لطم عاشوراء وغزو كربلاء


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ومبلغ الناس شرعه وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلام تسليما كثيرا

أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه .

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته … )

عباد الله : في مثل هذه الأيام من شهر الله الحرام شهر محرم كانت وقعة كبرى غيرت مجرى التأريخ زمن نبي الله موسى عليه السلام ، حين خرج موسى ببني إسرائيل ، لما اشتد بطش فرعون وزاد إسرافه وإفساده وتعاليه على عباد الله ، أمر الله موسى  أن يسري بقومه إلى حيث جهة البحر الأحمر وعلم فرعون بخروجهم، فجمع الجموع وخرج في طلبهم ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ﴾ فجاوز بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم كان فرعون قد انتهى إلى شاطئ البحر فعبر نحوهم، حتى إذا ادّاركوا في البحر جميعاً، جاءهم الموج من كل مكان فغرقوا عن بكرة أبيهم ،﴿ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾

كانت نجاة موسى عليه السلام أمراً خارقاً للعادة، ومعجزة لنبي الله عز وجل موسى.

وكانت أعظم دليل على عظيم يقينه، وقوة إيمانه، وصدق توكله على ربه، وعظيم ثقته بالمخرج الذي يسوقه الله عز وجل لكل مؤمن به وصادق معه: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)لم يروا للنجاة بصيص أمل، فتجلت حقيقة توكل نبي الله موسى بربه بما ذكر ربنا جل وعلا عنه في جانبين اثنين: قوله (كَلاَّ) أي: ذلك قول غير مقبول ، ثم قرر الحقيقة الأخرى بتقرير أشد في التوكيد، وأعظم في التصديق بقوله: (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)

كان ذلك في يوم عاشوراء اليوم العاشر من شهر الله المحرم، فصامه موسى عليه السلام شكراً لله على النصر للمؤمنين، وصامه محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، ولا يزال المسلمون يتواصَوْن بسنة محمد صلى الله عليه وسلم بصيام هذا اليوم، ويرجون بره وفضله.

وقد قال صلى الله عليه وسلم بشأنه كما عند(م): «يكفر السنة الماضية ”

عباد الله :يوم عاشوراء لا يميز عن غيره من الأيام بفرح أو حزن، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ذلك : فصارت طائفة جاهلة ظالمة ، إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية ، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية ، من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والتعزي بعزاء الجاهلية. اهـ

مع سياقة صنيع أولئك الضلال في لطم عاشوراء نقف مع حدث تأريخي لهم وفي لطم آخر، حدث ارتجف له اخوتهم بالعراق ، ووصل صداها بلاط ملك فارس ، فكان الحزن مضاعفا ، واللطم أشد ،وما يقدمهم شر وأنكى .

ذكرالمؤرخ النجدي ابن بشر : (أنه في السادسة عشر بعد المائتين والألف، سار الإمام سعود بن الإمام عبدالعزيز  بن الإمام محمد بن سعود بالجيوش من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك، وقصدوا أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين، وذلك في ذي القعدة )

قال الشيخ حامد الفقي المصري : فقابله في كربلاء جموع كثيفة من الأعاجم ورجال الشيعة الذين استماتوا في

الدفاع عن معاقل عزهم ومحط آمالهم ، قبة الإمام

الشهيد الحسين رضي الله عنه وغيرها من القباب والمشاهد

قال ابن بشر : وهدموا القبّة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين. وأخذوا ما في القبة وما حولها، وغنموا ما فيها من مال أشيدت به القبة، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوةً، وخرجوا منها قرب الظهر ، وقُتلَ من أهلها قريب ألفا رجلٍ)

عباد الله : كانت هذه الغزاة محل شناعة من المناوئين لدعوة الإمام المجدد ولقاداتها السياسيين من آل سعود ، يطبل لها كل محترق غيظا عليها من رافضي وصوفي ولبرالي ، وهم بالأمس هم اليوم وكثير منهم بين ظهرانينا ، وأذنابهم المتقمصون شفافيف الوسطية – زعموا – من الدعاة الحركيين الصحويين ، فما ملابسات تلكم الحادثة

لن يكون حكمنا مؤرخ  نجدي فضلا عن وهابي كما يقولون ،

بل ولا كاتب عربي ، بل رحالة غربي كافر كان للحادثة قريب ، نذكر منهم اثنين  : أحدهما  سويسري يسمى بوركهارت ، والآخر بريطاني يدعى لوريمر ، ذكر كل منهما في كتابه أن غزو كربلاء ردا لعدوان بعض القبائل العراق الموالية لباشا بغداد اعتدت على حراس سعود لقوافل الحجاج من القبائل المحاذية للعراق ، الأمر الذي استدعى الإمام طلب تسليم القتلة ، فكان محل الرفض من والي العثمانيين العراقي ، فكان تنازل الإمام الى الصلح بالدية ، فقابلوا تلك المساعي بالرفض.

فلم يكن إلا الأسنة مركبا ، والجأ لأخذ الثأر من الجناة

والمعتدين على حرس حدوده وقوافل الحجيج الذين تحت حمايته .

فهل يقول منصف عاقل إن هذا من الشطط ، مع تلكم المحاولات ، وهل أخذ الثأر ممن رفض القصاص والدية اجرام كما زعم والي العثمانيين ببغداد في رسالته للإمام سعود ، من أجله كان الجواب من ذلكم الأسد بقوله في رد رسالته له : قال الإمام سعود وقولك: إنا أخذنا كربلاء، وذبحنا أهلها، وأخذنا أموالها، فالحمد لله رب العالمين، ولا نتعذر من ذلك، ونقول:(وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا )

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم .

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده ..

عباد الله : لقد غفل كثيرون عن تأريخهم القريب ، بل وصار تمدحهم بتواريخ أقوام كانوا دعاة للبدعة وقادة للشرك والتصوف .

قولوا لي بربكم : هل تعرفون شابا ذي العشرين عاما يفتح الأقطار ، ويقطع الشمال والجنوب كالإعصار ، ركبت يهود حلب ودمشق حمير الترحال ، مما أصابها من نبئه لما دخلت مكة سلطانه.

إنه الإمام سعود الذي لم يُعلم أنه هزم له راية ، بل نصر بالرعب الذي ليس له نهاية ، رفع رايات التوحيد فيما وراء الحرة الى عُمان ، واجتاز الكرك وحوران ، ووصل الى أبواب الشام وفلسطين ، وأرسل الى الولاة هناك يدعوهم الى التوحيد .

طالع رسائله الى الملوك والرؤساء وعامة المسلمين تجد العلم والفقه ، والباع الكبير في التوحيد .

اسأل الله أن يجمعنا بتوحيده ويجملنا بالفقه في دينه

اللهم لطفك ورحمتك بإخواننا المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم فرج همهم، ونفس كربهم .

اللهم احفظ بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله،وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم صل وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين


شارك المحتوى:
1