هل يوجد في زماننا هذا صوفيِّة معتدلة؟ وهل لابد من قبول النقل بعد عرضه على العقل أم أنه مقدَّم عليه؟


يقول السائل: هل يوجد في زماننا هذا صوفيِّة معتدلة؟ وهل لابد من قبول النقل بعد عرضه على العقل أم أنه مقدَّم عليه؟

يُقَالُ جوابًا عن هذا السؤال: إنه قد غلب في زماننا إطلاق الصوفية على الصوفية المشركين أو على الصوفية المبتدعة.

والصوفية المعتدلة بمعنى أنها تتَّبع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، هؤلاء هم السلفية المعتدلة، هذا كثير، وكُلُّ المتعبدين من أهل السنة هم صوفية معتدلة، كما كان يطلق لفظ الصوفية على المتعبدين ممن لم يقعوا في البدع، وكُلُّ متعبِّد من أهل السنة فهو صوفي معتدل، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية ثم ابن القيم وقبل ذلك ابن الجوزي في كتابه “تلبيس إبليس” أن الصوفية كانت تُطلَق على أقوام من أهل الخير في أوَّل الأمر، ثم بعد ذلك اشتهر إطلاقُها على أقوامٍ خالفوا السنة.

فلذا؛ ذكر ابن تيمية ثم ابن القيم أن لفظ الصوفية لا يُذمَّ مطلقًا، بل قال ابن تيمية: “فمنهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق للخيرات”.

وما ذكره شيخ الإسلام ثم تلميذه ابن القيم حق، لكنهم يريدون بالصوفية الذين هم على الهدى، هم المتعبِّدون من غير شرك ولا بدعة، لذا كُلُّ متعبِّد من أهل السنة على هذه الصورة، فإنه صوفي بهذا المعنى.

إلا أنه لا يصح في ظني أن يكثر تردّد هذا الأمر، أي: أن يطلق الصوفية على من كان تعبُّده باعتدال؛ لأنه قد اشتهر هذا الإطلاق على أهل البدع، وقد صار عرفًا سائدًا، إذا قيل: إن فلانًا صوفيٌّ، أي: أنه ما بين أن يكون مشرِكًا أو مبتدعًا.

لذا اشتهر عند أهل السنة ذم التصوف بإطلاق، وهم في ذلك يستعملون لفظ الصوفية على الاستعمال العرفي.

أما قوله: وهل لابد من قبول النقل بعد عرضه على العقل؟

فيقال: كلا بل العقل تابع للنقل، ويجب التسليم للنقل، سواء اتضح للعقل المراد بالنقل أو لم يتضح له، كما قال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[النساء:65]، وكما قال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36].

فالعقول تابعة للشرع، وكما ثبت عند أبي داود أن عليًّا –رضي الله عنه – قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أَولَى بالمس من أعلاه، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمح على ظاهر خفيه».

ثم مما يؤكد أنه لا يصح الاعتماد على العقل أن عقول الناس متباينة، هذا يرى هذا الأمر صوابًا، وذاك يرى خلافه، كما بين هذا السجزي في رسالته إلى أهل زبيد، وذكره أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية، بل مما يؤكد ذلك: أن الرجل نفسه تختلف نظرته للشيء ما بين حين وآخر، فدل هذا على ضعف العقول، وأنها تابعةٌ للشرع.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمنا بما ينفعنا، وأن ينفعنا بما عَلَّمنا، وجزاكم الله خيرًا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى: