ما لا تعرفه عن حقوق جارك


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22].

أما بعد:

فقد قال تعالى في آية سماها بعض العلماء بالحقوق العشرة، قال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].

ابتدأ الآية ببيان أعظم واجب بين العبد وربه وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة بألا يُذبح ولا يُنذر ولا يُدعى ولا يُستغاث إلا بالله الذي لا إله إلا هو، ولا يطلب المدد ولا العون ولا التوفيق إلا من الله سبحانه، لا من ملك مقرب ولا نبي مرسل، حتى من رسولنا محمد ﷺ فضلًا عن غيره.

ثم قال: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }، ثنى في بيان أعظم حق بين المخلوقين وهو حق الوالدين، لذا قال: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }، ثم ذكر الحقوق فذكر منها قوله: { وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ }، فعدّ من هذه الحقوق، حق الجار.

فدل هذا على أن للجار مكانة عظيمة في الإسلام، فإنه لما كان في الغالب لا يسكن المسلم مكانًا إلا ويكون له جارٌ ذكرت الشريعة حقوق هذا الجار، وذكرت له حقوقًا عظيمة، بل وشددت وحذّرت وبيّنت خطورة أذية الجار، فدل على أن للجار منزلة كبيرة في الإسلام يجب معرفتها والاعتناء بها.

وقد كان للجار منزلة كبيرة في الجاهلية، فجاء الإسلام فحث على هذا الخلق الكريم وكمله وهذبه، وإن أدلة الشريعة في الجار جاءت بطريقين:

  • الطريق الأولى: الإحسان إلى الجار.
  • الطريقة الثانية: كفّ الأذى عن الجار.

ومن الإحسان إلى الجار قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى قوله سبحانه: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} أي: عاملوا الجار بالإحسان، والإحسان للجار كلمة جامعة لكل تعامل حسن سواء كان فعليًا أو قوليًا، وأخرج الإمام مسلم عن أبي شريح -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» فدلت هذه الأدلة على وجوب الإحسان إلى الجار.

وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه».

يا سبحان الله!

هذا الملك العظيم جبريل يُكثر الوصية على رسولنا ﷺ في الجار، حتى يظن نبينا محمد ﷺ أن ربنا سيجعل الجار شريكًا لأولادنا وأزواجنا في الميراث!!

إنه أمر عظيم لمن تفكر فيه وتدبره، ودليل كبير على عناية الشريعة بأمر الجار.

ومن أدلة الإحسان للجار أن يُبتدأ بالمعروف، عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك». رواه مسلم.

وثبت في مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «يا نساء المسلمين، لا تحقرنَّ جارة جارتها ولو فرسن شاة» و“فرسن الشاة” هي الحافر من الشاة، حتى هذا الحافر لا تحقر الجارة أن تعطي جارتها هذا الأمر القليل الذي يدل على المحبة وعدم الكلفة بينهم، وهو خير من ألا تعطي جارتها شيئًا.

وأبلغ الإحسان إلى الجار الصبر على أذاه وأذى أولاده، فإنه كثيرًا ما يحصل بين الجيران ما يوجب الصبر، فمن وُفِّق وصبر على أذى الجار فاز بأجر عظيم وبدرجة عالية، فإن هذا من الإحسان إلى جاره.

فاتقوا الله إخوة الإيمان وقوموا بواجب الإحسان إلى الجار لتفوزوا برضا الرحمن.

الطريق الثاني: كف الأذى عن الجار.

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جارهُ بوائقه»، ومعنى البوائق: أي ظلمه وأذيّته، حلف ﷺ ثلاثًا !!!

وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال ﷺ: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جارهُ بوائقه».

وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه – أن النبي ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره».

وكف الأذى عن الجار شامل لكل أذى من عدم نشر عيوبه بل سترها ومن كف أذى الأصوات المزعجة، وأذى الاعتداء على أولاده أو ممتلكاته كداره أو سيارته وكف أذى النفايات والمخلفات عن بيته، وكف أذى خروج الماء من داره إلى الطريق والشارع بما يؤذي المارة على السيارات والأقدام من الجار وغيره وهكذا …

إخوة الإيمان، إن الأحاديث كثيرة في الحث على حقوق الجار، وكلما ضعفت نفسك في القيام بحق جارك، فتذكّر أن جبريل -عليه السلام- أكثر على النبي ﷺ الوصية بالجار حتى ظن أنه سيورّثه.

اللهم يا من لا إله إلا أنت، يا رب العالمين، يا رحمن يا رحيم، اللهم منَّ علينا بالقيام بحقك، ثم بحقوق عبادك، وحق الجيران وغيرهم يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإنه كلما كان الجار أقرب، كان حقه أعظم، ثبت في البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه قيل لرسول الله ﷺ: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «أقربهم».

وقال الإمام الزهري والأوزاعي -رحمهما الله -: الجار هو أربعون بيتًا عن يمينك، وأربعون بيتًا عن شمالك، وأربعون بيتًا أمامك، وأربعون بيتًا خلفك. وعلى هذا جماهير أهل العلم.

وإن من أعظم القيام بحقوق الجار ولإحسان إليه القيامَ بالحقوق الدينية بأن يُتعاهد الجار بالنصيحة، وبالتعاون على البر والتقوى، وأيضًا أن يُتعاهد الجيران بنشر العلم الشرعي والدعوة إلى الله بأن يقوم بذلك إمام المسجد أو غيره ممن لديه علم، فلنتعاون جميعًا على البر والتقوى، وإذا كان هناك جار لا يصلي فلنتعاهده بالنصيحة حتى يؤدي الصلاة مع المسلمين.

وإذا كان عندنا جار فيه كذا أو كذا، فلنتعاهده بالنصيحة، ولو بكتابة رسالة بالواتساب، أو بالجوال أو برسالة خطية، أو بغير ذلك، فإن هذا من أعظم حقوق الجار.

وإن من حقوق الجار أن يتعارف الجيران بعضهم على بعض، فيتفقّد بعضهم بعضًا بأن يعاد المريض ويساعد المحتاج، ويكون بينهم ألفة وتواصل، ومن القصور الكبير الذي نعيشه هذه الأيام أنه يتجاور الرجلان السنة والسنتين، بل والسنوات العشر ولا يعرف بعضهم بعضًا، وهذا من التقصير العظيم.

أيها الجار الكريم: بادر بزيارة جارك، والتعرف عليه وعلى أولاده ومعاملته المعاملة الحسنة، بادر بدعوته وضيافته احتسابًا للأجر وقيامًا بحقه فإن هذا من الدين ومكارم الأخلاق.

أيها الجار الكريم: بادل جارك التعارف والمعاملة الحسنة والزيارة والضيافة والبشاشة فإنه كاد أن يكون شريكًا في ورثك مع أولادك.

أيها الجار الكريم: اصبر على أذى جارك وقابل الإساءة بالإحسان فإن هذا من أجل القرب والعبادات، ومن مكارم الأخلاق.

 

 

قال الإمام الشافعي –رحمه الله-:

ومن يقض حقَ الجار بعد ابن عمه ** وصاحبه الأدنى على القرب والبعد

يعش سيدا يستعذبُ الناسُ ذكرَه ** وإن نابه حقٌ أتوه على قصد

أسأل الله أن يعيننا على القيام بحق عباده ومن ذلك حق الجار، اللهم اجعلنا ممن يحسن إلى جيراننا، اللهم إننا نعوذ بك أن نؤذي جيراننا.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

اللهم اهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

نسخة للطباعة
تنزيل الكتاب
نسخة للجوال
تنزيل الكتاب
dsadsdsdsdsads

Tags: , , ,

شارك المحتوى: