منزلة الخوف من الله تعالى وحاجة الإنسان إليه


 

الخطبة الأولى

الحمد لله العزيزِ المجيد، ذي البطش الشديد، الفعالِ لما يريد، المنتقمِ ممن عصاه بالنار بعد الإِنذار بها والوعيد، المكرمِ لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد، فسبحان من قسّم خلقه قسمين وجعلهم فريقين {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.

وأشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، ولا كفو ولا عدل ولا ضد ولا نديد، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إِلَى التوحيد، المحذر للعاصين من نار تلظى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفذ نعيمها ولا يبيد.

صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، أما بعد:

فإنّ الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة عَلَى عظمته وكبريائه؛ ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه؛ ليتقوه بصالح الأعمال.

وقد فرض الله تعالى الخوفَ منه على كل أحد، قال سبحانه وتعالى {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، وقال تعالى {وإياي فارهبون}، وقال {فلا تخشوا الناس واخشون}، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم، فقال {إنّ الذين هم من خشية ربهم مشفقون} إلى قوله {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}، وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، قول الله {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} أهُوَ الذي يزني، ويشرب الخمر، ويسرق؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف أن لا يقبل منه» قال الحسن – رحمه الله -: “عملوا والله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إنّ المؤمن جمع إحسانًا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنًا”.

وضمن سبحانه الجنة لمن خافه من أهل الإِيمان، فقال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى# فإنّ الجنة هي المأوى)، وقال تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان).

وذكر سبحانه أنّ أهل خشيته هم العلماء العارفين به، فعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين « فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم ‌له ‌خشية»، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «عُرضت علي الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم ‌لضحكتم ‌قليلًا ولبكيتم كثيرًا» رواه مسلم.

عباد الله: إنّ العبد في هذه الدنيا لا غنى له عن الخوف من الله تعالى طرفة عين، بل هو في حاجةٍ ماسّةٍ إلى الخوف منه سبحانه، وأن يكون منه على حذر في كل ما يأتي ويذر، لاسيما في هذه الأزمان التي سهل فيها الوصول إلى محارم الله واقتراف الذنوب وكثرة ملابستها؛ فإنّ الخوف يقمع الشهوات ويكدّر اللذات ويعين العبد على الاجتهاد في الطاعات.

قال أبو سليمان الداراني: أصل كل خير في الدُّنْيَا والآخرة ‌الخوف ‌من ‌الله عزّ وجلّ، وكل قلب ليس فيه خوف الله فهو قلب خَرِب. وقال بعض السلف: إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واقدروه حقّ قدره وعظّموه، (واعلموا أنّ الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه).

واعلموا أنّ الخوف المحمود الصادق: هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:”الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله”.

والخوف ليس مقصودًا لذاته، بل هو مقصود لغيره، ولهذا يزول بزوال المخوف؛ فإنّ أهل الجنة لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

عباد الله: ينبغي علينا أن نكون في سيرنا إلى الله بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه.

فالمؤمن يجمع بين الخوف من عقاب الله وعدله، وبين الرجاء والطمع في ثوابه وفضله، فالخوف يردعه عن المعاصي والتقصير، والرجاء يحثه على الطاعة ويطيب له المسير.

وقد استحب السلف أن يقوى في الصحة جانب الخوف على جانب الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يُغلّب الرجاء على الخوف.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اعلموا أنّ الله شديد العقاب وأنّ الله غفورٌ رحيم).

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: (إنّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين.

اللهم احفظ ولاة أمرنا، ووفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك واجعل عملهم صالحًا في رضاك، اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه يا رب العالمين. اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود والثغور وفي الداخل يا قوي يا عزيز.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا؛ إنك أنت التواب الرحيم، والحمد لله رب العالمين.

 

أعدها: بدر بن خضير الشمري، للملاحظات يرجى التواصل عبر الرقم/ 00966533646769.

منزلة الخوف من الله تعالى وحاجة الإنسان إليه


شارك المحتوى: