يقول السائل: بعد أن أجازَ القرضاوي الغناء، يدَّعي أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم حرموا الغناء نكايةً في الصوفية، بل إنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه يُجيز الغناء لرفع الحرج والترويح، فما ردكم؟
الجواب:
ليست هذه بأول مغالطات القرضاوي، ولا بتدليسه، فإنَّ مغالطاته وتدليسه وتلاعبه بالشريعة كثير في حق رب العالمين فضلًا عن غيره سبحانه، وهو القائل: لو أنَّ الله عرض نفسه على الخلق لما فاز بنسبة 99% … إلى غير ذلك من كلماته الكثيرة الوقحة في الدِّين وفي العقيدة وفي الفقه.
فالمقصود أنَّ زعم القرضاوي أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم حرَّما الغناء نكايةً بالصوفية هذا كذب وتدليس وبهتان، إذا ثبتَ هذا الكلام عنه -وأنا عن نفسي لم أسمعه لكن على ما ذكر السائل وليس ببعيد عن القرضاوي- بل هذا الأمر لو ثبتَ عنه فهو قليل بالنسبة إلى طوامه الكثيرة.
وذلك أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية ثم ابن القيم حرموا الغناء لأدلة شرعية كثيرة، وكتب ابن القيم كتابًا سماه (السماع) بل إنَّ ابن القيم نقلَ إجماع الصحابة على تحريم الغناء غير المصحوب بالمعازف إذا كان له أوزانه، فضلًا عن المصحوب بالمعازف.
فإذن العمدة في التحريم هو الإجماع والأدلة من الكتاب والسنة، وليس السبب ما ذكر أنه نكايةٌ بالصوفية، وهذا من الخطأ على هذين العالمين، ومن جهة أخرى مُغالطة لأدلة الشريعة الكثيرة، ومن جهة ثالثة مخالفة لإجماع العلماء الذي حكاه غير واحد في تحريم الغناء، فقد حكى الإجماع على حرمة الغناء الآجري والطبري وغير واحد من أهل العلم.
فإذن مثل هذا خطأ، ثم لو تنُزِّل جدلًا وقيل إن ابن تيمية وابن القيم حرموا ذلك لأجل الصوفية، فماذا يُقال في إجماع العلماء السابق، وكلام العلماء الكثير والأدلة الكثيرة في بيان حرمة الغناء؟ بل وماذا يُقال في إجماع الصحابة على حرمة الغناء غير المصحوب بالمعازف إذا كان له أوزانه؟ فضلًا عما هو مصحوب بالمعازف؟
ولا أريد أن أطيل الكلام على حكم الغناء، فقد سبق الجواب عنه كثيرًا، لكن أردت البيان أنَّ كلام القرضاوي خطأ ولا شك فيه.
وهذا كمن يقول: إنَّ ابن تيمية وابن القيم منعوا المجاز لئلا يُستعمل في تأويل الأسماء والصفات، وهذا أيضًا خطأ، بل منعوا المجاز لأنه خطأ في نفسه، ثم بيَّنا أنه على صِحة القول بالمجاز فإنه لا يصح أن يُتمسَّك به في تأويل الأسماء والصفات.
فليس السبب في منع المجاز هو أنَّ أهل البدع استعملوه في تأويل الأسماء والصفات، صحيح أنَّ استعمال أهل البدع للمجاز في تأويل الأسماء والصفات قد جعل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ينشطوا في بيان خطئه، لكن هذا شيء وأن يُقال إنه هو سبب منعهم للمجاز شيء آخر.