« أبناؤنا مع الصلاة »
محمد بن سليمان المهوس /جامع الحمادي بالدمام
في 14/2/ 1447
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللَّهِ:
الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ تَعَالَى؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].
وَمِنْ طُرُقِ الدَّعْوَةِ الْمُتَاحِ لِلْكَثِيرِينَ مِنَّا: دَعْوَةُ الأَبْنَاءِ؛ وَهِيَ وَصِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ .. ﴾ [النساء: 11]
وَهِيَ وِقَايَةٌ وَحِمَايَةٌ لَهُمْ مِنَ النَّارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]
وَهِيَ رِعَايَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ نُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:« كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَلا شَكَّ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِبِ، وَأَجْزَلِ الْمَكَاسِبِ هُوَ صَلاَحُ الأَوْلاَدِ، وَاسْتِقَامَتُهُمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ؛ وَخُصُوصًا فِي أَعْظَمِ رُكْنٍ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ الصَّلاَةُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].
فَأَمْرُ الأَوْلاَدِ وَالأَهْلِ بِالصَّلاَةِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْوَالِدَيْنِ بَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ ؛ وَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتى يَسْألَ الرَّجُلَ عَنْ أهْلِ بَيْتِهِ»
[رواه ابن حبان، وصححه الألباني].
فَالأَبُ النَّاصِحُ يَسْتَشْعِرُ عَظَمَةَ هَذِهِ الأَدِلَّةِ، وَأَنَّهُ سَوْفَ يُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ أَوْلاَدِهِ مَعَ الصَّلاَةِ !
لأَنَّنَا نَجِدُ مَعَ الأَسَفِ مَنْ يَغْضَبُ، بَلْ رُبَّمَا ضَرَبَ الابْنَ عَلَى أُمُورٍ تَافِهَةٍ لاَ تَرْقَى إِلَى أَهَمِّيَّةِ الصَّلاَةِ، وَأَهْمَلَ أَمْرَ الصَّلَاةِ ! وَهَذَا وَاللَّهِ يُنْذِرُ بِشَرٍّ مُسْتَطِيرٍ، وَفَسَادٍ فِي التَّرْبِيَةِ، فَإِذَا لَمْ نَأْمُرْهُمْ بِالصَّلاَةِ فَبِمَاذَا نَأْمُرُهُمْ ؟ وَإِذَا لَمْ يُصَلُّوا الْيَوْمَ، فَمَتَى إِذًا سَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ مَعَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؟
تَأَمَّلُوا حَالَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَخُلُوَّ مَسَاجِدِنَا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ أَنَّ مُعْظَمَ آبَائِهِمْ يُصَلُّونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَلَكِنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي جَانِبِ الرِّعَايَةِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَأَهْمَلُوا أَمْرَ أَبْنَائِهِمْ بِحُجَجٍ وَاهِيَةٍ! وَالأَوْلَى أَنْ يُحْتَسَبَ الأَجْرُ فِي أَمْرِهِمْ وَتَعْوِيدِهِمْ عَلَى الصَّلاَةِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
فَاتَّقُوا اللَّهَ- عِبَادَ اللَّهِ- وَاصْبِرُوا وَصَابِرُوا، وَرَابِطُوا فِي تَعْوِيدِ الأَبْنَاءِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا عَلَى الصَّلَاةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [ طه:132]، فَالأَمْرُ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَنَصَبٌ، وَأَبْشِرْ! فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]. وَأَعْظَمُ الْإِحْسَانِ هُوَ الْإِحْسَانُ لِلْأَوْلَادِ .
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَزْوَاجَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَاجْعَلْهُمْ قُرَّة عَيْنٍ لَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ الأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى إِقَامَةِ أَبْنَائِكَ لِلصَّلَاةِ:
أَنْ تَكُونَ لَهُمْ أَيُّهَا الأَبُ قُدْوَةً صَالِحَةً فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا ، وَكَلِكَ التَّلَطُّفُ بِدَعْوَتِهِمْ، وَالشَّفَقَةُ وَالرَّحْمَةُ بِهِمْ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ إِيقَاظِهِمْ، وَالتِّلاوَةُ عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ [لقمان: 17]، أَسْمِعْهُمُ الأَجْرَ الْعَظِيمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ حَافَظَ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ ، وَقَوْلَهُ: « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [صَحِيحُ أَبِي دَاوُد]
قُلْ لِابْنِكَ وَأَنْتَ تُصَاحِبُهُ لِلْمَسْجِدِ: أَنْتَ يَا بُنَيَّ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّهُ بِهَا عَلَيَّ، وَقُلْ لَهُ: تَعْرِفُ يَا بُنَيَّ أَنِّي أُحِسُّ بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ عِنْدَمَا تُرَافِقُنِي لِلْمَسْجِدِ!! فَأَنْتَ تُعْطِيهِ الثِّقَةَ بِنَفْسِهِ ، وَتُعِينُهُ بَعْدَ اللهِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ .
أَخِيرًا.. الدُّعَاءُ لَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالصَّلاحِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ ، وَاجْعَلْهُمْ أَحْيَانًا يَسْمَعُونَ دُعَاءَكَ ، فَمِنْ دُعَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِأَبْنَائِهِمْ : ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم:40]
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَواهُ مُسْلِمٌ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ، وَالاعْتِصَامَ بِالْحَبْلِ الْمَتِينِ، حَتَّى نَلْقَاكَ وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾
[ الفرقان : 74 ]
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا، وَأَمِّنْ حُدُودَنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا، وَجَمِيعَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.