يقول السائل: ذكر الداعية محمد العوضي كلامًا غريبًا عن الكفار البوذيين وغيرهم، وعن عذابهم، فليتك تسمع كلامه وتُجيب على ما فيه من خطأ.
الجواب:
قد سمعتُ كلامه كاملًا، وبعد سماعي لكلامه أيقنتُ يقينًا زائدًا على يقيني التام السابق في حاجة الأمة الإسلامية إلى تعلُّم التوحيد، وإني لأعجب كيف يُزهَّد في تعلُّم التوحيد بحُجة أنَّ الناس عارفون له، حتى يقول بعض الدعاة الحركيين كسلمان العودة: يكفي الإنسان في تعلم التوحيد أن يتعلمه في عشر دقائق!
وها نحن نسمع كلامًا من مثل محمد العوضي، وهو قد برزَ للناس داعيةً، ومع ذلك خلطَ في مسائل مهمة تتعلق بتوحيد الله، فيا أمة محمد ﷺ اجتهدوا في تعلُّم التوحيد، ويا دعاة الإسلام اجتهدوا في تعلُّمه وتعليمه ونشره بين الناس، فإنَّ أمره عظيم وهو دعوة الأنبياء والمرسلين، والخطأ فيه جسيم، بل مُوجبٌ للكفر أو الضلال -عافاني الله وإياكم-.
وقبل التعليق على كلام محمد العوضي أُشير إلى مهمات سريعة:
الأول: الكفار عمومًا في النار، والأدلة على ذلك كثيرة، كما قال سبحانه في سورة البينة التي يحفظها كثير من صبيان المسلمين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6].
الثاني: الكافر الأصلي والمشرك كافرٌ ومشركٌ ولو لم تبلغهُ الرسالة، ولو لم تُرسَل إليهم الرسل، كما قال سبحانه: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: 6].
الثالث: من لم يُكفِّر الكافر الأصلي من المشركين ومن أهل الكتاب كاليهود والنصارى، فإنه مُكذِّبٌ للقرآن الذي كفَّرهم، ومَن كذَّبَ القرآن فهو كافر، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كما في رسالة (رأس الحسين) أنَّ مَن لم يُكفِّر الكفار فهو كافرٌ مثلهم بالإجماع؛ وذلك أنَّ مَن لم يُكفِّرهم فقد كذَّبَ القرآن.
الرابع: الكافر الأصلي أو المسلم الذي ارتكب مُكفِّرًا يُوجب خروجه من الملة بعد قيام الحُجة عليه، فإنه يجب عداؤه وبغضه بغضًا دينيًّا لا دنيويًّا، فإنَّ عداء الكفار يكون لأجل الدِّين لا لأجل الدنيا، كما قال سبحانه: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22].
فجعلَ مُوجب العداوة والبغضاء هو أنهم كفار، فالكافر يُبغَض لأنه كافر، لا لأجل الدنيا، وقد ضلَّ في هذا طائفة من الحركيين ممن جهلوا دين الله، كالقرضاوي والسويدان، وغيرهم، فظنوا أنَّ عداء الكفار لأجل الدنيا لا لأجل الدين، وسلفهم في ذلك شيخهم وإمامهم رأس الإخوان المسلمين ومؤسس جماعتهم: حسن البنا، ومَن تبعهُ.
وظنوا أنَّ الشريعة لما جاءت بحبِّ الزوجة الكافرة إذا كانت كتابية، أو بحب القريب الكافر، أنَّ هذا يدل على أنَّ عداء الكفار ليس لأجل الدِّين وإنما لأجل الدنيا، وهذا خطأ، وقد بيَّن هذا الخطأ العلماء كالحافظ ابن حجر في شرحه على البخاري، وابن كثير في تفسيره، والشيخ سليمان بن عبد الله في كتابه (تيسير العزيز الحميد) وشيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في شرحه على كتاب التوحيد.
وبيَّنوا أنَّ محبة القريب الكافر هي محبةٌ طبعية، فهو يُحَب من جهة قرابته ويُبغَض من جهة الدِّين، فلا تنافي بين ذلك، وأُقرِّب ذلك بمثال: وهو أنَّ الدواء الكريه يُحبُّ من جهة نفعهِ ويُكره من جهة طعمه، ولا تنافي بين ذلك، وكلام أهل السنة كثير في تقرير عداوة الكفار، وأما كلام الله في القرآن فهو ظاهرٌ بيِّنٌ، وكذلك كلامُ رسولِ الله ﷺ.
الخامس: يُخطئ من يُطلق حرية الأديان، فكثيرٌ من المنهزمين والانهزاميين في هذا العصر يُرددون حرية الأديان، ومنهم كثير من المفكرين، وهذا خطأ، فإنَّ الشريعة لا تُقر حرية الأديان بهذا اللفظ المجمل، بل لابد من تفصيلٍ فيه.
ومن التفصيل فيه أنَّ الشريعة لا تسمح للمسلم أن يكفر بعد إسلامه، بل لو كفر بعد إسلامه فإنه يُقتل؛ لما أخرج البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ النبي ﷺ قال: «مَن بدَّلَ دينَهُ فاقتلوهُ».
وكذلك من التفصيل فيه أنَّ الكافر الأصلي يبقى على كفرِه ولا يُكرَه على دخول دين الإسلام، بل يُدعَى إلى الإسلام فإن استجاب فالحمد لله، فإن لم يستجب فإنه يدفع الجزية، وهذا في حال قوة الإسلام، فيدفع الجزية ويبقى تحت حكم المسلمين، هذا في الكتابيين عند العلماء، واختلفوا في غير أهل الكتاب.
فالمقصود أنه في حق الكافر الأصلي لابد من التفصيل فيه، فهو يُدعَى إلى الإسلام ولا يُكرَه في دخول الإسلام، فإن لم يُقر فإنه يُؤمر بدفع الجزية، هذا في حال قوة الإسلام.
فإذَن لا يُطلق القول بحرية الأديان هكذا على الإطلاق، فهذا خطأ، والإسلام لم يأتِ بهذا، على ما تقدم بيانه، وفي المقابل الشريعة مع أنها دعت إلى بغض الكافرين وغير ذلك إلا أنها حرَّمت غدر العهد بهم ونقض الأمان، بل حرَّمت ذلك في الجهاد فضلًا عن غيره، كما أخرج مسلم من حديث بريدة -رضي الله عنه- أنَّ النبي ﷺ قال: «أغزوا باسم الله، قاتلوا في سبيل الله …» ثم قال: «اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا»، فقد نهى عن الغدر في القتال فضلًا عن غيره.
وثبت في البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنَّ النبي ﷺ قال: «من قتلَ معاهدًا لم يرَح رائحة الجنة»، أي مَن قتل مُعاهدًا كافرًا، قال: «وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
إذَن لابد أن تُعرف هذه الأحكام ولا يُجمَل فيها بنفيٍ ولا إثبات.
السادس: أنَّ الشريعة فرَّقت بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة، كما بيَّن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كما في (مجموع الفتاوى) في المجلد السابع وغيره، فلا يلزم من كون الكافر الأصلي في الحياة الدنيا كافرًا أنه لابد أن يُعذَّب في الآخرة، لِذا فرقٌ بين هذا وذاك.
وقد ثبت عند أحمد وغيره أنَّ أربعةً يحتجّون على الله يوم القيامة، وذكرَ منهم رجلًا من أهل الفترة يتحجّ على الله ويقول: لم تأتني رسُلُك. ومثل هؤلاء على أصح أقوال أهل العلم -كما رجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وجماعة من أهل العلم- أنهم يُمتحنون يوم القيامة كما جاء الحديث بذلك، وتُوقد لهم نار فيأمرهم الله بدخولها، فإن دخلوها نجوا وإن لم يدخلوها جُروا إلى النار -عافاني الله وإياكم-.
فالمقصود أنهم يُمتحنون يوم القيامة، أما في أحكام الدنيا فيقال إنهم كفار وتُجرى عليهم أحكام الكفار وغير ذلك، -هذا في الكافر الأصلي-، أما في أحكام الآخرة فلا يلزم أنَّ كلَّ كافرٍ في الدنيا يكون خالدًا مُخلَّدًا في النار.
ويؤيد ذلك ما ثبت في مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»، مفهوم المخالفة: أنه إن لم يسمع به فإنه لا يدخل النار، بل بدلالة الدليل السابق يُمتحَن يوم القيامة.
وعدم الجزم بدخول كل أهل الفترة النار لا ينافي أنهم كفار، وأنهم ُبغضون ويُعادون بل يجب أن يُقام معهم عقيدة الولاء والبراء وأن تُقام معهم أحكام الدنيا، وهو الأهم فيما نحن بصدده في هذه الحياة الدنيا.
مع اعتقاد ما جاءت به الشريعة في أحكام الآخرة، لكن لا يُضرب هذا بهذا، بل يُؤمن بالجميع، كما قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208] وذمَّ الله الكافرين بقوله: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85].
وبعد هذا، إذا عُرِف ما تقدم عُلِم ما في كلام العوضي من الإجمال وعدم التفصيل، وأنه ذكر كلامًا فيه إجمالٌ كبير، ويفهم منه من لا يدري أنَّ مقتضى هذا الكلام ألَّا يُكفَّر حتى الكافر في أحكام الدنيا، وهذا خطأ.
وكان المفترض أن يُبيِّن أنَّ الكافر في أحكام الدنيا كافر، وأنه يُبغَض ويُعادى …إلى غير ذلك، ثم بعد ذلك يتكلم على ما يتعلق بأحكام الآخرة، لا أن يُجمَل هذا الإجمال الذي يُفهم منه أنه لا يُكفر الكافر الأصلي في أحكام الدنيا.
ثم عجبي الذي لا يكاد ينقضي أنه في هذه المسألة العظيمة يعتمد على كلام أبي حامد الغزالي، وهو معروف أنه من المتكلمين، بل مما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن ابن العربي المالكي أنه ذكر عن شيخه أبي حامد الغزالي أنه دخل في بطون الفلسفة وما استطاع أن يخرج من ذلك وما استطاع أن يتقيَّأها.
فهو من المتكلمين المتلطخين بالفلسفة وأفكار الفلاسفة، فمثل الغزالي لا يصح أن يُعتمَد عليه في الدِّين كله فضلًا عن مسائل العقائد التي ضلَّ فيها وزاغ.
وإني في الختام أدعو المسلمين أجمعين أن يعتنوا بتوحيد الله، وأن يقوموا بالواجب الشرعي وهو تعلم توحيد الله، لاسيما الدعاة وأهل العلم، فيجب عليهم أن يتعلموا التوحيد وأن يتعاهدوه وأن يُعلموا الناس التوحيد.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا.