بنر المؤمن بين سعة الرزق وضيقه

هل إذا اغتُسل في الماء الدائم يصبح نجسًا ولو لم تتغير أحد أوصافه بنجاسة؟


يقول السائل: أنا طالب من إندونيسيا، عندي سؤال: أنا سمعت صوتية لأحد المشايخ في شرحه لكتاب (بلوغ المرام) بأن القول الراجح في الماء إذا سقط فيه نجاسة ولم يتغير أحد أوصافه فماؤه طاهر ومطهر، لكن عندي إشكال، في اغتسال الجنب في الماء الدائم الذي لا يجري، بأن الماء يكون نجسًا كذا ولو لم يتغير أحد أوصافه؟

الجواب:

أصح أقوال أهل العلم – والله أعلم- أن الماء قسمان:

القسم الأول: طاهر، ويقال: طهور.

القسم الثاني: النجس.

وهذا قول أبي حنيفة، وهو أكثر الروايات عن الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية، وابن القيم، وذكر ابن تيمية ثم ابن القيم الأدلة القوية في ترجيح هذا القول.

ثم أيضًا أصح الأقوال أن الماء لا ينجس، أي: لا ينتقل من كونه طاهرًا أو مطهرًا إلى كونه إلى القسم الثاني وهو النجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة.

وإلى هذا ذهب مالك -رحمه الله تعالى- في رواية المدنيين عنه، وهو رواية للإمام أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم تلميذه ابن القيم، والأدلة قوية في بيان هذا.

فإذن الماء لا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه الثلاثة، بنجاسة، وقد أجمع العلماء على هذا، حكى الإجماع ابن المنذر، وغيره.

فإذا وقعت نجاسة في ماء فإنه لا ينجس إلا إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة، إما بأن يتغير طعمه، أو لونه، أو ريحه بنجاسة، أما إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة بغير نجاسة ولا يزال يسمى ماء فهو طاهر وطهور، كالماء الذي يكون في الغدير وغيره الذي يتغير بشيء من الأعشاب، أما إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة بشيء، وبعد أن تغير خرج عن كونه ماء عند الإطلاق، فإنه لا يكون ماء يُتطهَّر به.

فالمقصود: أن الماء إذا تغيرت أحد أوصافه الثلاثة، إما ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة فإنه يكون نجسًا، وما عدا ذلك من الماء عند الإطلاق فإنه طاهر وطهور.

أما الإشكال الذي ذكره السائل في قول النبي ﷺ: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.

وللبخاري قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه»، ولمسلم منه.

ومحل الإشكال -والله أعلم- عند السائل أن هذا الماء لا يُغتَسل فيه مع أنه لم تتغير أحد أوصافه الثلاثة.

والجواب عن هذا أن عدم الاغتسال في هذا الماء ليس من باب التحريم، وإنما من باب الكراهة، كما ذكر ذلك الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وبيَّن النووي، ثم شيخ الإسلام ابن تيمية أن النهي فيه من باب سد الذرائع حتى لا يتكاثر البول في هذا الماء، ثم تتغير أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة البول.

ويؤيد هذا أنه تقرر أن الماء لا ينجس إلا بأن تتغير أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة، إذا تبين هذا فالنهي في هذا الحديث ليس لأجل نجاسة لما تقدم ذكره من أدلة.

فيحمل النهي في هذا الحديث على أنه من باب الاحتياط، والقاعدة الأصولية التي قررها ابن تيمية، ثم ابن القيم: أن ما نُهِي عنه من باب الاحتياط فهو لا يفيد التحريم، ومن أمثلة هذه القاعدة هذا الحديث -والله أعلم-، فإن النهي فيه من باب الاحتياط حتى لا يتكاثر الناس فيه بالبول فينجس.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما ينفعُنا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0