما جاء في حديث صحيح عند الإمام أحمد في مسنده

فالله سبحانه وتعالى أخبر على لسان نبيه عن موضع نشوء الإسلام وارتقائه وكذلك أخبر عن مصدر الكفر والطغيان، واعلموا أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لن يتخلف عن الوقوع ويمكن زوال الجبل عن موضعه ولكن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز فيها أدنى احتمال للكذب والتخلف. فلنذكر الآن الأحاديث التي جاء فيها ذكر مركز الإسلام في أصح الكتب بعد كتاب الله هما صحيح البخاري وصحيح مسم وغيرهما وبعد الفراغ منها نذكر الأحاديث الدالة على مبدء الكفر والفتنة والزلازل.

مركز الإسلام والإيمان ومبدأها

1- الإيمان في أهل الحجاز(أخرجه مسلم: 32: 2 وذلك من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وقد عقد عليه الإمام النووي بابا بقوله: باب تفاضل أهل الإيمان ثم ساق إسناده.).

2- إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ وهو يأرز إلى بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها(مسلم: ص176: 2 وذلك من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد عقد عليه الإمام النووي بابا بقوله: باب إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً، كما بدأ).

3- وفي جامع الترمذي: وليعقلن الدين في الحجاز معقل الأدوية من رأس الجبل(نعم: أخرجه الترمذي في جامعه الإيمان 263: 3، وقال الترمذي: حديث حسن).

4- أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده نحوه اليمن فقال إلا إن الإيمان ههنا(مسلم: 30: 2 والبخاري المناقب ص219: 5، وذلك من حديث ابن مسعود رضي الله عنه).

5- الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية. مسلم(نعم مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 30: 2 باب تفاضل أهل الإيمان).

6- الإيمان يمان والحكمة يمانية، قال أبو عبد الله أي البخاري سميت اليمن لأنها على يمين الكعبة والشام لأنها عن يسار الكعبة البخاري كتاب المناقب(خ217: 6، ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه المناقب)

7- رأيت عموداً م نور خرج من تحت رأسي ساطعاً حتى استقر بالشام(تعرض له الحافظ في الفتح: 401- 403: 12 وذكر له طرقاً عديدة وقال أخرجه الحاكم وصححه، وكذا أحمد في المسند، وعبد الرزاق في المصنف وقال: رجاله رجال صحيح. إلا أن فيه انقطاعاً بين أبي قلابة وعبد الله بن عمرو ثم ذكر له طرقاً أخرى ثم قال: وهذه طرق يقوي بعضها بعضا وقد جمعها ابن عساكر في مقدمة التاريخ وأقر بها على شرط البخاري نعم وجدت هذه الطرق 32: 1 في مقدمة التاريخ).

8- طوبى للشام قلنا لأي ذلك يا رسول الله! قال لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها(12).

9- لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة. مسلم(13).

10- قال النووي في شرح قوله: (أهل الغرب) المراد به ((من الأرض)) قال معاذ: هم بالشام وقيل هم أهل الشام وما وراء ذلك(14).

وحاصل ما تقدم من الأحاديث أن الحجاز واليمن والشام مراكز الإسلام وتبقى هذه البلاد مراكز له ما بقيت الدنيا ولا يزال نور الإيمان يتلألأ منها إلى يوم القيامة وينشر ضوئه إلى الآفاق وأطراف العالم والممالك الثلاثة وإن ذكرت في الأحاديث منفردة لكنها متحدة في الحقيقة وفي حكم البلد الواحد لتلاصقهم بعضها ببعض فمكة المكرمة داخلة في تهامة كما يظهر هذا من أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه مكي تهامي وتهامة قطعة من اليمن يقال لها غور. قال النووي: إن مكة من تهامة وتهامة من يمن(15). وقال في الفتح: وتهامة من الغور ومكة من تهامة(16). وقال الأشرف إنما دعا لهما (أي للشام واليمن) بالبركة لأن مولده بمكة وهو باليمن والمدينة مسكنه ومدفنه وهي من الشام. وقال رأس الأحناف في الهند الشيخ عبد عبد الحق الدهلوي في اللمعات شرح المشكاة إنما خص الشام واليمن بالدعاء لأن مكة مولده وهي من اليمن والمدينة مسكنه ومدفنه وهي الشام (باب ذكر اليمين والشام)(17). وقال القارئ الحنفي(18). الحجاز أي مكة والمدينة وحواليها (مرقاة)(19).

فظهر من هذا التفصيل ظهور الشمس عند الظهيرة أن الحجاز واليمن شيء واحد والتصقت حدود الحجاز بالشام من جهة أخرى فصار الجميع -اليمن والحجاز والشام- قطعة واحدة من البلاد العربية، فلما ثبت وحدتها ثبت أن البشارة والدعاء بالبركة التي جاءت ذكرهما في الأحاديث لكل واحدة من هذه البلاد الثلاثة منفردة ثابتتان للجميع على سبيل الاشتراك والاجتماع.

مركز الكفر والطغيان ومصدرهما

1- رأس الكفر قبل المشرق (صحيح مسلم)(20).

2- رأس الكفر نحو المشرق (صحيح البخاري)(21).

3- ومن ههنا جاءت الفتن نحو المشرق (صحيح البخاري)(22).

4- رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير نحو المشرق إن الفتنة ههنا إن الفتنة ههنا(23).

5- وهو مستقبل المشرق يقول إن الفتنة ههنا (البخاري)(24).

مقصود الأحاديث أن البلاد الواقعة في جهة المشرق من المدينة المنورة هي مبدأ الفتنة والفساد ومركز الكفر والإلحاد ومصدر الابتداع والضلال فانظروا في خريطة العرب بنظر الإمعان يظهر لكم أن الأرض الواقعة في شرق المدينة إنما هي أرض العراق فقط، موضع الكوفة والبصرة وبغداد، والراسخون في العلم يعلمون هذا من إلقاء النظرة في الخريطة وأما العامي فنذكر لتفهيمه وتعليمه ألفاظ الحديث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو العراق إن الفتنة ههنا عن الفتنة ههنا ثلاثاً (مسند أحمدمن حديث ابن عمر باسناد صحيح”2/43″).

يا أهل العراق ما سئلكم عن الصغيرة وأركبكم الكبيرة سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن تجيء من ههنا وأومأ بيده نحو المشرق حيث يطلع قرن الشيطان وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض ( مسلم مع النووي 32: 18 وذلك من حديث ابن عمر رضي الله عنهما)

وجاء في جامع الترمذي انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم(27).

وأورد الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} الآية. انظروا إلى أهل العراق قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسئلون عن دم البعوضة(28).

وسأله رجل عن المحرم قال شعبة أحسبه ليقتل الذباب قال أهل العراق يسألوني عن الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما ريحانتاي من الدنيا(29).

أبى النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالبركة لأهل العراق

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قالوا وفي نجدنا قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قالوا وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان (صحيح البخاري باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الفتن قبل المشرق)(30).

وذكر أمير المؤمنين في حديث الإمام البخاري حديث الدعاء هذا في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الفتن قبل المشرق واثبت الكرماني أن نجد العراق هي المصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نجد يطلع منها قرن الشيطان)) لأنها هي الواقعة في جهة المشرق من المدينة المنورة ومر تصديقه أيضاً في حديث آخر ((رأس الكفر قبل المشرق))(31).

دفع الإيراد

واعلم أن الجهال لقلة علمهم وسوء فهمهم وشدة بغضهم للكتاب والسنة يجعلون نجد اليمامة وأهلها من أخوان التوحيد والدولة السعودية العربية واتباعها، زادهم الله عزا وشرفا، مصداقاً للأحاديث التي جاء فيها ذكر نجد مثل حديث ((نجد يطلع منها قرن الشيطان)) و ((هناك الزلازل والفتن)) ونحوهما من الأحاديث التي تدل على ذم نجد العراق وملئوا الدنيا بدعايتهم الكاذبة الفاجرة أن آل سعود واتباعهم هم قرن الشيطان وأصحاب الفتنة والضلال وهم الذين أنذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن ابتاعهم وأخبر عن بغيهم وفسادهم في الأرض منذ هذه القرون المتطاولة وأبى الدعاء في حقهم بالبركة حين دعا للشام واليمن مع أن الصحابة قالوا وفي نجدنا يا رسول الله وهذا لعمري من تأويلاتهم الزائفة وكتمانهم الحق وتلبيسهم بالباطل وإن هذا إلا كما قيل في المثل السائر (رمتني بدائها فانسلت)32 ولم يذم النبي صلى الله عليه وسلم نجد اليمامة قط ولم يمتنع عن الدعاء لها بالبركة بل دعا لها وبشر أهلها وأخبر عن إيمانهم، وحكمتهم بقوله ((الإيمان يمان والحكمة يمانية))(33). ونجد اليمامة من اليمن لأنها واقعة بينها وبين مكة كما مر، وإنما ذم النبي صلى الله عليه وسلم نجد العراق الواقعة في جهة المشرق من المدينة، موضع الكوفة والبصرة، وهي مطلع قرن الشيطان وموضع الفتن الكبار والزلازل العظام ومبدأ الابتداع كما سيأتي إيضاحه فالآن نذكر معناها اللغوي من أئمة اللغة ومحل وقوعها من أقوال شراح الحديث، ثم نذكر نهوض الفرق الضالة والمبتدعة

والفتن العظام والزلازل الكبار التي وقعت في العراق ودلت عليها الحقائق التاريخية وشواهد القرون الماضية يظهر منها ظهور الشمس عند الظهيرة إن نجد العراق هي التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن طلوع قرن الشيطان ووقوع الفتن والزلازل فيها لا نجد اليمامة مسكن أهل التوحيد من آل سعود واتباعهم كثر الله سوادهم ووفقهم لخدمة الدين كما يحب ويرضى.

معنى النجد في اللغة

النجد مصدره معناه الرفعة والعلو، ويقال لكل شيء عال نجد ولكل قطعة من الأرض مرتفعة عما حواليها ونجد ذكر في جميع كتب اللغة المعتبرة كالقاموس(34) ولسان العرب والصراح والنهاية لابن الأثير والمصباح المنير والدر النثير والمنجد وغيرها، أن النجد ما أشرف من الأرض وارتفع واستوى وصلب وغلظ، والنجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور، (تاج العروس) وجاء في معجم البلدان جغرافية العرب القديمة، النجد قفاف الأرض وصلابها وما غلظ منها وأشرف(35).

أقوال شراح الحديث في معنى النجد ومحل وقوعها

قال العلامة الكرماني: وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور(36).

وقال العيني: وأصل نجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور(37). وقال الحافظ ابن حجر(38) والحافظ القسطلاني(39): وأصل نجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور، واتفقت كلمة شراح الحديث وأئمة اللغة ومهرة جغرافية العرب أن النجد ليس اسماً لبلد خاص ولا اسماً لبلدة بعينها بل يقال لكل قطعة من الأرض مرتفعة عما حواليها نجد (أسماء نجود العرب) كثيرة ذكرها صاحب معجم البلدان مثل ما يأتي.

أسماء نجود العرب

ونجود العرب كثيرة ذكرها صاحب معجم البلدان(40) وتاج العروس(41) منها:

1- نجد البرق باليمامة (ويقال أن نجدا كلها من عمل اليمامة).

2- نجد خال.

3- نجد اجاء.

4- نجد العقاب (بدمشق).

5- نجد الود.

6- نجد العثري.

7- نجد عفري.

8- نجد كبكب.

9- نجد مريع.

10- نجد اليمن.

11- نجد الحجاز.

12- نجد العراق.

وقال الأصمعي هي نجود عدة منها نجد البرق واد باليمامة ونجد خال. وبعد ملاحظة فهرس نجود العرب من الجغرافية انظروا في خريطة العرب تجدوا نجد العراق في جهة المشرق من المدينة المنورة وهي التي ذكرها صاحب المعجم بلفظ كل ما وراء الخندق الذي خندقه كسرى إلى الحرة(42). وقال صاحب تاج العروس كل ما وراء الخندق على سواد العراق فهو نجد(43) وفي النهاية لا بن الأثير(44) وفي الدر النثير (النجد ما ارتفع من الأرض.. إلخ) وفي المصباح المنير (كل ما ارتفع من الأرض.. إلخ).

فالحاصل

إن القطعة المرتفعة التي تمتد من خندق كسرى إلى العراق يقال لها نجد وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الكفر قبل المشرق ومنها يطلع قرن الشيطان هو الأرض المرتفعة ن تهامة إلى العراق وقال أيضاً كل ما ارتفع من تهامة إلى العراق فهو نجد وأصرح من هذا قوله ومن كان بالمدينة الطيبة صلى الله عليه وسلم ساكنها وسلم كان نجده بادية العراق وهي مشرق أهلها (الكرماني شرح البخاري كتاب الفتن، المطبوع بمصر)( صحيح البخاري بشرح الكرماني: كتاب الفتن : (168: 24)) وقال العلامة العيني في شرح الحديث المذكور وأشار بقوله هناك إلى نجد ونجد من المشرق(انظر صحيح البخاري كتاب الفتن: (353: 11).) وقال الخطابي نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهلها (كتاب الفتن) وقال حيث ذكر بقاع العرب المختلفة وأما نجد فهي الناحية بين الحجاز والعراق.

وبين الحافظ ابن حجر(انظر فتح الباري: (47: 13) والحافظ القسطلاني محل وقوع النجد هكذا.

قال الخطابي نجد من جهة المشرق… إلخ لما ثبت باتفاق أئمة اللغة وشراح الحديث أن المراد من النجد الذي يطلع منها قرن الشيطان نجد بادية العراق أو نجد العراق فمن قال بعد ذلك أن المراد من هذا الحديث النجد التي تحكمها الدولة السعودية العربية فليس هو يحرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب، بل يستحل العقوبة لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار(انظر البخاري مع الفتن: 160: 3، وأبو داود كتاب العلم 63: 4 وذلك من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه).

ما المراد من قرن الشيطان وما معناه

قال العلامة الكرماني في معنى القرن :((وقيل القرن في الحيوان يضرب به المثل فيما لا يحمد من الأمور)) و((قيل قرنه امته وشيعته)) الكرماني(انظر البخاري بشرح الكرماني: (168: 24). وقال العلامة العيني قوله: قرن الشيطان ذهب الداودي للشيطان قرنان على الحقيقة وذكر الهروي أن قرنيه من ناحية رأسه وقيل هذا مثل أي يتحرك الشيطان ويتسلط. وقيل القرن القوة أي يطلع حين قوة الشيطان. عمدة القاري(عمدة القارئ كتاب الفتن: (353: 11). ورجح الحافظ(الفتح: (47: 13) والقسطلاني(إرشاد الساري: (181: 10)بما قال الخطابي (القرن الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين وقرن الحية أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور)( انظر الفتح: (47: 13).

إذا عرفت هذا بأن لك أن شراح الحديث اتفقوا على أن المراد من قرن الشيطان الأمور المحدثة والفتن والبدع الحادثة في الدين والفرق الضالة المبتدعة التي كان مركزها العراق، الكوفة والبصرة وبغداد.

فهرس الفرق الضالة والفتن العامة

قال الكرماني ولعل المراد من الزلازل الاضطرابات التي بين الناس والبلايا ليناسب الفتن مع احتمال إرادة حقيقتها، قيل إن أهل المشرق كانوا حينئذ أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من ناحيتهم كما أن وقعة الجمل وصفين وظهور الخوارج في أرض نجد العراق وما والاها وكذلك يكون خروج الدجال وياجوج ومأجوج منها (الكرماني)( انظر الكرماني: (168: 24) وقال العلامة العيني وإنما اشار صلى الله عليه وسلم إلى المشرق لأن أهله يومئذ كانوا أهل الكفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذا كانت وهي وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما ورائها من المشرق وكان صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه وذلك من دلالة نبوته صلى الله عليه وسلم. وقال أيضاً والفتن تبدو من المشرق ومن ناحيته يأجوج ومأجوج، وقال المهلب إنما ترك الدعاء ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن (عيني كتاب الفتن)( عمدة القاري (353: 11). وقال العلامة القسطلاني: وإنما أشار عليه الصلاة والسلام إلى المشرق لأن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذا وقعت فكانت وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد وما ورائها من المشرق.. وهذا من أعلام النبوة (قسطلاني)( إرشاد الساري (181: 10).

وقال الحافظ في آخر البحث: قال المهلب إنما ترك الدعاء صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن ومر الحافظ إلى أن قال: وقال غيره كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به كذلك البدع نشأت في تلك الجهة (فتح الباري، كتاب الفتن)( انظر الفتح (46: 13). وقال الإمام النووي (المتقدم على ابن حجر والعيني زمانا) في معنى قرن الشيطان: هو جانباً بتسلط الشيطان ومن الكفر كما قال في الحديث الآخر رأس الكفر نحو المشرق وكان ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم حين قال ذلك ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومنشأ حادثة الترك الغاشمة العاتية الشديدة البأس(انظر النووي على مسلم (34: 2).

القول الفصل

والحق الذي اتفق عليه شراح الحديث ودلت عليه الحقائق التاريخة والحوادث الماضية أن نجد العراق هي مبدأ الفتن والشرور وهي موضع البدع والفرق الضالة المضلة ومن هناك يخرج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان ومنها يظهر الدجال فلذلك أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لنجد العراق لأنه كان يعلم ما سيقع هناك من الشرور والفتن مثل وقعة الجمل ومحاربة صفين وفتنة كربلاء وحادثة التتر الغاشمة الظالمة الذين أحرقوا البلاد بعتوهم، وطغيانهم قبل وقوع تلك الكوارث العظيمة عديمة النظر وقد وقع جميع ذلك كما أخبر، فهذا عن إعلام نبوته وأبين براهين على صدقه صلى الله عليه وسلم.

الأحاديث الصريحة الدالة على أن

العراق هي مطلع قرن الشيطان

ثبت باتفاق شراح الحديث وشهادة الحوادث التاريخية أن العراق ونجد العراق هما مركز الفتن والفساد وهما موضع خروج الفرق الضالة. فالآن راجعوا الأحاديث التي صرح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم العراق مكان النجد عن ابن عباس وعن ابن عمر وعن الحسن مرسلاً دعا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا وبارك لنا في مكتنا ومدينتنا وبارك لنا في شامنا ويمننا فقال رجل من القوم يا نبي الله وعراقنا قال إن فيها قرن الشيطان وتهيج الفتن وأن الجفا بالمشرق (كنز العمال)(59). فقال رجل فالعراق فيها ميرتنا وفيها حاجتنا فسكت فقال يطلع فيها قرن الشيطان وهناك الزلازل والفتن (كنز العمال)(60). أن النبي صلى الله عليه وسلم قال دخل إبليس العراق فقضى حاجته فيها ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ ثم بسط عبقرية )طبراني(61).

الكوفة مبدأ ظهور الفتن

تقدم في السطور الماضية أن مكان ظهور البدع وخروج الفرق الضالة إنما هو أرض العراق فالآن نذكر الأحاديث التي تدل على أن الكوفة هي بعينها موضع خروجها. عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مثل عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له ثم قال يهلك في ((رجلان محب مفرط يقرظني بما ليس في)) ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني رواه أحمد(62). (مشكاة باب مناقب علي) فوقع هذا كما أخبر صلى الله عليه وسلم فنشأت فرقتان إحداهما الروافض وهم الذين غلوا في حبه وقرظوه بما ليس فيه وكتبهم المملؤة بالغلو شاهدة عليهم فتشبهوا بالنصارى. وثانيهما الخوارج وهم الذين ابغضوه وبهتوه بأشياء ليست فيه حتى كفروه فشابهوا اليهود الذين ابغضوا عيسى بن مريم وبهتوا أمه. وموضع خروج هاتين الفرقتين الضالتين الكوفة وأعمالها؛ وهي الواقعة في جهة المشرق من المدينة وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وقال ههنا الزلازل والفتن والفرقة الخارجية وإن لم توجد الآن في الكوفة ونواحيها بل قد انقرضت عن آخرها. لا شك كان ابتدائها في أول الأمر من الكوفة، وكان موضع أقامتها الحر وراء وهي قرية على نحو ميلين من الكوفة، أما الروافض فإن مركزهم إلى اليوم مدينة الكوفة وبلاد العراق والمراد من قرن الشيطان خروج الروافض والخوارج وجميع الفراق الباطلة كالجهمية والمعتزلة وغيرها التي جاءت بعدهم وسيجيء بيانها وهذا القرن قد طلع من نجد العراق، الكوفة وحواليها.

الأحاديث الدالة

على مروق الخوارج

قد جاءت أحاديث كثيرة تدل على الخروج لكنا بكتفي منها بحديثين فقط على طريق الأنموذج:

1- يخرج أناس من قبل المشرق ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم (البخاري، باب قراءة الفاجر)(63).

2- قال سمعته يقول: وأهوى بيده قبل العراق يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم (البخاري، باب قتال الخوارج)(64).

واتفق جميع شراح البخاري على أن القوم الذي اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروجهم في هذه الأحاديث هم الخوارج وهذا من دلائل نبوته لأنه وقع كما اخبر وكان ابتداء ظهورهم من الكوفة الواقعة في جهة المشرق من المدينة. قال الحافظ أنهم هم الخوارج وكان ابتداء خروجهم من العراق وهي جهة المشرق. وصرحوا بأنهم خرجوا على علي رضي الله عنه واعتزلوا جيشه حين رضي بتحكيم عمرو بن العاص وغيره من الصحابة سخطة لهذا التحكيم وهم ثمانية آلاف ونزلوا الحر وراء وهي قرية كبيرة قرب الكوفة على نحو ميلين منها وبعد ذلك جعلوا البصرة مركزهم كما في الفتح(65) ولما وقع الرضا بالتحكيم ورجع إلى الكوفة اعتزلت الخوارج بحروراء وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة(66).

الحروراء بلدة على ميلين من الكوفة (تحفة الأحوذي شرح الترمذي)(67) وهذه حقيقة لا تنكر أن الخوارج يعتقدون أن عليا والصحابة وجميع المسلمين سواهم قد ارتدوا عن الإسلام وكفروا بالله العزيز الحكيم، وهذا أيضا اعتقاد الروافض بل الروافض (خذلهم الله) يعتقدون أن أبا بكر وعمر وسائر الصحابة بل جميع الأمة أعداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

تفصيل الفرق الضالة

قال العلامة علي القارئ في شرح حديث تفريق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي(روى الترمذي (368: 3) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وإسناده صحيح بالشواهد والمتابعات).

واعلم أن أصول أهل البدع كما نقل في المواقف ثمانية:

1ـ المعتزلة القائلون بأن العباد خالقوا أعمالهم وبنفي الرؤية وبوجوب الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة.

2ـ والشيعة المفرطون في محبة علي كرم الله وجهه وهم اثنتان وعشرون فرقة.

3ـ والخوارج المفرطة المكفرة له رضي الله عنه، ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة.

4ـ والنجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال والمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام وهم ثلاث فرق.

5ـ والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد فرقة واحدة.

6ـ والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية وهم خمس فرق.

7ـ والحلولية فرقة أيضا.

فتلك اثنتان وسبعون فرقة كلهم في النار والفرقة الناجية هم أهل السنة ( المرقاة شرح المشكاة”1/204″).

والحاصل أن أصل هذه الاثنتين والسبعين فرقة الضالة من الأمة المسلمة سبع فرق كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأئمة هؤلاء الفرق كلها قد ظهروا من العراق، الكوفة والبصرة وما جاورهما، وأن الفقيه الشهير والمؤرخ الكبير العلامة السيد سليمان الندوي المتوفى سنة 1372هـ ناظم ندوة العلماء ذكر في كتابه الكامل الجامع أعني( سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ) أن الفرق الضالة كلها والفتن والمفاسد العظام جميعها ظهرت من بلاد العراق وهي المراد من طلوع قرن الشيطان

من نجد وهذا تلخيص ما قال(70)، جاء في الأحاديث الصحيحة بوضوح تام أن ابتداء الفتن يكون من جهة المشرق وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه مرة بعد أخرى من ههنا يطلع قرن الشيطان وكانت هذه الإشارة من المدينة المنورة إلى جهة المشرق يعني العراق.

فأعلموا أن قاتل عمر رضي الله عنه كان أعجميا وفتنة عثمان رضي الله عنه ابتدأت من العراق أول مرة ثم انتشرت بعد ذلك إلى مصر وحدثت وقعة الجمل في هذه الأرض بالعراق، واستشهد علي كرم الله وجهه في أكبر مدنها، الكوفة، وفي هذه الأرض وقعت محاربة صفين بين علي وبين معاوية رضي الله تعالى عنهما، ومن ههنا خرجت أول طائفة ضالة من الخوارج ومن ههنا ظهرت الجبرية والقدرية وغيرهما من الفرق المبتدعة الذين مزقوا وحدة العقائد الإسلامية.

وقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض وشنت الغارة على قافلة النبوة بساحل الفرات في هذه البلاد وههنا ادعى المختار نبوة كاذبة، وفي هذه الأرض سفك الحجاج دماء معصومة، ومن ههنا حدث التشيع الذي فرق شمل المسلمين، وقسمهم بين الفئتين ثم وقعت بعد ذلك فتنة الترك والتتار في تلك البلاد والتي مزقت وحدة الخلافة الإسلامية وأخمدت حرارة الإيمان من قلوب العرب والمسلمين وبعد هذا أن مبادئ الغدر ضد الخلافة العثمانية التركية في الحرب العالمية الأولى وقعت من ههنا ثم انتشرت في ما بعد إلى البلاد الأخرى.

رأى الصحابة في العراق

بعد شهادة التاريخ والأحاديث وشروحها بوقوع الفتن الجسام والبدع العظام في العراق عليكم بقراءة أقوال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وآرائهم في هذه البلاد.

قال عمر رضي الله عنه: حين بعث رهطا من الأنصار إلى الكوفة أنكم تأتون الكوفة فتأتون قوما لهم أزيز بالقرآن فيأتونكم فيقولون قدم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فيسألونكم عن الحديث فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنصاف، حجة الله البالغة للشاة ولي الله الهندي)(71). وذكر العلامة الشبلي النعماني المؤرخ المعروف هذه الرواية بعينها في كتابه سيرة النعمان(72): أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإن بها تسعة أعشار السحر( الشر) وبها فسقة الجن وبه الداء العضال (موطأ إمام مالك باب ما جاء في المشرق). وفي آخر هذا الحديث في كنز العمال وبها باض إبليس وفرخ(73).

خطبة الحسن بن علي رضي الله عنه

إن الحسن بن علي رضي الله عنه استخلف حين قتل علي رضي الله عنه فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر والحسن رضي الله عنه ساجدا والطعنة وقعت في وركه فمرض منها اشهرا ثم برأ فقعد على المنبر فقال يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمرائكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} قال فما زال يقولها حتى ما بقي أحد من أهل المسجد إلا وهو يحن بكاء (تفسير ابن كثير)(74).

وصية الحسن رضي الله عنه

لما سقي الحسن رضي الله عنه سما أوصى لأخيه الحسين وقد حضره الموت: إن الحوادث والأحوال تشهد أن سفهاء الكوفة يخرجونك منها( تاريخ الخلفاء ترجمة الحسن بن علي) ووقعة الكربلاء تدل على غدر أهل الكوفة وكيدهم وسفكهم دماء محرمة وجورهم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم(75).

أقوال التابعين في العراق وأهلها وآرائهم.

إن أفضل هذه الأمة وخيرها على الإطلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ثم بعدهم التابعون لهم بإحسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني ثم الذين يلونهم(76) فلذلك نذكر أقوال بعد الصحابة أقوال الطبقة العليا من التابعين في الكوفة وأهلها:

  1. كان هشام بن عروة يقول إذا حدثك العراقي بألف حديث فألق تسعمائة وتسعين وكن من الباقي في شك [تدريب الراوي للسيوطي (ص38)].

2- نقل الحافظ الذهبي قول ربيعة بن عبد الرحمن وفتواه ما رأيت عراقيا تام العقل ( تذكرة الحفاظ في ترجمة مالك بن أنس (210: 1)).

3- قال الزهري إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به ثم أردد به قال أيضا أن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا(تذكرة الحفاظ (210: 1)).

4- وقال الإمام طاؤس اليمني ثم المكي إذا حدثك العراقي مائة حديث فاطرح تسعا وتسعين(تذكرة الحفاظ (210: 1)).

أقوال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي

وأحمد رحمهم الله في العراق وأهلها

قال مالك إذا خرج الحديث عن الحجاز انقطع نخاعه (تدريب الراوي)( تدريب الراوي (37: 38)).

وقال حبر الأمة الإمام الشافعي كل حديث جاء من العراق فليس له أصل في الحجاز فلا تقبله (تدريب).

وقال أيضا إياكم والأخذ بالحديث الذي جاءكم من بلاد أهل الرأي إلا بعد التفتيش (الميزان للشعراني(49: 1)).

وقال إمام السنة أحمد بن حنبل ليس لحديث أهل الكوفة تور( سنن أبي داود المطبوع بدلهي، ص350).

نتيجة الاختلاف بين الدول الثلاثة اليمن والحجاز

والشام وبين الكوفة والعراق وثمرته

ثبت مما تقدم أن اليمن والحجاز والشام مركز الإسلام ومنبع الإيمان والهداية وأن العراق مبدأ الكفر والطغيان ومنبت البدع والضلال ومصدر الفتن والفساد، ولذلك الاختلاف الفطري ترى أهل الشام واليمن والحجاز أهل إيمان يحبون العمل بالكتاب والسنة ويعدون طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من أكبر أسباب النجاح والفوز ولا يجوزون خلاف الله ولا خلاف رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يلتفتون إلى قول أحد حيث وجدوا الدليل من الكتاب والسنة وترى أهل العراق أهل بدعة وضلالة بعيدة عن الحق ولا يكادون يفقهون حديثا ومن كان أقرب منهم إلى أهل السنة فإنه أيضا قد بنى مذهبه على رأي وقياس( وهم ضعفة أهل الرأي والقياس كما قال القاضي عياض)(84). دون أن يجعل الكتاب والسنة نصب عينه يطمئن بهما قلبه وينطلق بهما لسانه إن أردت أن يتبين لك هذه الحقيقة فعليك بقراءة أقوال الطبقة العليا من مؤرخي أهل الإسلام ومحققيهم. قال العلامة ابن خلدون في المقدمة: انقسم الفقه فيهم إلى طريقتين: طريقة أهل الرأي والقياس وهم أهل العراق وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز. وكان الحديث قليلا في العراق(85). وقال العلامة أبو الفتح الشهرستاني في أصحاب الرأي: وهم أهل العراق هم أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله تعالى ثم قال بعد ذكر أسماء تلامذته وإنما سموا أصحاب الرأي لأن عنايتهم بتحصيل وجه من القياس والمعنى المستنبط من الأحكام وبناء الحوادث عليها وربما يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار( الملل والنحل)(86).

وقال في شأن الحديث:ثم المجتهدون من أئمة الأمة محصورون في صنفين لا يعدوان إلى ثالث. أصحاب الحديث وأصحاب الرأي فأصحاب الحديث هم أهل الحجاز مالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأصحاب سفيان الثوري وأصحاب أحمد بن حنبل داوود بن علي بن محمد الأصفهاني وإنما سموا أصحاب الحديث لأن عنايتهم بتحصيل الحديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص ولا يرجعون إلى القياس الجلي والخفي إذا وجدوا خبرا وأثر وقد قال الشافعي إذا وجدتم في مذهبنا خبرا على خلاف مذهبي فاعلموا أن مذهبي ذلك الخبر(الملل)(87).

الشاة ولي الله يذكر الاختلاف بين

أهل الحديث وبين أهل الرأي

وقد عقد حكيم الأمة وترجمان الإسلام الشاة ولي الله الدهلوي بابا خاصا في الإنصاف وحجة الله البالغة في بيان أسباب الاختلاف بين أصحاب الحديث وبين أصحاب الرأي فقال فيه مبينا مسلك أهل الحديث واعلم أنه كان من العلماء في عصر سعيد بن المسيب وإبراهيم والزهري وفي عصر مالك وسفيان وبعد ذلك قوم يكرهون الخوض بالرأي ويهابون الفتيا والاستنباط إلا لضرورة لا يجدون منها بدا وكان أكبر همهم رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفصل فيه تفصيلا حسنا وقال: إن أئمة أهل الحديث كانوا يخافون خوفا شديدا عن الإفتاء بمجرد الرأي والقياس، وذكر لهذا أمثلة: منها ما قال ابن عمر لجابر بن زيد أنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت. ومنها ما قال أبو نضر لما قدم أبو سلمة البصرة… فقال للحسن فلا تفت برأيك إلا أن تكون سنة عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو كتاب منزل. ومنها ما قال الشعبي ما حدثوك هؤلاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث به وما قالوا برأيهم فألقه في الحش (أخرج هذه الآثار إلى آخرها الدارمي)(88). ومنها ما قال الشافعي لأحمد انتم أعلم بالأخبار الصحيحة منا فإذا كان خبر صحيح فاعلموني حتى اذهب إليه كوفيا أو بصريا أو شاميا حكاه ابن الهمام(89).

وقال في بيان أهل الرأي لم يكن عندهم من الأحاديث والآثار ما يقدرون به على استنباط الفقه على الأصول التي اختارها أهل الحديث و لم تشرح صدورهم للنظر في أقوال العلماء بالبلدان وجمعها والبحث عنها إلى أصحابهم كما قال علقمة هل أحد منهم اثبت من عند الله؟ وقال أبو حنيفة: إبراهيم أفقه من ابن عمر. وقال في تفسير السنة ومعناها وذلك قول الحسن البصري سنتكم والله لا إله إلا هو بينهما بين الغالي والجافي فمن كان من أهل الحديث ينبغي له أن يعرض ما اختاره وذهب إليه على رأي المجتهدين من التابعين ومن بعدهم. ثم فصل غفلة أهل الرأي وقلة اعتنائهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه، وانقرض المجتهد المطلق المنتسب في مذهب الإمام أبي حنيفة بعد المائة الثالثة وأما مذهب أحمد كان مؤيدا بالدليل قديما وحديثا وكان فيه المجتهدون طبقة بعد طبقة(90) إلى أن انقرض في المائة التاسعة.

طبقات أهل الحديث سلفا وخلفا

الطبقة الأولى: كبراء أهل الحديث كيزيد بن هارون، ويحيى بن سعيد القطان وأحمد وإسحاق وأضربهم.

الطبقة الثانية: وهؤلاء هم البخاري ومسلم وأبو داوود وعبد بن حميد الدرامي وابن ماجه، وأبو يعلي، والترمذي والنسائي والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطيب والديلمي وابن عبد البر وأمثالهم (إنصاف للشاة ولي الله)(91).

مؤلفات أئمة أهل الحديث

هي معيار للحق والصدق لا غير

قال العلامة الرشيد أحمد الطحطاوي في شرح در المختار: أن المعيار الصحيح في معرفة الحق من الباطل هو مصنفات أئمة أهل الحديث ومؤلفاتهم: ولفظه هكذا فإن قلت ما وقوفك على أنك على صراط مستقيم وكل واحد من هذه الفرق يدعي أنه عليه، قلت ليس ذلك بالأدعاء وبالتشبث باستعمالهم الوهم القاصر والقول الزاعم، بل بالنقل عن جهابذة هذه الصنعة وعلماء أهل الحديث في أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحابة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان مثل الإمام البخاري ومسلم وغيرهما من الثقات المشهورين الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحتهما وما أوردوه في كتبهم من أمور النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد النقل ينظر إلى الذين تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرهم في الأصول والفروع فيحكم بأنه من الذين ساروا على هذا المنهج وهذا هو الفارق بين الحق والباطل والمتميز بين من هو على صراط مستقيم وبين من هو على سبيل الذي على ميمنه شيطان وشماله (طحطاوي شرح در مختار)(92).

وأيد هذا القول حكيم الأمة الشاة ولي الله الدهلوي وصدقه بقوله وحاصل صنيعهم على استقرائنا من كلامهم أن تعرض المسائل المنقولة عن مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري وغيرهم رضي الله عنهم من المجتهدين المقبولة مذاهبهم وفتاواهم على موطأ مالك والصحيحين ثم أحاديث الترمذي وأبي داوود والنسائي فأي مسألة وافقتها السنة نصا أو إشارة اخذوا بها وعملوا عليها وأي مسألة خالفتها السنة مخالفة صريحة ردوها وتركوا العمل بها. وقال ولزيادة التفصيل والتشريح وإن كنت في ريب مما ذكرنا فعليك بكتاب البيهقي(93) وكتاب معلم السنن(94) وشرح السنة للبغوي(95) فهذه طريقة المحققين من فقهاء المحدثين وقليل ما هم. وهم غير الظاهرية من أهل المتقيدين من أصحاب الحديث ممن لم يلتفتوا إلى أقوال المجتهدين أصلا ولكنهم أشبه الناس بأصحاب الحديث لأنهم صنعوا في أقال المجتهدين ما صنع أولئك في مسائل الصحابة والتابعين(عقد الجيد في الاجتهاد والتقليد)(96).

وأيد قول هذين الشيخين الجليلين العلامة عبد الحي اللكنوي شارح الوطأ لمحد ومحشي الهداية وغيرها من كتب الفقه فقال ولله دره ما أحسن ما قال من نظر بنظر الإنصاف وغاص في بحار الفقه والأصول متجنبا عن الاعتساف يعلم علما يقينا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها فمذهب المحدثين فيه أقوى من مذاهب غيرهم وإني كلما أسير في شعب الاختلاف أجد قول الحدثين فيه قريبا من الإنصاف فلله درهم وعليه شكرهم كيف لا وهم زمرتهم وأمتنا في حبهم وسيرتهم (إمام الكلام) ولنعم ما قيل:

لا ترغبن عن الحديث وأهله

فالرأي ليل والحديث نهار

(ميزان شعراني)(97).

وقال شيخ الإسلام ابن القيم:

يا مبغضا أهل الحديث وشاتما

أبشر بعقد ولاية الشيطان

أو ما علمت بأنهم أنصار الرسول

لهم بلا شك ولا نكران

ما ذنبهم إذ خالفوك لقوله

ما خالفوه لأجل قول فلان

نسبوا إليه كل مقالة

أو حالة أو قاتل ومكان

فلذا غضبتهم حيث ما انتسبوا إلى

غير الرسول بنسبة الإحسان

(نونية ابن القيم)(98).

إزالة شبهة

ليس المراد من طلوع قرن الشيطان من أرض العراق والكوفة ولا من كونها رأس الكفر أن أولياء لم يوجدوا هناك أو لا يوجدون فيما يستقبل بل المراد من تلك الأحاديث أن بلاد العراق وأرض الكوفة منبع لظهور الفتن وزلازل وجديرة بصدور الشرور والبدع وأنواع الضلال ا كثر من غيرها فإذا كان الأمر كذلك فلا بد من أن يبعث الله من تلك البلاد جهابذة من العلماء ومشاهير الأئمة ونحارير المجتهدين ليتم حجته على أهلها فلذلك ارتحل إليها أجل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين واستوطنوها وتولد كبار أئمة التابعين في الكوفة والبصرة وبغداد وانتقل الإمام الشافعي من مكة إلى العراق لنشر الكتاب وإشاعة السنة وكان يلقب هناك بناصر السنة وولد بالعراق نفسها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل الذي لم يوجد له نظير في العالم الإسلامي، وكذا ولد هناك كبار مشائخ العلم كالجنيد البغدادي، والشيخ عبد القادر الجيلاني ولا تزال طائفة من أهل الحق تخرج من هناك إلى يوم القيامة ولا يضرهم من خالفهم أيدهم الله وكثر سوادهم.

نجد اليمامة التي تحت قيادة الدولة السعودية

العربية أدامها الله مادام الليل والنهار

بعد معرفة أحوال نجد التي قال في حقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع منها قرن الشيطان ينبغي لكم أن تطالعوا أحوال نجد اليمامة التي هي محل الدولة السعودية العربية فنجد هذه هي نجد اليمن لأن تهامة من اليمن وتقدم في الأوراق السابقة أن مكة من تهامة من اليمن. ومر أيضاً أن تهامة من الغور الذي هو ضد النجد باتفاق جميع أهل اللغة وأئمة الحديث فثبت من هذا أن البلاد المرتفعة الملحقة بتهامة هي نجد اليمن وهي نجد السعودية وكانت تعرف في الأيام السالفة باسم نجد اليمامة وجاء ذكر هذه النجد في صحيح البخاري وصحيح مسلم في حديث ثمامة بن أثال عند بيان وفد بني حنيفة ولفظ الحديث، بعث صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال (صحيح البخاري كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة)(99) ولفظ مسلم(100) بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا نحو أرض نجد فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة. وألفاظ الحديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيلاً إلى نجد اليمامة فصادفت سيد أهلها ثمامة بن أثال وقد خرج من أهله للعمرة فأسرته وجاءت به إلى المدينة فربطته بسارية المسجد. وقال أي ثمامة نفسه بعد دخوله في الإسلام إن خيلك أخذ


شارك المحتوى: