لا يخفى عليكم التحالف الذي تقوده أمريكا ؟ ودخول دولٍ عربية إسلامية تحت راية هذا التحالف أليس هذا ناقضاً من نواقض الإسلام ضد الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النُصرة


يقول السائل: لا يخفى عليكم التحالف الذي تقوده أمريكا – دمّرها الله-، ضد الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النُصرة، ودخول دولٍ عربية إسلامية تحت راية هذا التحالف. السؤال: أليس هذا ناقضاً من نواقض الإسلام كما ذكر هذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته “نواقض الإسلام”، مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، مهما كان عند هذه الفرق من مخالفاتٍ فهم لا يزالون مسلمين، وتحت رعاياهم مسلمون، ولماذا لم نسمع أحدًا من العلماء يذكر جُرم القتال تحت راية الكفار؟

 

يقال جوابًا على هذا السؤال: إنه قبل الجواب ينبغي أن نتنبه إلى أمرين:

الأمر الأول: أن مطلق إعانة الكفار على المسلمين ليس كفرًا، ومن أوضح ما يوضح هذا قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فقد أخرج السبعة إلا ابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه: ((أن حاطبًا كتب إلى كفار قريش يخبرهم بقدوم جيش النبي صلى الله عليه وسلم))، إلى آخر الحديث.

وفعْلُ حاطب هذا مع أنه خطيرٌ على الإسلام والمسلمين، وعلى جيش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو فعلٌ كفعل الجواسيس في نقل أخبار المسلمين إلى الكفار، لاسيما في حربٍ، وفي جيش فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ومع ذلك لم يكفّره الله، بل خاطبه بلفظ الإيمان، مع أن الله أثبت أنه والى الكفار، وأنه ألقى إليهم بالمودة أي المحبة، ومع ذلك لم يكفّره رب العالمين، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء [الممتحنة:1].

لاحظوا جعل الفعل من فعل موالاة الكفار، ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّة أي: بالمحبة.

فخاطب حاطبًا رضي الله عنه بالإيمان، وبيَّن أن فعله من مولاة الكفار، وأنه من إلقاء المودة إليهم، ومع ذلك لم يكفّره رب العالمين سبحانه؛ لأنه خاطبه بالإيمان، بيَّن هذا العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن كما في “الدُرر السنية”، ويؤكد ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حاطب الذي تقدم، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما كتب حاطب بقدوم جيش النبي صلى الله عليه وسلم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ما حملك على ذلك؟)) إلى آخر الحديث، وقال في آخره: ((ومَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَال: اعْلَمُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)). الحديث أخرجه السبعة إلا ابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه وأرضاه.

ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفِّر حاطبًا، ومعلوم أن الكفر لا يُغفَر، وهذا بيقينيات وقطعيات الشريعة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، وقد أفاد هذا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في المجلد السابع من “مجموع الفتاوى”، وبيَّن أن حاطبًا لم يكفُر، ولو كفر لم يُغفر له كفره، وذكر هذا أيضًا الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن كما في “الدرر السنية”.

إذا تبين هذا، تبين أن حاطبًا رضي الله عنه فعل فعلًا هو في أصله فعل الجواسيس، ومع ذلك لم يكفره ربنا سبحانه وتعالى، ولا نبيُّه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فدل هذا على أن فِعْلَ الجاسوس ليس كفرًا، وعلى هذا المذاهب الأربعة، ولم أرَ أحدًا من المذاهب الأربعة كفّر الجاسوس إلا قولًا عند بعض المالكية.

وذهب أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابة “الصارم المسلول”، والإمام ابن القيم في كتابه “زاد المعاد” إلى عدم كفر الجاسوس، بل وذكر الطحاوي الإجماع على ذلك، كما نقله ابن حجر في “شرحه على البخاري”.

إذا تبيَّن أن مطلق الإعانة ليس كفرًا بما تقدم ذكره، فإذن لا يصح أن يقال: إن الإعانة كفر، فإن هناك فرقاً بين الموالاة والتولِّي، فإن الموالاة ليست كفرًا بخلاف التولِّي الذي قال الله فيه: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51].

وقد فصّلت هذا أكثر في كتابي الإلمام شرح نواقض الإسلام”، وفي درس مسجل في “شرح نواقض الإسلام”، وفي درس مسجل بعنوان “ضوابط ومهمات في التكفير”، وكلها موجودة في موقع الإسلام العتيق.

إذن لقائلٍ أن يقول: ما ضابط التولِّي؟ يقال: ضابط التولِّي هو إعانة الكفار على المسلمين لأجل ظهور دين الكفر على الإسلام، وذكر هذا جمعٌ من أهل العلم، وممن ذكر هذا شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى- في تفسيره لسورة المائدة.

ثم يقال بعد هذا، لنفرض جدلاً أن رجلًا يكفِّر الجاسوس، فأقل ما يقال: إن في المسألة خلافًا، ومن المعلوم والمتقرر عند أهل العلم أن الخلاف مانعٌ من تكفير الأعيان، فهو تأويلٌ يمنع من تكفير المعيَّن، كما أشار لهذا النووي رحمه الله في “شرحه على مسلم”، والحافظ ابن حجر في “فتح الباري”، وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب في المجلد الأول من “الدرر السنية”، وذكر هذا كثيرًا شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .

فيهمني أن يُفهم هذا التأصيل، وهو أن مطلق الإعانة ليس كفرًا، وأن المشهور عند العلماء أنهم لم يكفِّروا الجاسوس على ما تقدم ذكره.

الأمر الثاني الذي يهمني أن يُفهم: هو أنه لا يُسلَّم أن الإمام محمد بن عبد الوهاب يكفِّر بمطلق الإعانة، لذا قال في “نواقض الإسلام”: مظاهرة المشركين وإعانتهم، فذكر المظاهرة والإعانة، فدل على أنه لا يكفِّر بمطلق الإعانة.

والمظاهرة – والله أعلم- هي إعانة الكفار على المسلمين لدافعٍ ديني على ما تقدم ذكره.

وبعد هاتين المقدمتين أرجع إلى ما يتعلق بسؤال السائل، وهو واقع هذا التحالف.

ينبغي أن يُعلم يا إخواني أن هناك فرقًا بين أن يقاتل الكفارُ إخوانَنا المسلمين، فيقوم المسلمون بنصرة الكفار على المسلمين، فهذا الذي يجري فيه الكلام هل هو التولِّي؟ وبين أن يكون هناك طائفةٌ من المسلمين آذوا المسلمين، واستحقوا القتل، فيريد المسلمون أنفسُهُم قتالهم؛ لأنهم آذوهم، ولأنهم أفسدوا الدين والدنيا، فلم يتيسر للمسلمين أن يقاتلوهم إلا مع الكافرين، أو عن طريق الكافرين، إلى غير ذلك.

فمثل هذا لا يقال بأنه موالاةٌ ولا تولِّي، فهو خارج البحث، وليس له علاقة بالتولِّي ولا الموالاة، وهذا هو واقعنا؛ فإن الخوارج من “داعش” و”النُصرة” وأمثالهم قد آذوا المسلمين في بلادهم، فيما يسكنون فيه من بلاد الشام والعراق، وآذوا المسلمين في بلدانهم بتفجيرات وغير ذلك، واغتيالاتٍ وغير ذلك، فالمسلمون متضررون منهم ويريدون قتالهم وإزالتهم، لأنهم مفسدون؛ لأن الشريعة أمرت بقتالهم، كما في حديث أبي سعيد في الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم: ((لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ))، وفي رواية أخرى: ((قتل ثمود)).

فقتالهم متعين، ولم يتيسر للمسلمين أن يقاتلوهم إلا عن طريق إعانة الكفار، أو عن طريق الكفار إلى غير ذلك، فهذا ليس له علاقةٌ ببحث التولِّي الذي تقدم ذكره.

ويوضِّح هذا أكثر: لنفرض أنه قد خرج طائفةٌ من المسلمين في بلاد المسلمين، وآذوا المسلمين بقطع الطريق، فهم قطّاع طرق، ولم يستطع المسلمون القضاء على هذه الطائفة التي آذت المسلمين بقطع الطريق، وقطع السبيل، إلى غير ذلك.

فاضطرَّ المسلمون أن يستعينوا بالكفار لقتل هذه الطائفة التي آذت المسلمين بقطع السبيل والطريق، فمثل هذا ليس له علاقةٌ بمبحث التولِّي ولا الموالاة، وإنما هو استعانة بالكفار على أناسٍ يتعين شرعًا قتلُهم لأذيتهم، هذا أمرٌ ينبغي أن يُعرف، وأن تكون دوافعنا شرعيةً لا عاطفيةً.

وأسأل الله الذي لا إله إلا هو، أسأل الله بقوته وهو القوي العزيز أن يدمر دول الكفر كأمريكا وغيرها، وأن يجعل العاقبة لأهل السنة من المسلمين، وأسأل الله بقوته القوي العزيز أن يدمّر هؤلاء الخوارج من داعش ومن النُصرة وغيرهم، وأن يقطع دابرهم، إنه القوي العزيز. وجزاكم الله خيرًا.

dsadsdsdsdsads

شارك المحتوى: