مشروعية صيام يوم قبل و بعد يوم عاشوراء معه


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد.

فقد انتشر في هذه الأيام فتاوى غريبة تنقل عبر شبكات التواصل تشكك الناس في ماجرت عليه فتوى علماء هذه البلاد -حرسها الله- الكبار من القول بجواز صيام يوم قبل و بعد يوم عاشوراء معه وأن هذا لا أصل له بل وبالغ بعضهم فعد صيام التاسع والعاشر والحادي عشر معاً من البدع المحدثة!
فأردت في هذه العجالة أن أبين خطأ هذا القول وتعسّف قائليه وإنكارهم لما قد صح به الدليل وقال به الراسخون، فأقول مستعيناً بالله:

أولاً- متن الحديث الوارد في هذا ولفظه:

عن عبدالله بْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا».
وفي لفظ: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ؛ صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا».
وفي لفظ:« لَئِنْ بَقِيتُ لآمُرَنَّ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ».

ثانياً- تخريجه ودراسة أسانيده:

أخرجه أحمد رقم(2154)، وابن خزيمة رقم(2095)، وابن عدي في “الكامل”(3/88)، وابن بشران في “أماليه” رقم(475) والبيهقي في “سنن الكبرى”(4/ 287)، وفي “فضائل الأوقات” رقم(243)، وأبو القاسم الأصبهاني في “الترغيب” رقم(1872)من طريق هشيم بن بشير.
والحميدي في “مسنده” رقم(485)-ومن طريقه البيهقي(4/287)- عن سفيان بن عيينة.
وابن عدي (3/ 89) من طريق الحارث بن النعمان بن سالم عن سفيان به.
والبزار في “مسنده” رقم(1052-كشف الاستار)عن عيسى.
والطبري في “تهذيب الآثار” (مسند عمر 1/ 387) والطحاوي في “شرح المعاني” (2/ 78)من طريق أبي شهاب عبد ربه بن نافع الحناط الصغير.
والطحاوي (2/ 78)من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى.
جميعهم (هشيم، وسفيان، وعيسى، وأبو شهاب، ومحمد بن عمران ) عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده ابن عباس، فذكره.
وهو عندهم -إلَّا البزّار- بالتخيير. “صوموا قبله يومًا أو بعده … “.

قال البزار: “قد رُوي عن ابن عباس من غير وجهٍ، ولا نعلم روى: (صوموا قبله يومًا أو بعده) إلَّا داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس، تفرّد بها عن النبي – صلى الله عليه وسلم -“. أهـ.

وقال الهيثمي في “المجمع” (3/ 188 – 189): “وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام”. أهـ.
وهو صدوق سيّء الحفظ جدًا كما في “التقريب”.

وقال البوصيري في”اتحاف الخيرة”(3/81):”رَوَاهُ مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، لِضَعْفِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، لَكِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ تَابِعُهُ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحِ بْنِ حَيِّ”.
ومتابعة ابن حي أخرجها ابن عدي  في “الكامل” (3/ 89)من طريق عَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ، عن سفيان بن عيينة عنه.

وقال الغماري في “المداوي”(4/348) وهو يتعقب تضعيف المناوي للحديث:
“كلام الهيثمى لا يدل على أن الحديث غير صحيح، فإن ابن أبي ليلى المذكور فقيه عالم مجتهد، وإنما كان سئ الحفظ فوقعت المناكير في حديثه، وليس هذا الخبر مما يهم فيه الإنسان لقلة ألفاظه وصغر متنه، وأما داود بن على فهو ثقة أيضًا، قال عثمان الدارمى عن ابن معين: شيخ هاشمى إنما يحدث بحديث واحد، قال ابن عدى: أظن الحديث في عاشوراء، وقد روى غير هذا بضعة عشر حديثا، وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدى: عندى أنه لا بأس بروايته عن أبيه عن جده، فهذا توثيق للرجلين يجعل الحديث حسنا، فإذا وجد له شاهد ارتفع إلى الصحيح، ولهذا الحديث شواهد متعددة يطول بذكرها الكتاب.
وأما قول الذهبى: ليس بحجة فمراده أنه ليس من أهل الرواية والإتقان لها ولا من أهل هذا الشان لأنه كان أميرًا حاكمًا كما ليس من شأنه الرواية، ولذلك عقب ذلك بقوله: قال ابن معين أرجو أنه لا يكذب، إنما يحدث بحديث واحد ثم ذكر الذهبى الحديث لا على أنه من منكراته، وإنما ذكره تبيينًا لما نص عليه ابن معين من أنه ليس له إلا حديث واحدٌ، ثم ذكر أحاديث أخرى مما استدركه ابن عدى، وبين أن ابن أبي ليلى توبع عليه عن داود، فقال: وروى الحسن بن حى عن داود نحوًا من هذا”.
وقد صح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله، لكن دون ذكر الحادي عشر، وله عنه طريقان:
الأول: يرويه ابن جريج أخبرني عطاء أنّه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر.
أخرجه عبد الرزاق (7839) عن ابن جريج به.
ومن طريقه أخرجه البيهقي (4/ 287) وفي “فضائل الأوقات” (242)
وأخرجه الطحاوي في “شرح المعاني” (2/ 78) من طريق رَوح بن عبادة البصري ثنا ابن جريج به. وإسناده صحيح.
وأخرجه الطبري في “تهذيب الآثار” (مسند عمر 1/ 392) بإسناد صحيح عن أبي كُريب محمد بن العلاء الهَمْداني ثنا ابن عُيينة عن عمرو بن دينار سمع عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: فذكره.
الثاني: يرويه سفيان بن عيينة سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود.
أخرجه الشافعي كما في “التلخيص” (2/ 214) عن سفيان به.
وبالجملة فالحديث المرفوع حسن لغيره إن شاء الله ومثله يمشى ويرخص فيه؛ لأنه وارد في الفضائل.

ثالثاً: من فوائده ومسائله:

قال الإمام أحمد: “من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام، ابن سيرين يقول ذلك” [” المغني ” (4/441)].
فتبين بهذا أنه لا يصح وصف صيام الأيام الثلاثة بأنه لا أصل له.

وأما من فاته صيام اليوم التاسع، فإن صام العاشر وحده، فلا حرج في ذلك، ولا يكون ذلك مكروهاً، وإن ضم إليه صيام الحادي عشر فهو أفضل.
قال المرداوي في “الإنصاف” (3/346):
“لا يكره إفراد العاشر بالصيام على الصحيح من المذهب، ووافق الشيخ تقي الدين [ابن تيمية] أنه لا يكره”.

وقال ابن رجب في “اللطائف”(ص51):”جاء في رواية: “أو بعده” فإما أن تكون “أو” للتخير أو يكون شكا من الراوي: هل قال قبله أو بعده وروي هذا الحديث بلفظ آخر وهو: “لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله ويوم بعده” يعني عاشوراء وفي رواية أخرى: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ولآمرن بصيام يوم قبله ويوم بعده” يعني عاشوراء أخرجهما الحافظ أبو موسى المديني.
وقد صح هذا عن ابن عباس من قوله من رواية ابن جريج قال: أخبرنا عطاء أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر قال الإمام أحمد أنا أذهب إليه..وممن رأى صيام التاسع والعاشر: الشافعي رضي الله عنه وأحمد واسحاق، وكره أبو حنيفة إفراد العاشر بالصوم”.
قال السيخ ابن باز -رحمه الله- كما في “فتاوى نور على الدرب”(16/399):
“صيام يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من محرم سنة، ويستحب أن يصوم قبله يومًا، أو بعده يومًا، أو يصوم الثلاثة جميعًا: التاسع والعاشر والحادي عشر”.

والله أعلم وهو الموفق والمعين.

كتبه/ د.خالد بن قاسم الردادي


شارك المحتوى:
1