يقول السائل: متى يقال في الأحاديث على شرط البخاري ومسلم؟
الجواب من وجهين:
الأول: أن الإمام البخاري والإمام مسلمًا لم يذكرا شروطًا، فلم ينص البخاري ولا مسلم على أن شرطه كذا أو كذا، وإنما فهم ذلك العلماء استنباطًا بالنظر إلى طريقتهم، ذكر هذا أبو الفضل المقدسي -رحمه الله تعالى-.
الثاني: إذا قال كثيرٌ من العلماء: على شرط البخاري ومسلم. فهم يريدون به أن يخرجه البخاري أو مسلم على نفس الصورة المجتمعة، بمعنى: قد أخرج مسلم لسفيان بن الحسين -رحمه الله تعالى-، وأخرج أيضًا للزهري لكن أخرج هذا في إسناد، وهذا في إسناد آخر.
فلو أن رجلًا أتى إلى حديث من رواية سفيان بن الحسين عن الزهري، ثم قال: هذا على شرط مسلم.
فهذا لا يصح؛ لأن الإمام مسلمًا لم يخرج حديثًا على صورة رواية سفيان بن حسين عن الزهري، بل رواية سفيان بن الحسين عن الزهري ضعيفة، فهو ثقة إلا في روايته عن الزهري.
فعلى أصح أقوال أهل العلم إذا قيل: على شرط البخاري أو مسلم فالمراد: أن يخرج على نفس الصورة المجتمعة، ذكر هذا ابن الصلاح، وابن دقيق العيد، والذهبي، وابن حجر، والسخاوي.
فإذا تبين هذا ففرق بين قول رجال البخاري ومسلم، وأن يقال: على شرط البخاري ومسلم؛ لأن ما كان على شرط البخاري ومسلم هو أن يخرج بالصورة المجتمعة على ما تقدم ذكره.
وبعد هذا -والله أعلم- أنه لا يصح أن يقال في حديث إنه على شرط البخاري ومسلم، كما أشار لهذا ابن عبد الهادي في كتابه (الصارم المنكي)، ويستفاد ممَّا قرره الحافظ ابن حجر في مسائل في كتابه (النكت على مقدمة ابن الصلاح).
وذلك أن من المعلوم في علم الحديث أنه لابد أن ينظر إلى الإسناد والمتن مجتمعين، بمعنى: أن هذا الإسناد قد يكون صحيحًا في هذا المتن، ولا يكون صحيحًا في متن آخر.
وذلك أنه إذا كان المتن متعلقًا بالحلال والحرام فإنه يشدد فيه، وقد لا يقبل هذا الإسناد فيه، بخلاف إذا لم يكن كذلك، وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله تعالى- مثالًا وهو رواية أُبيّ ابن العباس عن أبيه عن جده في ذكر خيل لهم كان في حائط النبي ﷺ.
فأُبيّ بن العباس ضعيف، وتابعه أخوه عبد المهيمن، وأيضًا أخوه فيه ضعف، ومع ذلك خرج ذلك البخاري، قال ابن حجر في كتابه (النكت على مقدمة ابن الصلاح): وذلك لأن الحديث لم يأت بحكم، فإذا كان كذلك فإنه يسهل فيه.
فلو أن أحدًا رأى هذا الإسناد، وهو من رواية أبيّ بن العباس عن أبيه عن جده، في رواية حديث في الأحكام، ثم قال: إن هذا الحديث على شرط البخاري، من فعل ذلك فقد أخطأ، فلابد أن يراعى هذا فيما يقال إنه من شرط البخاري.
فإذن لا يصح -والله أعلم- القول في حديث إنه على شرط البخاري ومسلم؛ لأنه في باب التصحيح والتضعيف لابد أن يراعى السند والمتن، فقد يكون هذا السند مع هذا المتن صحيحًا، ولا يكون كذلك في متن آخر، هذا مختصر الجواب حول هذا السؤال.