هل معنى التلازم بين الظاهر والباطن أن الكفر والشرك في الظاهر يلزم منه الكفر في الباطن بعد شروط التكفير؟


يقول السائل: هل معنى التلازم بين الظاهر والباطن أن الكفر والشرك في الظاهر يلزم منه الكفر في الباطن بعد شروط التكفير؟ وهل هذا القول بالتلازم في اصطلاحات بعض المحققين مثل ابن القيم أن الكفر يكون اعتقاديًا وعمليًا بمعنى أن الكفر الاعتقادي يوجب الكفر العملي، يكون بالقول والاعتقاد والعمل …؟ إلخ

الجواب:
ينبغي أن يُعلم أن التلازم بين الظاهر والباطن قد دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وفتاوى صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأدلة في هذا كثيرة وليست قليلة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [المائدة: 81] وجه الدلالة: أن اتخاذهم الكافرين أولياء دليل على أنهم لا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه، فدل على أن الظاهر والباطن متلازمان.

وكقوله تعالى: ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22] وجه الدلالة: كالآية السابقة، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهاتين الآيتين على التلازم بين الظاهر والباطن.

ومن الأدلة قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 47] وجه الدلالة: أنه لتلازم الظاهر مع الباطن لو كانوا صادقين في إرادة الخروج لأعدوا له عدة، فدل على أن الظاهر والباطن متلازمان، وقد بيَّن هذا القرطبي -رحمه الله تعالى- في بيان معنى هذه الآية. إلى غير ذلك من الأدلة.

أما السنة النبوية فمن أوضح الأدلة ما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».

وروى معمر بن راشد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: “القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده …”. إلخ.
فدلت هذه الأدلة على أن الظاهر والباطن متلازمان، وهذه عقيدة مُقررة عند أهل السنة، وقد بيَّنها الآجري في كتابه (الشريعة) وغير واحد، وممن تكلم على ذلك كثيرًا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فمما ذكر في المجلد الرابع عشر في الصفحة العشرين بعد المائة، قال:

“وكذلك تكذيب الرسول بالقلب، وبغضه وحسده والاستكبار عن متابعته أعظم إثمًا من أعمال ظاهرة خالية عن هذا، كالقتل والزنا والشرب والسرقة، وما كان كفرًا من الأعمال الظاهرة كالسجود للأوثان وسب الرسول ونحو ذلك، فإنما ذلك لكونه مستلزمًا لكفر الباطن …” إلى آخر كلامه.

فهذا كلام واضح في أن الظاهر والباطن متلازمان، وأن من كفر ظاهرًا فهو لاستلزامه الكفر في الباطن، وفي هذا ردٌ على الجهمية والمرجئة الذين لا يرون أن الظاهر والباطن متلازمان، وقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في المجلد السابع كما في (مجموع الفتاوى) في الصفحة السابعة والثمانين بعد المائة، قال في ثنايا كلام له وقد ذكر حديث النعمان بن بشير وأثر أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:

“فإذا كان القلب صالحًا بما فيه من الأعمال علمًا وعملًا قلبيًا لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر، والعمل بالإيمان المطلق، كما قال أئمة الحديث: قول وعمل، قول ظاهر وباطن وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد”.

فهذا واضح في أن الظاهر والباطن متلازمان صلاحًا وفسادًا، ومما ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في كتابه (الصارم المسلول) في المجلد الثالث في الصفحة الثامنة والأربعين بعد الستمائة، قال:

“وإذا ثبت أنه كافر مستهين به فإظهار الإقرار بالرسالة بعد ذلك لا يدل على زوال ذلك الكفر والاستهانة”
قال -وهذا الشاهد-: “لأن الظاهر إنما يكون دليلًا صحيحًا معتمدًا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يُلتفت إلى ظاهر قد عُلم أن الباطن بخلافه”.

فإذن الأصل أن الظاهر والباطن واحد، وأنه إذا فسد باطنًا فسد ظاهرًا، وأن فساده ظاهرًا دليل على فساده باطنًا، وهذه عقيدة عند أهل السنة وهي أن الظاهر والباطن متلازمان، وهذا من أقوى الردود على الجهمية والمرجئة بجميع أصنافهم الذين لا يرون أن الظاهر والباطن متلازمان.

لكن أنبه إلى أمر، لا يُشترط في التكفير بالظاهر أن نعرف الباطن، فإذا قُدر أن رجلًا سب الله، فهو كافر ظاهرًا وباطنًا، فكفره ظاهرًا دليل على كفره باطنًا، وليس معنى أن الظاهر والباطن متلازمان أننا لا نُكفره إلا بعد معرفة الباطن، وهذا خطأ بل إذا فعل فعلًا كفريًا فإنه يُكفر وكفره ظاهرًا دليل على كفره باطنًا، وهذا في الكلام على الأنواع، أما من جهة العين فلا يكفر معين إلا بعد توافر الشروط وانتفاء الموانع.
أما ما ذكر السائل من كلام ابن القيم، فابن القيم في كتابه (الصلاة) جعل الأعمال نوعين، النوع الأول مُضاد للإيمان من كل وجه، والنوع الثاني ليس مُضادًا للإيمان من كل وجه، والأعمال المُضادة للإيمان من كل وجه هي التي كفر في نفسها كسب الدين، والاستهزاء برب العالمين أو بدين الله، أو السجود للأصنام، إلى غير ذلك، فهذه أعمال كفرية لا تحتمل إلا الكفر ومن وقع فيها فهو كافر ظاهرًا ودليل على كفره باطنًا، فالظاهر والباطن متلازمان صلاحًا وفسادًا.

أما الأعمال التي تحتمل الكفر وغيره، فلا يُكفر صاحبها إلا بعد الاستفصال منه كما بيّنه ابن تيمية في مواضع كما في (مجموع الفتاوى) وهو معنى قول ابن القيم لما قال: “من الأعمال ما لا يُضاد الإيمان من كل وجه” أي لابد فيه من الاستفصال.

والكلام على مثل هذا يطول، وقد بيَّنته في مواضع كثيرة.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

968_1


شارك المحتوى: