نحن بعد صلاة الجمعة نضع سجادةً ونجمع المال من المصلين في المسجد، هل هذا يجوز؟


يقول السائل: نحن بعد صلاة الجمعة نضع سجادةً ونجمع المال من المصلين في المسجد، هل هذا يجوز؟

الجواب:
قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «من سمع رجلًا ينشد ضالته في المسجد فليقل: لا ردَّها الله عليك، فإنَّ المساجد لم تُبنَ لذلك».
ومعنى هذا الحديث -والله أعلم-: أنَّ كل أمر خيرٍ وعبادةٍ وطاعة فإنَّ المساجد بُنيت من أجله، كحِلق العلم، وكالاجتماع على الخير وجمع صدقة الفطر وغير ذلك، لأنَّ الجامع لها أنها عبادات وطاعة وأنها من أمور الآخرة.

وقد ثبت في حديث جرير أنَّ قومًا دخلوا على النبي ﷺ المسجد وكانوا مجتابي النمار، وقال جرير: من مضر، بل كلهم من مضر. فدعا النبي ﷺ للصدقة، فتسابق الصحابة على الصدقة. رواه مسلم.

فهذا الحديث يُؤكِّد أنَّ المساجد بُنيت لأجل طاعة الله، وأنَّ مفهوم قوله ﷺ: «فإنَّ المساجد لم تُبنَ لهذا» أي لم تُبن لأمور الدنيا وإنما بُنيت لأمور الآخرة، ومن ذلك -والله أعلم- جمع التبرعات للمسجد بعد صلاة الجمعة أو غير ذلك.

فإن قيل: إنَّ مثل هذا لم يُفعل في عهد النبي ﷺ ولا صحابته الكرام، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
فيقال: إنَّ القاعدة الشرعية في أمثال هذه الأمور أن يُنظر إلى المقتضي وإلى المانع، فإن كان المقتضي موجودًا في عهد النبي ﷺ وصحابته الكرام ولا مانع يمنعهم ولم يفعلوا، ففعلنا له بدعة، أما إذا لم يُوجد المقتضي في زمانهم ووُجد بعد ذلك أو كان في زمانهم مانع منعَ من فعله، ثم زالَ هذا المانع، فإنه لا يُقال بأنه بدعة.

وجمع التبرعات للمساجد في هذه الأزمان -والله أعلم- تختلف عن الزمن الماضي، فإنَّ المساجد في هذه الأزمان تحتاج إلى كلفة وأموال لم تكن الحاجة إليها في الأزمان الماضية، من أموالٍ تُبذل للكهرباء وصيانة المسجد وأحيانًا استئجارها، فإنَّ في بعض الأماكن لا يتيسَّر شراء أرض، فيضطر المسلمون لاسيما في الأقليات أن يستأجروا مكانًا، إلى غير ذلك مما يُحتاج إليه في هذا الزمن وهو لم يكن في زمن من قبلنا.

فإذن المقتضي لجمع المال لم يكن موجودًا في زمانهم واختلف الحال بالنسبة إلى زماننا، فمثلُ هذا -والله أعلم- لا يُقال إنه بدعة ويُمنع منه لاختلاف المقتضي، وهذه قاعدة مهمة قد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الاقتضاء) وهي فارقٌ دقيقٌ بين المصالح المرسلة والبدع المُحدثة.

أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.

1074_1


شارك المحتوى: