هل كان السلف يُوقفون الجمع والجماعات عند حصول الطاعون والأوبئة في أرضهم؟


يقول السائل: هل كان السلف يُوقفون الجمع والجماعات عند حصول الطاعون والأوبئة في أرضهم؟
 
الجواب:
لم أقف على شيءٍ عند السلف أن حاكمهم أو ولي أمرهم منع الناس من صلاة الجمعة والجماعات في المساجد لأجل الأوبئة المعدية، لكن هذا لا يدل على أن فعل ذلك لا يصح وأنه يكون من جملة البدع إذ انعقد سببه عند السلف ولم يفعلوه، فإذن لا يصح لمن بعدهم أن يفعل ذلك.
 
وهذا لقاعدة مهمة قد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الاقتضاء) وهو أنه لا يُستدل بالترك إلا إذا وُجد المقتضي في زمن من قبلنا ولا مانع يمنعهم من فعله، فإذا كان كذلك فلا يصح لمن بعدهم أن يتقدموا بين يدي السلف وأن يفعلوا شيئًا لم يفعلوه.
 
أما إذا قُدر أن المقتضي وُجد عندنا ولم يوجد عندهم، أو وُجد المقتضي عندنا وعندهم لكن عندهم مانع يمنعهم من الفعل، وهذا المانع ليس عندنا، فإن لنا أن نفعل خلاف السلف، لأن الحال قد تغيرت.
 
فمثلًا لو قال قائل: إن الأذان بمكبرات الصوت بدعة؛ لان السلف لم يفعلوا ذلك.
فيقال: إنه قد اختلف حالنا عن حال السلف؛ وذلك أن عندهم مانعًا وهو أن مكبرات الصوت لم تُخترع في زمانهم، وقد اتنبه لهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأشار على أبي بكر -رضي الله عنه- بأن يجمع القرآن لما قُتل القرَّاء. أخرجه البخاري. مع أن القرآن لم يُجمع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك لاختلاف الحال، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان حيًا لم يُخشَ من ذهاب القرآن، بخلاف بعد موته فإنه خُشي ذهاب القرآن، إذن اختلف المقتضي.
 
ومثل هذا يُقال في منع الحكومات الإسلامية اليوم، وقد فعلت هذا حتى الحكومات الكافرة بأن منعت المسلمين وغير المسلمين أن يجتمعوا الاجتماعات الدينية، هذه في الدول التي يوجد فيها اجتماعات دينية لمسلمين وغير المسلمين سواء كانت كافرة أو مسلمة.
 
أما في دولتنا دولة التوحيد والسنة السعودية فلا يوجد فيها معابد لغير المسلمين ولله الحمد، وإنما منعت المسلمين من الصلاة في المساجد للجمعة والجماعة، ومثل هذا لا يُقال إن السلف لم يفعلوه فلا يصح لمن بعدهم أن يفعله؛ وذلك لاختلاف الحال، ووجه اختلاف الحال: أن الدول اليوم تقوم على علاج الناس وعلى مكافحة هذه الأوبئة، بخلاف من كان قبلنا فلم تكن الدول كذلك، فإذا كانت الدول مسؤولة عن علاج الناس ومكافحة هذه الأوبئة، فإن هذه الأوبئة تكلفها اقتصاديًا كثيرًا، والاقتصاد هو مؤثر رئيس في قوة الدولة وضعفها، فلو أن دولتنا مثلًا لم تفعل الأسباب للحد من انتشار هذا الوباء ومن العدوى به وتركت الناس يصلون الجمع والجماعات لشاع وانتشر، ثم أخذت تعالجهم ثم أنهكها هذا الأمر اقتصاديًا، فإن دولتنا ستضعف اقتصاديًا مما يُضعف قوتها ويجعلها متأخرة في قوتها بين الدول الكفرية، ومثل هذا يُقال في غيرها من دول المسلمين.
 
فإذن اختلف المقتضي في زمننا عن زمن من قبلنا؛ وذلك أن الدول في هذه الأزمان مسؤولة وقد أخذت على نفسها مشكورة على معالجة من تحتها من مواطنيها ومقيميها، ومثل هذا يُكلفها اقتصاديًا كثيرًا، بخلاف من كان قبلنا.
 
فإذن المقتضي اختلف، فلا يصح أن يُقال في مثل هذا إن السلف لم يفعلوه فلا يصح لنا أن نفعله، أظن الجواب واضحًا -إن شاء الله تعالى-.
 
وقبل أن أختم هذا، مما عجبت له أن عبد الرحمن عبد الخالق وأمثاله استدلوا بمثل هذا الدليل، وهم لم يستدلوا بهذا تعظيمًا للسلف، وإنما مناطحة للحكومات، لأنهم تركوا اتباع السلف في أشياء كثيرة، منها في الدعوة للخروج والثورات على الحكومات، ومنها في جعل الحكم والمرجع صندوق الاقتراع، إلى غير ذلك.
 
فلو ذكر هذا غير عبد الرحمن عبد الخالق ممن يُعرف باتباع السلف فالتبست عليه هذه الشبهة لقُبل منه، أما مثل عبد الرحمن عبد الخالق فلا يُقبل منه لأن حاله على خلاف ذلك، فحاله على خلاف حال تعظيم السلف واتباعهم كما يعرف ذلك من يعرف حاله.
 
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

920_1


شارك المحتوى: