ما ضابط الاستشهاد بالآثار الإسرائيلية؟


يقول السائل: ما الضابط في الاستشهاد بالآثار الإسرائيليات في باب العقائد أو في الوعظ إذا كانت منكرة من حيث السند؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

ليعلم أن في الباب حديثين مفيدين في التحديث عن بني إسرائيل:

الحديث الأول: أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج».

الحديث الثاني: أخرج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام، وقال رسول الله ﷺ: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة: 136]» … الآيَةَ.

ففي هذين الدليلين ما يدل على جواز التحديث عن أهل الكتاب.

وبهذا نخلص أن ما يُروَى ويُحدَّث به عن أهل الكتاب على أقسام ثلاثة، ذكر هذه الأقسام الثلاثة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في (مقدمة أصول التفسير).

أما القسم الأول: ما جاء عن بني إسرائيل مما علمنا صحته للأدلة التي بين أيدينا من كتاب الله أو سنة رسوله الله ﷺ، فهذا يصدق ويصحح؛ لأن الكتاب والسنة دلَّا عليه.

القسم الثاني: ما علمنا كذبه بمخالفته لما عندنا من كتاب الله وصحيح سنة رسول الله ﷺ، فهذا يُكذَّب ويُرَدُّ.

والقسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من القسم الأول، ولا من القسم الثاني، فهذا لا نكذبه ولا نصدقه، وإنما نحدثه ونحكيه، لقوله ﷺ: «حدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج».

وهذا في الغالب لا فائدة ينبني عليها حكم شرعي، قد يأتي فيه تسمية بعض ما أُبْهِم في كتاب الله سواء من أسماء الحيوانات أو الأشجار، أو من أسماء إخوة يوسف إلى غير ذلك، فهذا لا ينبني عليه حكم شرعي.

وهذا قد ينفع من جهة شحذ الهِمَم، فإنه قد يُروَى عن بني إسرائيل أشياء تؤكد ما في كتاب الله، ولا تُخالف ما في كتاب الله، ولا سنة النبي ﷺ، وفيها تفصيلات تشحذ الهِمَم للعمل من جهة الوعظ والترغيب أو غير ذلك، فيُحدَّث عن بني إسرائيل، ولا يُصدَّق ولا يُكذَّب.

وقد جرى على هذا المفسرون، ومشوا على هذه الطريقة؛ والتفاسير مليئة بذلك، ومنها تفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى-.

فالخلاصة أنه يقسم الأقسام الثلاثة، والقسم الذي لا يُصدَّق ولا يُكذَّب لا ينبني عليه حكم شرعي، وإنما يذكر ما يستفاد منه ولا يضر، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

لكن ليعلم أن ما تقدم شيء، ومسألة شرع من قبلنا شيء آخر، فمسألة شرع من قبلنا تنازع العلماء في حجيته على أقوال، وأصح الأقوال -والله أعلم- أن شرع من قبلنا شرع لنا، كما ذهب إلى ذلك عامة السلف، وجمهور الفقهاء، كما عزا إليهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، وعزاه الزركشي في كتابه (البحر المحيط) إلى أكثر أهل العلم، وهو مقتضى ما ذكره أبو المظفر السمعاني في كتابه (القواطع) وذكره غيره، فشرع من قبلنا شرع لنا، لكن بشروط:

الشرط الأول: أن يكون واسطة النقل كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله ﷺ، وهذا بالإجماع، حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى) وفي كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم)، فلا يصح لرجل أن يقرأ مثلًا في التوراة الموجودة الآن، أو في الإنجيل، أو يقرأ قصصًا نُقِلَت في كتب التفاسير أو غيرها عن أهل الكتاب، فيجعلوها شرعًا لنا، وإنما البحث جار وهو تحرير محل النزاع أن يكون واسطة النقل كتاب الله، أو صحيح سنة رسول الله ﷺ.

الشرط الثاني: ألا يوجد في شرعنا ما يخالف ذلك، فإذا وجد في شرعنا ما يخالف ذلك، فإن شرعنا مقدم على غيره، وكل ما خالفه فهو مردود، وإنما البحث جار فيما نُقِل بواسطة كتاب الله، أو صحيح سنة رسول الله ﷺ، ولم يوجد في شرعنا ما يخالف ذلك، ولا ما يوافقه.

لأن ما وجد مما يوافق شرعنا فإن العمدة على ما جاء في شرعنا، فإذا لم يوجد في شرعنا ما يوافق ذلك ولا ما يخالفه فإنه حجة، ويُذكر دليلًا شرعيٍّا ليُستَدلُّ به.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعلِّمَنا ما ينفعُنا، وأن يَنْفَعَنَا بما عَلَّمَنَا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى:
0