وقفات مع الدكتور: جاسم الجزاع


 

الحمد لله رب العالمين، وبعد:

استمعتُ لمقطعٍ من محاضرةٍ للدكتور جاسم الجزاع -وفقه الله لكل خير- فوجدته قد خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، عسى الله أنْ يتوبَ عليه.
وقد صدق من قال: ” من تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب “.
وقد قيل: ” من كثُرَ كلامُه كثُرَ خطؤُه “.
الدكتور -عفا الله عنه- قعّد قواعد ونظّر وقسّم وفرّع فروعًا لم تكن من منهج السَّلف ( أهل السنة والجماعة)، ناهيك عن التناقض في القول والطَّرح.
والرَّزيةُ كلَّ الرَّزية أنَّه عنوَنَ محاضرته بـ ” السَّـــلفيون والسلطة “، والسَّــلفيون ومنهج السلف بُرَآءُ مما قال.

وسأذكرُ مسألةً واحدةً من المسائل التي طرحها ونسبها لأهل السُّنة والجماعة، وأكتفي بها؛ ليقفَ المسلمُ على بيِّنةٍ من منهج السلف في هذه المسألة، وحتى لا ينخدع بهذا التخبُّط الذي جعل الباطل منهجًا لأهل السنة والجماعة، وهم منه بُرَآءُ!!
لقد أوهم الدكتورُ -عفا الله عنه- السامعَ أنَّ لأهل السنةِ والجماعة منهجين: منهجًا قديمًا، ومنهجًا أقدم من القديم.
قال الدكتور: ” أهلُ السُّنة والجماعة في بداية أمرهم على المنهج القديم، وهو جواز الخروج المُسلَّح على السلطان، والذي ارتضى هذا المنهج القديم هو الحسين بن علي، وارتضاه عبدالله بن الزبير، وارتضاه مجموعة من التابعين كسعيد بن جبير ومجموعة من الصحابة، وقال به أئمة السلف… ، ثم قال الدكتور: ولكن هذه الثورات أخفقتْ لم تؤتِ ثمارَها، ولم تتولَّ السلطة، وقُتِل منهم الكثير، ثم قالوا ( أي أهل السنة والجماعة): دعونا نرجع للأصول النبوية في المسألة حينما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : سوف يأتي عليكم أئمة الجَـــورِ فاصبروا. ثم اســتقـرَّ بعد ذلك على عدمِ الخروج ” انتهى كلام الدكتور.

ولي على كلامه عدة وقفات:

الوقفة الأولى:

من زعمَ أنَّ للصحابةِ منهجًا قديمًا أو جديدًا فقد افترى عليهم وأساءَ وظلَم، وأهل السنة والجماعة وعلى رأسهم الصحابة؛ ليس لهم منهجٌ غيرَ المنهجِ الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- : كتاب الله وسنته، وتركهم على المحجَّة البيضاءِ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

الوقفة الثانية:
من تناقض الدكتور جعلُ منهجِ أهلِ السُّـــنة والجماعة الخروجَ المسلَّحَ على الحاكم، قائلًا: ” الذي ارتضى هذا المنهج القديم (منهج الخروج) هو الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير…]!!! وهذا يدل عدم درايته بمنهج السلف، وما نسبه إليهم إنَّما هو شعار أهل البدع كالرافضة والخوارج والمعتزلة. أمَّا أهل السنة والجماعة فيقررون ويؤكدون في كتب العقائد عدمَ جواز الخروج المسلح على الحاكم المسلم وإن جارَ وظلمَ، واعتبروا عدم الخروج أصلًا من أصولهم يتميزون به عن سائر أهل البدع كالخوارج وغيرهم.
ولا شكَّ أنَّ كلامَه فيه مُجازفةٌ ظاهرة لا تخفى على كل عاقلٍ.
إنَّ السلفيين (أهل السنة والجماعة) لا يرون الخروج المُسلَّح على السلطان الجائر، ولو قال الدكتور: إنَّ هذا رأيٌ لبعض أهل السنة والجماعة؛ لكان هذا أخف وطأة من الإطلاق والعموم؛ ولكن قوله هذا فيه تدليس وتضليل وإيهام للمستمع أنَّ أهل السنة والجماعة يُجيزون الخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم قولًا واحدًا.
بل قال الدكتور: ” ليس هناك قولٌ فصلٌ في مسألة الخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم هل يجوز أو لا يجوز “!!! ولا ريب أنَّ كلامَه بعيدٌ كل البعد عن الحق، وفيه تدليس وتغرير بالشباب وبالنشء الصغار؛ لأنَّ الشبابَ لا يقرأ مع الأسف؛ وإنما يتلقى المعلوماتِ من المواقع وعبر الفيديوهات، وكلام الدكتور يجعلهم يعتنقون مذهبَ الخوارجِ ظانين أنه منهج أهل السنة والجماعة، كما يجعلهم أداة سهلة في يد أعداء الإسلام الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، بل يجعلهم لقمة سائقة للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش.

الوقفة الثالثة:
قال الدكتور: ” والذي ارتضى هذا المنهج القديم وهو الخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم: هو الحسين بن علي، وارتضاه عبد الله بن الزبير، وارتضاه مجموعة من التابعين كسعيد بن جبير ومجموعة من الصحابة، وقال به أئمة السلف”.
قلتُ: كلام الدكتور فيه نظر من عدة أوجه:

الوجه الأول: ليس هناك منهج قديم ارتضاه الحسين وعبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير غير المنهج الذي شرعه الله لعباده وارتضاه لهم، وبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- أيَّما بيان، بدليل أن الدكتور يقول: ” ثم قالوا (أي أهل السنة والجماعة ): دعونا نرجع للأصول النبوية في المسألة حينما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : “سوف يأتي عليكم أئمة الجَور فاصبروا “، إذن الأصول النبوية تحرم الخروج، والمسلم مأمور أن يأخذ الأحكام من الإسلام ومن الأصول النبوية، وليس من اجتهاد الأفراد فالأفراد قد يخطؤون.
ولذلك نقول إنَّ الخروج على الأمراء والحكام كان رأيًا واجتهادًا ليس صائبًا لبعض السلف، وقد حدثت منهم فتن كثيرة، ثم تراجعوا وندموا، ولهذا استقر أمرُ أهل السنة على الصبر على جَــورِ الأئمة وترك الخروج عليهم، وأجمعوا على ذلك.
قال ابن كثير: (في وصف فعل من خرج في فتنة ابن الأشعث:ولهذا لما كانت زلة وفلتة نشأ بسببها شر كثير ، هلك فيه خلق كثير).

مع التنبيه بأن جماعة من أهل العلم ممن خرج على الحجاج نسب إليهم أنهم يرون كفره كفراً بواحا، وأنه طاغوت، قال الحافظ ابن حجر:( وكفره جماعة منهم سعيد بن جبير والنخعي ومجاهد وعاصم بن أبي النجود والشعبي وغيرهم ).
ولذلك قد يجتهد الصحابيُّ أو التابعي في مسألة من المسائل ولا يوافق اجتهادُه الحقَّ، فهو مأجور على اجتهاده، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية، ولو نظرنا إلى فعل ابن الأشعث وسعيد بن جبير وغيرهما الذين يرون الخروج المسلح لوجدنا أنهم اجتهدوا وأخطؤوا، وعلى قولك يا دكتور : ” فإنهم تركوا الأصول النبوية التي فيها السلامة” ، ولا يجوز أن نجعل الخطأ منهجًا وقولًا معتبراً؛ لأنه ليس كل خلاف جاء مُعتبرًا؛ لا سيما إذا خالف النص الشرعي.
إنَّ من المتقرر عند الأصوليين والمُحدثين والفقهاء:
أن الصحابي إذا خالف نصًّا شرعيًّا؛ فيُقدم النص ولا يُعمل بقوله ويكون مردودًا، وأن النصوص الشرعية حجة على كل من خالفها وتُقدم عليه.
وأن قول الصحابي إذا خولف فيه وكان مجتهدًا فيه؛ فإن قولَه في ذلك ليس بحجة، وذلك إذا خالف فيه صحابي مثله، بل يرجح بين أقوالهم ويُنظر في الأقرب إلى الدليل الشرعي.

قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ” وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء”.
وقد جاءت النصوص الشرعية تحرم الخروج على ولاة الأمور بسبب المعاصي والظلم والجور، كقوله -صلى الله عليه وسلم- : ” بايَعَنا علَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرِنا ويُسْرِنا وأَثَرَةً عَلَيْنا، وأَنْ لا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ، إلَّا أنْ تَرَوْا كُفْرًا بَواحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه بُرْهانٌ “.
ومعنى ” كفرًا بواحًا” أي: واضحًا صريحًا لا لبس فيه ولا احتمال.
وجاءت أحاديث كثيرة جدًّا تأمرنا بالصبر على ظلم الولاة.
قال ابن تيمية -رحمه الله- : ” ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته “.
والعجيب من الدكتور أنه قال: ” ولكن هذه الثورات أخفقتْ لم تؤت ثمارها ولم تتولَّ السلطة، وقُتِل منهم الكثير”.
قلتُ: إذا كانت هذه الثورات أخفقت؛ إذن لا يمكن أن تأتي بها الشريعة أو تُقـــرَّها أو يقول بها أهل السنة والجماعة؛ لأنها شر ومفسدتها راجحة، والشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.

الوجه الثاني: الدكتور اختلط عليه ما قرأه، وتداخلت المسائل عليه، وكان الواجب على الدكتور تحرير المسائل، وقد وقع في التدليس والتهويل، كقوله: ” أهل السنة والجماعة في بداية أمرهم على المنهج القديم وهو جواز الخروج المسلح على السلطان”.
وقال الدكتور في ثنايا الكلام: ” ليس هناك قول لأهل السنة والجماعة في مسألة الخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم يجوز أو لا يجوز” !!!
وقال أيضًا: ” قال بالخروج المسلح على الحاكم المسلم الظالم الحسين وعبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير وأئمة السلف” !!!
كل هذا من التدليس والتهويل!!!
ولو كان الدكتور يتصف بالأمانة العلمية، ويعرف الراجح من المرجوح، والصحيح من السقيم، ويدرك أنه لا يصح أن يُجعل مِن كل قول خلاف، ولا كل خلاف يُعتبر؛ لما وقع في هذا التخبط المنهي عنه شرعًا على رؤوس الأشهاد، ولا يتجاسر على مثل هذه الأقوال إلا من لم يجعل الله له حظًّا في العلم.
ولعلنا نلحظ على هذه المحاضرة من خلال طرح الدكتور أنه يسرد كل ما قرأه واطلع عليه، وما يهجِس به خاطره من غير معرفة الحق من الباطل، وقد ذكَّرني بالمثل العربي الذي يقول: ” ما أنا بحاطب ليل”، ويُضرب المثل للرجل الذي يجمع كل شيء ولا يميز بين الأقوال صحيحها وسقيمها، جيدها وضعيفها.
وكان على الدكتور أن يتقيَ الله في الشباب، ولا يتصدى لمثل هذه المسائل التي هي أصل من أصول أهل السنة والجماعة، فيضعها في غير موضعها، والله المستعان.

الوجه الثالث: الحسين بن علي -رضي الله عنه- لم يخرج للقتال ولا لسفك الدماء؛ وإنما خرج بناءً على الكتب الكثيرة التي جاءته من العراق لمبايعته ولمناصرته، فغلب على ظنه أن خروجه فيه مصلحة للإسلام والمسلمين، ومع ذلك أنكر عليه عظماء الصحابة في وقته، كابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي واقد الليثي، وأخيه محمد ابن الحنفية، وغيرهم، وليس خروجه حجة إذا اعتبرناه خروجًا؛ وإنما الحجة بالنصوص الشرعية.
قال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال: العراق وشيعتي. قال: إني لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، حتى تركهم سخطة وملَّهم، أُذَكِّرُكَ الله أن تُغَرِّرَ بنفسك.
وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله في نفسك، والزم بيتك، فلا تخرج على إمامك.
وكلَّمه في ذلك جابر بن عبد الله قال: كلَّمْتُ حسينًا فقلت: اتقِ الله، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم، فعصاني.
وكلمه أبو واقد الليثي قال: بلغني خروج حسين، فأدركته بملل فناشدته الله ألَّا يخرج.
وعندما وصل الحسين -رضي الله تعالى عنه- إلى العراق تبيّنت له الخيانة، وأن ابن عمه مسلم بن عقيل قُتل، وأن من كاتبوه لم يكونوا من الصادقين في دعوتهم إياه، فأراد الرجوع من حيث أتى، ولكن مُنع.
قال شيخ الإسلام بن تيمية: ” والحسين -رضي الله عنه- كان يظن أنَّ أهل العراق ينصرونه، ويفون له بما كتبوا إليه، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل، فلما قتلوا مسلمًا وغدروا به وبايعوا ابن زياد أراد الرجوع، فأدركته السرية الظالمة، فطلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده، فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى يستأسر لهم، فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيدًا مظلومًا -رضي الله عنه- ).
وكذلك عبد الله بن الزبير مكث في مكَّةَ ولم يبايع يزيدًا، ولم يخرج عليه، ثم مات يزيد بن معاوية وتولى بعده ابنه معاوية، ولم تطل خلافته وإنما مكثت خلافته أياما ثم مات، ثم حكم بعده مروان بن الحكم ولم تطل أيامه، ثم تأمَّر بعده ابنه عبد الملك.
قلتُ: بعد موت يزيد بايع أهل الحجاز مكة والمدينة، واليمن والعراق ومصر عبد الله بن الزبير
قال الذهبي -رحمه الله- : ” وبويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على ، الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان، وبعض الشام ، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة ؛ فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبدالملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، وقتل ابن الزبير رحمه الله، فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، واستوسق لهم الأمر ).
قال ابن عمر له ولابن الزبير -رضي الله عنهم-: ” أذكركما الله إلاّ رجعتما ولا تفرقا بين جماعة المسلمين”. وكان يقول: ” غلبَنَا الحسين بن علي -رضي الله عنهما- بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغي له أن يتحرّك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير”.
قال أبو نوفل: ” رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس، حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه: فقال السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا “.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد. وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما: ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث.
وقال ابن تيمية: ” ولهذا لما أراد الحسين أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبًا كثيرة: أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ألاّ يخرج …”.
ومما لا شك فيه أنَّ الأدلة الشرعية والسنة النبوية دلَّتْ على تحريم الخروج على الحاكم المسلم الجائر، ولعلنا نلتمس العذر لمن خرج من السَّلف بعدم علمه بالنصوص النبوية الخاصة بالنهي عن الخروج على الأئمة، أو تأوَّلها فخرج، ثم رجع عن هذا الرأي واستقر بعد ذلك الإجماع على منع الخروج على الحاكم المسلم الظالم.
قال مالك بن دينار: لقيت معبدًا الجهني بمكة، بعد فتنة ابن الأشعث وهو جريح، وقد قاتل في المواطن كلها، فقال: لقيت الفقهاء والناس، لم أرَ مثل الحسن، يا ليتنا أطعناه!! كأنه نادم على قتال الحجاج.
وقال حماد بن زيد: ذكر أيوبُ السختياني القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث، فقال: لا أعلم أحدًا منهم قُتِل إلا قد رُغِب عن مصرعه، ولا نجا أحد منهم إلا حَمِد الله الذي سلَّمه، وندِم على ما كان منه.
ومعنى ” إلا قد رغب عن مصرعه” : قيل: ليته ما مات في هذا، ليته سَلِمَ من هذه الفتنة.
قال الذهبي وغيره من العلماء: ” فالذي عليه عامة العلماء وأئمة السلف هو الصبر على الإمام الجائر وعدم الخروج عليه؛ لأن في منازعته والخروج عليه استبدالُ الأمنِ بالخوفِ، وإراقةُ الدماءِ، وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جَــور الأئمة.

وقال الإمام أحمد: لا يحلُّ قتال السلطان ولا الْخروج عليه لأحد من النَّاس فَمن فعل ذلك فهو مُبتدع على غير السنة والطريق.

 

الوقفة الرابعة:

نصيحتي لنفسي ولكل مسلم أن يحذر من أمرين: حُبِّ الشهرة والحرص على تبوُّءِ المكانة؛ لأن هذه الأمور تقصم الظهور وتدفع المسلم إلى أن يثرثر، وأن يقول ما لا يعلم!! قال -صلى الله عليه وسلم- : ” من صمت – وفي رواية: من سكتَ نجا “.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

كتبه: أبو محمد/ فيحان بن سرور الجرمان.

 

 


شارك المحتوى: