محرم وعاشوراء


الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلق فسوى ، وأسعد وأشقى ، جعل شهر محرم مغنما للمجتهدين ، وفوزاً لمن أقلع فيه فكان من التائبين ، لأنه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على آخرين ، فسبحانه ما أوسع عفوه ، وأسبغ فضله، نحمده على ما أولى من العطايا ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده الذي أوضح الدلالة ، ورسوله الذي بلغ الرسالة، ونبيه المنقذ من الضلالة ، صلى الله عليه وعلى آله ذوي الشرف الأنيق ، وعلى أصحابه والتابعين لهم بإحسان من كل فريق ، وسلّم تسليماً ، أما بعد :

عباد الله اتقوا الله فإن الله جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ومراحل للآجال يعمرها الناس بما يعملون ، ومن رحمته بعباده أن جعل الشمس والقمر حسبانا ففي الشمس معرفة الفصول وفي القمر حسبان الشهور ، ولله سبحانه أن يختص بفضله من يشاء من عباده، وله سبحانه أن يفضل بعض الأزمان على بعض وأن يخصها بمزيد عناية وكرم، ومن ذلك ما اختص به شهر محرم، فهو شهر عظيم ، مبارك ميمون، والصوم فيه مسنون، وهو أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾  وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.

وشهر الله المحرم أفضل شهور السنة صياماً بعد رمضان قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم » أخرجه مسلم فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم  وأمر بصيامه، ففي الصحيحين وغيرهما عَن ابْنِ عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  الْمَدينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَومٌ صَالحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَني إِسرائيلَ من عَدُوِّهمْ، فَصَامَهُ مُوسَى -شكراً لله تعالى-، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بمُوسَى منكم، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصيَامهِ».

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  يَتَحَرَّى صيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ على غيره إِلا هَذَا اليَوم يَومَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعني شَهْرَ رَمَضَانَ». رواه البخاري.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم  : «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه مسلم، وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم

واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.

ولما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم  حرصه على مخالفة الكفار في عباداتهم وأعمالهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم  بصيام اليوم التاسع مع العاشر، فعند مسلم من حديث ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  : «فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقبلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ» يعني مع العاشر. وهل يجوز إفراد عاشوراء بالصيام حتى وإن كان يوم جمعة أو سبت، يقول أهل العلم: إنه لا مانع منه، وإن كان الأولى صيام يوم قبله أو يوم بعده، كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء.

وذكر الحنابلة أنه إن اشتبه على المسلم أوَّلُ الشهر صام

ثلاثة أيام، ليتيقَّن صومها ، وبه قال الشافعي وهو الثابت عن ابن عباس رضي الله عنه .

وقد أعلن رسميا من قبل المحكمة العليا أن أمس الخميس

هو غرة شهر محرم فيكون يوم عاشوراء هو يوم السبت بعد القادم ، ويستحب صوم التاسع يوم الجمعة قبله .

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ على إحْسانهِ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: يَمُرُّ شهر الله المحرم ويوم عَاشُورَاءُ بِالمُسْلِمِينَ هَذَا العَامَ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى المُؤْمِنِينَ فِي الأَرْضِ المُبَارَكَةِ الأُمَّتَانِ الغَضَبِيَّةُ وَالبَاطِنِيَّةُ؛ فاليَهُودُ قَدِ اسْتَبَاحُوا غَزَّةَ تَدْمِيرًا وَتَقْتِيلاً لِأَهْلِهَا، وَالإِمَامِيَّةُ البَاطِنِيَّةُ وَقَفُوا مَعَ إِخْوَانِهِمُ النُّصَيْرِيَّةِ فِي قَتْلِ كِرَامِ الشَّامِ، وَاغْتِصَابِ نِسَائِهِمْ، وَتَعْذِيبِ سُجَنَائِهِمْ، وَسَحْلِ شَبَابِهِمْ، وَتَمْزِيقِ أَطْفَالِهِمْ.

وَالأُمَّتَانِ اليَهُودِيَّةُ وَالبَاطِنِيَّةُ هُمَا أَكْثَرُ أُمَمِ الأَرْضِ طَمْسًا

لِلْحَقَائِقِ، وَمُمَارَسَةً لِلْكَذِبِ، وَتَزْوِيرًا لِلتَّارِيخِ، وَتَدْلِيسًا لِلْوَاقِعِ، وَحِقْدًا عَلَى البَشَرِ كُلِّهِمْ، وَخَاصَّةً عَلَى المُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ المَشْرُوعَيْنِ اليَهُودِيَّ وَالبَاطِنِيَّ يَتَغَذَّيَانِ مِنْ مَوْرِدٍ وَاحِدٍ يَقُومُ عَلَى العُنْصُرِيَّةِ لِلْعِرْقِ وَالطَّائِفَةِ؛ وَلِذَا لاَ يَأْبَهُ اليَهُودُ بِمَنْ يَتَهَوَّدُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلاَ يَرُدُّ البَاطِنِيُّونَ مَرْجِعِيَّةَ دِينِهِمْ فِي غَيْرِ جِنْسِهِمْ، وَقَدْ جَعَلُوا عَامَّةَ مَنْ يَنْتَحِلُ مَذْهَبَهُمُ البَاطِلَ حَطَبًا لِحُرُوبِهِمْ فِي سَبِيلِ إِعَادَةِ مَمْلَكَةِ فَارِسَ، وَأَمْجَادِ كِسْرَى.

وَكِلاَ النِّحْلَتَيْنِ اليَهُودِيَّةِ وَالبَاطِنِيَّةِ يَدَّعِي أَئِمَّتُهَا أَنَّهُمْ مَظْلُومُونَ، وَيَكْتُبُونَ التَّارِيخَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ، وَيُظْهِرُونَ المَسْكَنَةَ وَالضَّعْفَ؛ فَإِذَا تَمَكَّنُوا أَبَادُوا النَّاسَ وَعَذَّبُوهُمْ، وَشَفُوا غَلِيلَهُمْ بِصِيَاحِ ضَحَايَاهُمْ، وَأَطْفَؤُوا نَارَ قُلُوبِهِمْ بِدِمَاءِ مَنْ جَعَلُوهُمْ خُصُومَهُمْ؛ وَقَدْ رَأَيْنَا ذَلِكَ فِي فِلَسْطِينَ وَلُبْنَانَ وَسُورْيَا وَالعِرَاقِ وَإِيرَانَ، حَمَى اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ

مِنْ تَسَلُّطِهِمْ وَأَحْقَادِهِمْ، وَرَدَّ كَيْدَهُمْ عَلَيْهِمْ،

وَأَبْطَلَ مَكْرَهُمْ.

أن هذا الحدث الأليم يوجب على المسلمين الوقوف مع إخوانهم الفلسطينيين ، والتعاون معهم ونصرتهم ومساعدتهم ، والاجتهاد في رفع الظلم عنهم بما يمكن من الأسباب والوسائل تحقيقًا لإخوة الإسلام ورابطة الإيمان ، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾   وقال ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ، وشبك بين  أصابعه ) متفق عليه وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له  سائر الجسد بالحمى والسهر  ) متفق عليه  . وقال  عليه الصلاة والسلام (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا

يخذله ولا يسلمه ولا يحقره)   رواه مسلم

إننا ونحن نتابع مثل هذه الأحداث المؤلمة لا نملك لهم إلا الدعاء الصادق لهم، بأن يرفع الله محنتهم ويكشف غمتهم، ويحقن دماءهم ويتقبل قتلاهم، ويشفي مصابهم ومرضاهم، ويربط على قلوبهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا، وأن يولي عليهم خيارهم الذين يقيمون فيهم شرع الله ويكبت منافقيهم ومترزقة الأموال ومقتنصي المواقف .

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرْك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين

اللهم من أراد بلادنا بسوء في دينها أو أمننها أو استقرارها اللهم اشغله في نفسه ورد كيده في نحره وجعل تدبيره تدميرا له وافضح يا رب العالمين

اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء،

أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق .

اللَّهُمَّ وصَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمعين، وآخر دعوانا أن َالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


شارك المحتوى:
0