المولد عند أهل الشريعة
“الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كلِّه ، وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ، إقرارًا به وتوحيدا ، وأشهد أن مُحمدًا عبده ورسوله ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما مزيدًا” … أما بعد : فإنَّ من تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله : اتباعَ شريعته ؛ والتقيُّدَ بسنته ؛ والإعراضَ عما زِيد فيها ، مما أحدَثَه المحدِثون ؛ فإنه لا خيرَ في عبادةٍ لم يعمل بها رسول الله ﷺ .
ولما وُجد من يُزِّينُ للناس ما لم يأذن به اللهُ ، من الابتداع في دِينه ما ليس منه = وجبَ – على من يستطيع – الذبُّ عن دين الإسلام ، محبةً لله ورسوله ﷺ ، ونصيحة للمسلمين ، وكلٌّ بحسَبه .
ودونكَ إشاراتٍ من كلام أعلام الإسلام ، تدلُّك وتُنبِّهك على عدم مشروعية الاحتفال بالمولد ، وذلك من خلال فنون الشريعة .
فعند أهل الاعتقاد : لو كان الاحتفال بالمولد خيرًا ؛ لَسبقنا إليه من هم خير مِنا !
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنَّا نَقتدي ولا نَبتدي , ونتَّبع ولا نبتدع ، ولن نَضلَّ ما تمسكنا بالأثر .
[ أصول الاعتقاد لللالكائي (106) ]
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : كلُّ عبادةٍ لم يتعبَّدها أصحابُ رسول الله ﷺ ؛ فلا تعبَّدوها ؛ فإن الأول : لم يدَعْ للآخرِ مَقالا .
[ الحوادث والبدع للطرطوشي (149) ]
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إياكَ والبدعَ ، والتبدُّعَ ، والتنطعَ .. وعليك بالأمر العتيق .
[ ذم الكلام للهروي (537) ]
قال شيخ الإسلام رحمه الله عن الاحتفال بالمولد : ولو كان هذا خيرًا مَحضًا ، أو راجحًا ؛ لكان السلَف رضي الله عنهم أحقَّ به منَّا ؛ فإنهم كانوا أشدَّ محبةً لرسول الله ﷺ ، وتعظيمًا له مِنَّا ، وهم على الخير أحرص .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/123) ]
وقال العلامة الألباني رحمه الله : أصلان ، لا بدَّ لكلِّ مسلمٍ أن يَدينَ اللهَ بهما :
1) الأصل الأول : ألَّا يَعبد إلا اللهَ .
2) والأصل الثاني : ألا يَعبده إلا بما شرعَ الله .
لم ؟ لأنَّ الدينَ قد أكملهُ الله تبارك وتعالى ؛ هذه الحقيقة مع الأسف غائبة عن أذهان كثيرٍ من المسلمين !
[ سلسلة الهدى والنور ، شريط (710) ]
وعند أهل التفسير :
قال الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }
قال ابن جُريج رحمه الله : كان قوم يزعمون أنهم يُحبون الله ، يقولون : إنا نحبُّ ربَّنا ! فأمرَهُم اللهُ أن يتَّبعوا مُحمدًا ﷺ ، وجعلَ اتباعَ محمدٍ علَمًا لحُـبِّه .
[ تفسير الطبري (6/323) ]
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله : هذه الآيةُ الكريمة حاكمة على كلِّ مَن ادَّعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية ؛ فإنه كاذبٌ في دَعواه في نفس الأمر ، حتى يَتَّبعَ الشرعَ المحمديَّ ، والدِّين النبوي ، في جميع أقواله وأحواله .
[ تفسير ابن كثير (2/32) ]
وعند أهل الفقه : لا يَخلو الاحتفال بالمولد من أن يكونَ عادة ، أو عبادة ؛ فإن كان عادة ؛ فقبَّحَ اللهُ مَن جعلَ فرَحهُ بولادة خير خَلْق الله عليه الصلاة والسلام عادةً يَعتادها ! وإن كان عبادةً ؛ فليس يُصدِّقها دليلٌ صحيح من الكتاب ، أو السنة ، أو إجماعٌ ، أو قولُ صحابي ، أو تابعي ، أو أحدٍ من الأئمة الأربعة المتبوعين …
فإذا خلا من كل هذا ؛ فلتعلم أنه من أحبِّ العبادات إلى الشيطان !
ويُقال لمن استدلَّ باحتفال جمهور المسلمين في القرون المتأخرة بالمولد ، وذكر بعض الفتاوى في ذلك … :
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ومَن اعتقد أنَّ أكثرَ هذه العادات المخالفة للسنن مجمَعٌ عليها ، بناءً على أنَّ الأمة أقرَّتها ، ولم تنكرها ؛ فهو مخطئٌ في هذا الاعتقاد ؛ فإنه لم يزلْ ، ولا يزالُ في كلِّ وقتٍ مَن يَنهى عن عامَّة العادات المحدَثة المخالفةِ للسُّنة ، وما يَجوز دعوى الإجماع بعملِ بلدٍ -أو بلادٍ- من بلاد المسلمين .
[ اقتضاء الصراط المستقيم (2/89) ]
ثم كم ذُكرَت الكَثرة في القرآن ، وأُريدَ بها الذمُّ ؟! وُذكرت القِلَّة ، وأُريدَ بها الثناء ؟!
ثم إنَّ العبرة في الدليل الشرعي ؛ المبني على الكتاب والسنة ؛ وأما أهلُ العلم ؛ فيُستدَلُّ لأقوالهم ، ولا يُستدَلُّ بها !
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنَّ الحقَّ لا يُعرَفُ بالرجال ؛ اعرِفِ الحقَّ ، تعرفْ أهلَه .
[ الذريعة للراغب الأصفهاني (171) ]
وإن تعجَبْ : فعجبٌ استدلالُ بعضهم على جوازِ المولدِ بأبي لهب !
قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله : لا يزالُ الناس بخيرٍ ، ما تعُجِّبَ من العجب .
[ المورد للفاكهاني (13) ]
وعند أهل أصول الفقه :
قال العلامة تاج الدين الفاكهاني رحمه الله عن المولد : إمَّا أن يكون واجبًا ، أو مندوبًا ، أو مباحًا ، أو مكروهًا ، أو محرَّمًا .
وهو ليس بواجبٍ – إجماعًا –
ولا مندوب ؛ لأن حقيقة المندوب : ما طلبهُ الشرعُ من غير ذمٍّ على تركهِ .
وهذا : لم يأذن فيه الشرع ، ولا فعلَهُ الصحابة ، ولا التابعون ، ولا العلماء المتديِّنون (فيما علمتُ)
وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى ؛ إنْ عنهُ سئلتُ .
ولا جائز أن يكون مُباحًا ؛ لأنَّ الابتداع في الدين ليس مُباحًا بإجماع المسلمين .
فلم يبق إلَّا أن يكون مكروهًا أو حرامًا !
[ المورد في عمل المولد (10) ]
وعند أهل مصطلح الحديث :
السُّنة : ما جاء عن النبي ﷺ ، من قولٍ ، أو عملٍ ، أو تقرير ، أو صفة خَلْقية ، أو خُلُقية ؛ والاحتفالُ بالمولد : ليس واحدًا من هذه الخمسة ؛ فدلَّ على أنه ليس منها !
بل لقد تكاثرت نصوصُ السنة على التحذير من مثلِ هذا الاحتفال المخترع .
قال رسول الله ﷺ : وشرَّ الأمور : مُحدثاتها .
[ صحيح البخاري (7277) ]
وقال ﷺ : مَن أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ فيه فهو ردٌّ .
[ متفق عليه (2697) (1718) ]
وقال ﷺ : فعليكم بسنَّتي ، وسنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين ؛ عَضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والأمور المحدثات ؛ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة .
[ صحيح سنن ابن ماجه (42) ]
وعند أهل التاريخ والسير : فإنهم اتفقوا على أنَّ مولدَ الرسول كان يوم الإثنين :
فقد سئل النبي ﷺ عن صومِ يوم الاثنين ؟ فقال : ذاك يوم وُلِدتُ فيه ، ويوم بعثتُ [ أو ] أنزلَ عليَّ فيه .
[ صحيح مسلم (1162) ]
واتفقوا على عام الوفاة وشهرِه :
فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وكانت الوفاة النبوية في شهر ربيع الأول ، سنة إحدى عشرة باتفاق .
[ فتح الباري (9/448) ]
واختلفوا في الشهر واليوم الذي وُلد فيه ؛ فقِيل في شهر صفر ؛ وقيل في ربيع الأول ؛ وقيل في ربيع الآخر ؛ وقيل في رجب ؛ وقيل في رمضان ؛ وقيل في شهر ربيع الأول يوم 2 أو 8 أو 10 أو 12 أو 17…
وليس لأحدِ هذه الآراء ما يُرجِّحه على الآراءِ الأخرى .
[ انظر سيرة ابن هشام (1/158) والبداية والنهاية لابن كثير (2/320) وعيون الأثر لابن سيد الناس (1/33-34) ]
فكيف يَفرحُ المسلمُ ويَحتفلُ في الشهر الذي انطفأ فيه نورُ الوحي ، وانقطع بالمسلمين الأمان من العذاب ؛ الذي جعله اللهُ في الأرض ؛ فقال سبحانه : { وما كان اللهُ ليعذِّبهم وأنت فيهم } ؟!
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : أمانان كانا في الأرض : فرُفِعَ أحدُهما ، وبقيَ الآخر .
[ مستدرك الحاكم (1989) ]
بل كيف يفرحُ ويحتفلُ المسلم في شهرٍ وَقعتْ فيه مُصيبة تهونُ دونها كلُّ مصيبة ؟!
قال رسول الله ﷺ : إذا أصابَ أحدَكم مصيبةٌ ؛ فليذكُرْ مصيبتهُ بي ؛ فإنها من أعظمِ المصائب .
[ صحيح الجامع (347) ]
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : وما رأيتُ يومًا كان أقبحَ ، ولا أظلمَ ، من يوم ماتَ فيه رسول الله ﷺ ..
[ شرح السنة للبغوي (3834) ]
وقال العلامة تاج الدين الفاكهاني رحمه الله : الشهر الذي ولد فيه ﷺ ، وهو ربيع الأول : هو بعينه الشهرُ الذي تُوفي فيه ؛ فليسَ الفرحُ فيه بأولى من الحزنِ فيه !
[ نقله السيوطي في : الحاوي للفتاوي (1/224) ]
والحقيقة أن هذا الاحتفال من مكرِ الروافضِ والقرامطةِ العُبيديين (الذين سمَّوا أنفسهم زورا بــ : الفاطميين) ، ومن استدراجهم للمُسلمين ؛ فإنَّهم أوَّلُ مَن ابتدعَ هذا الاحتفال !
قال العلامة المقريزي رحمه الله : وكان للخلفاء (الفاطميين) في طولِ السنة أعيادٌ ومواسمُ … ( ثم عدَّها ؛ ومنها المولد النبوي )
[ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (1/490) ]
وقال مفتي مصر -سابقًا- محمد بن بخيت المطيعي رحمه الله : إنَّ أولَ مَن أحدَثها بالقاهرة : الخلفاء (الفاطميون) وأوَّلهم : (المعز لدين الله) .
[ أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنةِ والبدعة من الأحكام (44) ]
وقال علي محفوظ رحمه الله : أوَّلُ مَن أحدَثها بالقاهرة الخلفاء (الفاطميون) في القرن الرابع .
[ الإبداع في مضار الابتداع (126) ]
قال القاضي عياض عن العُبيديين : إنَّ حالَ بني عبيد : حالُ المرتدّين والزنادقة .
[ ترتيب المدارك (4/720) ]
فهذا التقليد الأعمى لأهل الشركِ والزندقة ، مصداقُ قولِ النبي ﷺ : لا تقومُ الساعة ، حتى تأخذَ أمتي بأخذِ القرونِ قبلَها ، شبرًا بشبرٍ ، وذراعًا بذراع .
[ صحيح البخاري (7319) ]
وعند الشعراء :
قال أحدهم :
ألا قلْ لهمْ قولَ عبدٍ نصوحٍ
وحقُّ النصيحةِ أن تستمَعْ :
متى علمَ الناسُ في دِيننا
بأنّ الغِنا سُنّة تُتّبعْ ؟
وأن يأكلَ المرءُ أكلَ الحمارِ
ويَرقصَ في الجمعِ حتى يقعْ ؟
وقالوا : “سَكِرْنا بحبِّ الإلهِ”
وما أسكرَ القومَ إلَّا القِصَعْ
كذاكَ البهائمُ إن أُشبعَتْ
يرقِّصُها رِيُّها والشِّبَعْ
ويُسكِرهُ النايُ ثمَّ الغِنا
وياسينُ لو تليَتْ ما انصَدَعْ
فيا للعقولِ ويا للنُّهى
ألا مُنكِرٌ منكمُ للبدَعْ
تُهانُ مساجدُنا بالسماعِ
وتكرَمُ عن مِثْلِ ذاكَ البِيَع !
فاحرص أيها الأخ المحبُّ لدِينه ولنبيِّه .. ألا يستدرجك الشيطان ؛ فتقع في حبائله ، وإياك إياك وهذا الاحتفال الذي ابتدعه أعداء الإسلام ؛ فإن حبَّ النبي ﷺ لا يكون بمخالفة أمره وهديه .. !
والله أعلم ، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا وحبيبنا مُحمدٍ ، وآله وصحبه ، والحمد لله ربِّ العالمين .
أخوكم : فراس الرفاعي
١٢ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ
المولد عند أهل الشريعة